50 عاماً… “القبرصة” تتكرس وتنتشر

حسين زياد منصور

هناك العديد من الأقاليم أو المناطق التي تصنف نفسها دولاً، في الوقت الذي لم تنل اعترافاً دولياً كاملاً، ويعود ذلك الى أسباب عديدة ومختلفة، فهذه الدول غير المعترف بها دولياً وغير الموجودة بصورة رسمية على الخرائط الدولية، يمتلك معظمها حكومات وجوازات سفر وعملات خاصة.

وعلى الرغم من وجود بعض الدول التي تستوفي شروط الاعتراف بها من وجود سكان دائمين ضمن إقليم وضوابط محددة وتكون قادرة على حكم نفسها بصورة مستقلة وإقامة علاقات مع بلدان أخرى، إلا أن الحصول على اعتراف من الأمم المتحدة يعتمد على دعم من قوى كبرى، ففي هذه الحالة وإن تم الاعتراف بها من دول أخرى والأمم المتحدة لم تعترف بها فلا يمكن أن تكون رسمياً دولة، وستواجه العديد من الأزمات والصراعات والمشكلات نتيجة لذلك.

والأمثلة على ذلك عديدة مثل كوسوفو وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية وناغورنو كاراباخ – المعروفة أيضاً باسم جمهورية آرتساخ، ولعل أشهر مثال هو جزيرة قبرص المنقسمة، الى شطر قبرصي تركي وشطر قبرصي يوناني، أسس كل منهما دولة، نالت من خلاله دولة قبرص اعترافاً كبيراً بها مقابل دول معدودة اعترفت بقبرص التركية.

الانقسام القبرصي

في تموز 1974 تدخلت تركيا عسكرياً في قبرص إثر انقلاب عسكري للاطاحة برئيس جمهورية قبرص الأسقف مكاريوس، قاده ضباط قبارصة يونانيون قوميون متطرفون. وكان تدخل تركيا في شؤون قبرص خوفاً من استهداف القبارصة الأتراك الذين كانوا يشكّلون نحو 20 في المئة من سكان الجزيرة. وتجدر الاشارة الى أن تركيا واليونان وبريطانيا أصبحت دولاً ضامنة للاستقلال، في الوقت الذي تعترف تركيا بالمنطقة التي تضم الجزء الشمالي الشرقي من الجزيرة المسماة بجمهورية شمال قبرص التركية، إلا أن هذه الدولة في نظر بقية العالم هي أراضٍ قبرصية تحتلها تركيا.

وشجع الأتراك منذ البداية مواطنيهم على الهجرة الى الشطر الشمالي من الجزيرة لتحقيق التوازن السكاني مع القبارصة اليونانيين، الذين انضموا الى الاتحاد الأوروبي في حين فشل القبارصة الأتراك والأتراك أنفسهم في الانضمام اليه.

وعلى الرغم من الكثير من المساعي الدولية والأوروبية والأميركية في سبيل إيجاد حلّ نهائي لهذه الأزمة بتوحيد الجزيرة في جمهورية فيدرالية مشتركة تضم كيانين مستقلين بما يخص الأمور الداخلية، وتقاسم السلطات التنفيذية مناصفةً الا أنها فشلت. ولا تزال الجزيرة ساحة صراع للأتراك واليونانيين.

الى جانب القواعد البريطانية في الجزيرة كونها دولة استعمارية والتواجد التركي، لاسرائيل حصة في وجود مكثف للموساد والاستثمارات الاسرائيلية واليهودية، وفي الجزء التركي تشغل شركة يهودية مرفأ لليخوت السياحية، فضلاً عن اتفاقات التنسيق والتعاون العسكري والاستخباري بين تل أبيب وأثينا ونيقوسيا، خصوصاً بعد اكتشاف الغاز في جوار الجزيرة.

اكتشاف الغاز وترسيم الحدود بين دول المنطقة أدى الى الكثير من التوترات العسكرية، خصوصاً بين تركيا واليونان بعد ان أرسلت سفن البحث والتنقيب عن الغاز إلى جوار الجزيرة على اعتبارها ممثلة لحقوق القبارصة الأتراك مهددة بالتدخل العسكري من جديد في حال حصول أي عمل استفزازي.

قبرص ليست وحدها

هناك دول عدة تعاني من المشكلات نفسها أبرزها في منطقة البلقان، كوسوفو التي أعلنت في العام 2008 استقلالها رسمياً عن صربيا بمعارضتها، لكنها لم تحصل على عضوية الأمم المتحدة على الرغم من دعم روسيا لها واعتراف أكثر من 100 دولة بها. وتجذب السياح الأوروبيين وغيرهم وإن كانت دولة متنازعاً عليها.

في القوقاز أيضاً، أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية المتنازع عليهما، فالأولى أي المنطقة الانفصالية في جورجيا والتي لها علاقات قوية مع روسيا، لم تحصل على الاعتراف الدولي كدولة مستقلة، لكن لديها المقومات وتمتلك صناعة سياحية رائجة وتجذب السياح، خصوصاً الروس خلال فصل الصيف.

لكن عملية الدخول اليها ليست بالهينة، فيجب التواصل معها عن طريق البريد الالكتروني للحصول على تصريح دخول، ثم تحديد يوم للدخول للحصول على إذن، وعندها يجب الذهاب إلى وزارة الخارجية للحصول على تأشيرة رسمية. ومن مناطق الصراع أيضاً ناغورنو كاراباخ أو جمهورية آرتساخ، الواقعة بين أرمينيا وأذربيجان.

كثيرة هي الدول التي لم تنعم باستقلالها على الرغم من وجود المقومات وذلك لأسباب عدة، فيما دول أخرى طبقت مبدأ القبرصة وأصبحت شبيهة بما يحصل في هذه الجزيرة.

شارك المقال