… وفي أيام الشدة يفتقد الاتحاد العمالي العام

آية المصري
آية المصري

البلد في الحضيض. كورونا وأوجاعها وفوقها أزمة مالية ـــ اقتصادية لم يعرف لبنان مثيلاً لها في تاريخه. انهيار العملة الوطنية قضم كل القيمة الشرائية لأجور الموظفين والعمال. البطالة في مستوى شاهق. مؤسسات بالمئات بل بالآلاف تقفل وترمي العمال في الشارع. الدولة عاجزة، أو غير راغبة بالمساعدة، فإلى من يتطلع العامل المسكين؟ النقابات؟ المنطق يقول ذلك لكن التجربة اللبنانية أثبتت أن السياسة أفقدتها جدواها وغايتها، وقد تحولت إلى ذراع حزبي يخدم أطراف السلطة، والسلطة هي الأحزاب المتناوبة على لعبة الحكم والمعارضة.

صعب أن تجد لبنانياً يعول على تحرك نقابي دفاعاً عن مصلحته. منذ زمن طويل نجحت الوصاية السورية في تدجين النقابات ومظلتها الاتحاد العمالي العام، الذي صار يتحرك فقط وفق أجندة سياسية، وحتى انتخاباته تتم وفق محاصصة وتفاهمات عليا. المشكلة أن اللبناني بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى اتحاد عمالي ينصره، فهل هذا ممكن مع الاتحاد الحالي؟

الاتحاد العمالي أداة للحزبيين

أحمد، العامل في أحد المطاعم يقول: “لا يمثلني الاتحاد العمالي العام فالحد الأدنى يفتقد إلى أدنى معايير الكرامة المستحقة للعامل، فلا يوجد تمثيل عمالي حقيقي بأي حكومة شهدها لبنان فهناك مجرد تمثيلات سياسية وحزبية”.

وتؤكد إسراء البالغة ثلاثين عاماً العاملة في سوبرماركت، أن “الاتحاد العمالي العام وُجد لشرذمة العمال وليس لجمعهم، كما يوظف سياسة إقطاعية مقنّعة لتقييد العامل وتطويعه بما تشتهي نفس الإقطاعي والرأسمالي الذي هو بنفسه ينتدب نفسه في الحكومات والنيابات، وأهم دليل على ذلك هو انتهاج الحكومات المتعاقبة سياسات ساهمت بتدني القطاع الصناعي والغنتاجي الذي يعتمد على اليد العاملة”.

علي سائق التاكسي يؤكد: “لا يمثلني الاتحاد العمالي العام، فليعطني حقي”.

الديراني: كيان فارغ

يعتبر المدير التنفيذي للمرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين أحمد الديراني أن “الاتحاد العمالي العام كيان فارغ لا يقدم ولا يؤخر في شيء. فلا اتحاد عمالي عام فعلي حقيقي يُمثل العمال، وجميع أحاديثه ليست سوى تسويق بروباغندا سياسية لصالح مرجعيته الطائفية، فمن أتى برئيسه المكتب العمالي لحركة أمل بتوافق مع بعض التيارات السياسية والطائفية الأخرى. اذاً لا يمثل العمال ولا النقابات العمالية والذي يبرهن ذلك الأعداد الضئيلة المشاركة في الاضرابات والوقفات الاحتجاجية التي يدعو إليها”.

وينتقد غيابه الدائم منذ أيام الانتفاضة وصولاً إلى كورونا وإلى عمليات الصرف التي تجاوزت 600 ألف عامل وعاملة، ويقول: “هناك غياب للاتحاد فنحن لا نسمع فيه ولا يحضر إلا وفقاً لأجنداته السياسية”.

أبو حبيب: البعث وضع اليد على الحركة العمالية

وبرأي النقابي أديب أبو حبيب لــ “لبنان الكبير” أنه “اذا أردنا القيام بمقارنة بسيطة بين الدور الذي لعبه الاتحاد العمالي العام سابقاً والدور الذي يقوم به هناك فرق كبير، ففي ظل الصراع المسلح الذي كان في لبنان عام 1975 إلى 1993 نرى أن الاتحاد كان جامعاً ويمثل الحركة العمالية والحركة النقابية، كان يمثل ضمير الناس فلماذا انكفأ عن ذلك؟ هذا ليس عملاً ذاتياً لأنه خلال الحرب كان يدافع عن حقوق العمال، وإذا دخلنا إلى قانون العمل اللبناني داخل الملاحق نرى أن في ظل الحرب قام بتصحيح الأجور أكثر من عشر مرات حتى أن في بعض السنوات قام بتصحيح الأجور مرتين وزيادة الحد الأدنى للأجور بالأخص في أيام الرئيس سليم الحص وهذا كله كان بفضل تماسك الاتحاد العمالي العام ووحدته النقابية”.

