حدود مستقرة داخل مضطرب… و٢٠٢٣ مش خير

ليندا مشلب
ليندا مشلب

الوضع ليس مريحاً!

لا نحتاج الى معطيات أو تقارير لمعرفة هذا الواقع، ولا الى باربارا ليف مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ولو أن كلامها لا يمكن أخذه الا على محمل الجد، فالمرأة الديبلوماسية المخضرمة شغلت مناصب عدة في الشرق الأوسط وعاصرت أحداث العراق وتنقلت بين إسرائيل وفلسطين وعاشت ٤ سنوات في الامارات كسفيرة للولايات المتحدة من ٢٠١٤ الى ٢٠١٨، في عز التحول في الدور الاماراتي تجاه لبنان واعتباره ورقة مهمة في ديبلوماسيتها الخارجية. كما لا نحتاج الى قراءة التوتر في العلاقة بين ايران وواشنطن والذي ارتفع منسوبه نتيجة الاستهدافات الأمنية التي تنفذها الأخيرة على عدة أهداف ايرانية ليس آخرها شاحنات النقل للمحروقات المتجهة الى لبنان، ولا نحتاج الى التحليل ولا الى ضرب المندل لأن الأمور واضحة وضوح الشمس!.

لبنان بلا رأس منذ أوائل الشهر وجسمه أصلاً مريض عاجز عن اجتراح الحلول، فقد أصبنا بالشلل الى حد أننا بتنا عاجزين عن أخذ قرارات ذاتية يمكن أن تفرمل مسار الانهيار الغارقين في فصوله، والواجب الطبيعي المفترض أن نقوم به وهو انتخاب رئيس لا نستطيع الاقدام عليه من دون مساعدة من وراء الحدود والبحار، فيما الخارج يتقاطع عند مصلحة ترك لبنان يتخبط في مصائبه للسيطرة عليه أكثر، وفرض سياسات يحاصر فيها “حزب الله” ويحد من نفوذه، ووضع اليد على المقدرات النفطية.

لا رئيس من نادي الأقوياء في الزعامات المسيحية تقول مصادر سياسية رفيعة لـ “لبنان الكبير”، فالفيتوات المتبادلة ستطيح بأي اتفاق وتفاهم على واحد منهم، لتبقى حظوظ قائد الجيش هي الأقوى عملياً أو الذهاب الى خيار اسم غير متداول لكن “بكير” تؤكد المصادر، فلا زلنا في طور تحولات والأرضية لم تنضج بعد، وللأسف النضوج هنا يعني خراباً أكثر، من دون أن يعني ذلك توتراً أمنياً وأحداثاً مأساوية كما يشيع البعض.

اما ما سارع الداخل الى التقاط اشاراته، عبر رفع مقام رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية واستقباله في الصفوف الأمامية من قبل السفارة السعودية، فتقول المصادر: مع احترامنا لكل التحليلات، فالمملكة لا تفتح من لبنان، والقرارات تؤخذ من عمقها وليس عبر سفاراتها، التي تتحرك بهوامش براغماتية تحت سقوف السياسات الخارجية الديبلوماسية، اما القرار الجدي الكبير فيؤخذ في غير مكان، ولا قرار في القريب المنظور حول الرئاسة. فرنجية اسم قوي من المرشحين لكن آلية وصوله معقدة حالياً لأكثر من سبب، والأسماء الأخرى المطروحة لا تقل صعوبة، لذلك سيوضع الاستحقاق الرئاسي حالياً على الرف، والأنظار سوف تتجه الى مكان آخر.

أنظروا الى الدولار! لهذه الورقة الخضراء كلمة السر والنفوذ الأقوى، وقد تبين أنها عصية على التحكم بها، فحتى حاكم “المركزي” الذي أشيع من دائرته أنه سيتدخل لخفض الدولار بنسب قياسية بعد انتهاء العهد، فعل أقصى ما بوسعه ثم سارع الدولار الى الارتفاع ويتوقع أن يقفل ليس أقل من خمسين ألفاً قبل نهاية العام بحسب التقديرات، خصوصاً أن كل الخطوات التي يمكن أن تدفع باتجاه إقرار خطة التعافي والاصلاحات والاجراءات المالية والنقدية مجمدة حتى اشعار آخر.

وتكشف المصادر أن لبنان لن يستفيد من كهرباء الأردن وغاز مصر لأن الأميركي وعلى الرغم من وعوده الوردية المغرضة لن يعطي الاشارة أو الـ waiver ولن “يقب باطه” للسماح بوصولها، والدليل أن لبنان وقع مع مصر والأردن وسوريا ونفذ ما هو مطلوب من الدولة حتى أن الهيئة الناظمة، فهم وزير الطاقة وخلال المفاوضات التي قام بها قبل الترسيم، أنها لم تعد من أولوياتهم، لكن البنك الدولي لم يوقع الاتفاق، وحبس التمويل، الممر الالزامي لوصول الكهرباء والغاز، ولا عجب أن نسمع شروطاً جديدة ستفرض على الدولة اللبنانية ليست الا مماطلة وهروباً من وعود كاذبة.

لا شك في أننا استفدنا كثيراً من الترسيم والفرصة للبنان كانت ذهبية لكن هناك تتمة تقع على عاتق الحكومة لتحويل الاتفاق الى طاقة تنشل لبنان مما هو فيه، والعين على شركة “توتال”، اذ تكشف المصادر أن اشارات بدأت ترصد من تأخير في مسلك “توتال” الذي كان يفترض أن تسلكه بعد اتفاقية الترسيم لجهة البدء بأعمال الحفر والتنقيب، مذكراً بالمعادلة التي أرساها الأمين العام لـ”حزب الله” في السابق “قانا مقابل كاريش” يعني اذا تأخرت “توتال” أو ماطلت فسيمنع على الاسرائيلي أن يستخرج الغاز من المياه المحتلة وفق تعبير المصادر، التي دعت الى التوقف عند الكلام الأخير لآموس هوكشتاين من أن “الترسيم لا يمنع التوتر”… فقد أصبحنا نحتاج الى كفيل ليكفل الوسيط. وفي معلومات موقع “لبنان الكبير” أن رسائل جدية وصلت الى الأميركي مفادها أن لبنان لم يعد يثق بنوايا مساعدته، فمن يؤكد أنه اذا ما قام بكل ما تطلبونه ويطلبه صندوق النقد سنحصل على المساعدات؟! والتجربة مع الكهرباء والغاز من مصر والأردن ماثلة، كما أن التعاطي في ملف النازحين يثير الريبة وتوقف برامج البنك الدولي تزيد هذه الشكوك.

اذاً كل الثقل يصب حالياً باتجاه التنقيب والحفر في الآبار، فعندما نبدأ نكون قد وضعنا المسار على السكة الصحيحة، واذا أسرعنا في استخراج الغاز ولو بعد ٣ سنوات نصبح في غنى عن كل المساعدات الدولية.

منذ ثلاث سنوات كان الدولار قد وصل الى ١٠ آلاف سألنا حينها “بعد نحمل”؟ وانتظرنا الارتطام الكبير. مرّ الوقت وبعد “منحمل” والسنة وراء الباب واللبنانيون تأقلموا مع ظروفهم… أرسينا استقراراً على الحدود، وداخلنا متخبط ومضطرب والأزمات السياسية ملحنا اليومي.

هذا لبنان… وهذا نحن.

وسنة ٢٠٢٣ ستكون أسوأ من التي بتنا على مشارف وداعها.

شارك المقال