ويكشف أبو حبيب عن أن “أخطر مرحلة عاشها الاتحاد بعد اتفاق الطائف. ففي اتفاق الطائف ومع مجيء حكومة عمر كرامي ارتفع سعر الدولار وجرى إضراب عام في البلد وطبعاً دخل العنصر السياسي في حينها وهذا لا يعنينا لكن يمكننا القول إنه من أنجح الإضرابات التي حصلت. ولا يمكننا أن ننسى عندما أتى وزير العمل عبدالله الأمين الممثل للبعث السوري ومنذ ذاك الوقت بدأ المخطط لوضع اليد على الحركة النقابية من قبل السلطة السياسية وأول الداعمين لهذا المخطط كانت سوريا”.

ويوضح: “عام 1993 كان عددنا 22 إتحاداً و225 نقابة، وقام الأمين لوضع اليد على الحركة النقابية بطرح مشروع “هيكلية نقابية جديدة” بهدف إعادة تنظيم الحركة النقابية، وهذا المشروع يضم 96 مادة ومن ضمن هذه المواد 36 مادة تعطيل صلاحية التدخل في شؤون النقابات، وهذا يتعارض مع الاتفاقيات الدولية ومع الحرية النقابية، رفضنا هذه الهيكلية المقدمة وخلال ندوة عقدت لاتحاد موظفي المصارف برعاية عبدالله الأمين قال أثناءها “إما أن تقوموا بهذه الهيكلية المقدمة أو سأنشئ نقابات لكل الأحزاب والطوائف”، ومن هنا بدأت سياسة تفريخ النقابات وتحولت النقابات عن طريقه وعن طريق جميع من أتى من بعده وجميع النهج العام الرسمي للدولة لوضع اليد واحتلال النقابات حتى أصبح عدد النقابات حالياً 625 نقابة و62 اتحاداً”.

ويؤكد: “نحن أمام مسلسل مستمر منذ ذلك الحين وأكثرية النقابات لم تنشأ كحاجة عمالية بل كحاجة سياسية، ولهذا السبب نرى اليوم أن التحركات ضعيفة جداً والأعداد خجولة فالعمال لم يعودوا يثقون بالنقابات والاتحادات”.

الأسمر: المحاصصة من رأس الهرم

أما رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر فيرد على الاتهامات في حديثه لنا بالقول: “من يتهمنا أننا مسيّسون وأننا غير مكترثين بمصلحة العمال فليدلنا أين نخدم مصلحة الأحزاب؟ عندما نتحرك من أجل لقمة العيش نكون نخدم مصلحة الأحزاب واذا لم نتحرك نخدم مصلحة من؟”.

ويضيف: “حق يراد به باطل، لا نملك ترف الوقت لأي شيء والاتحاد يقوم بواجباته على أكمل وجه، واتمنى على كل من ينتقد أن ينتقد من الداخل وأن ينضّم إلى الحراك القوي الذي حدث في كل المناطق اللبنانية. والمطلوب الالتفاف حول الاتحاد العمالي العام حيث لم تستطع أي منظمة أن تصل للذي وصل إليه هذا الاتحاد”.

ويؤكد: “ليس لي علاقة بالاتهامات السياسية الموجهة لنا ولا أكترث لها لأنها بعيدة كل البعد عن الوقائع، همنا الأساسي الشعب ووجعه، فوضعنا في لبنان نحو الانهيار والموت السريري”.

ويطرح الأسمر العديد من التساؤلات “هل يطبق دستور في لبنان؟ يؤخذ على الاتحاد دوره السياسي وبتأليف الحكومات كيف يكون الدور؟ كيف يقسم مجلس النواب؟ المحاصصة موجودة في مجالس الإدارة وبين المدراء العامين؟ المحاصصة من رأس الهرم إلى الأسفل موجودة، جميعهم لا نراهم وفقط نرى الاتحاد العمالي العام؟ في بلد مشرع فيه كل شيء ماذا يفعل المنتقد للإصلاح؟”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً