أبو عمار في ذكرى رحيله: رمز الثورة ومطلق الرصاصة الأولى (3)

زياد سامي عيتاني

أبو عمار في ذكرى رحيله: رمز الثورة ومطلق الرصاصة الأولى (1)

أبو عمار في ذكرى رحيله: رمز الثورة ومطلق الرصاصة الأولى (2)

رئاسة دولة فلسطين:

بعد إندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987، إنعكست تأثيراتها على القضية الفلسطينية، التي كادت أن تشهد فترة من اللامبالاة العربية والدولية لتعيد الى هذه القضية مكانتها كأهم وأخطر قضية في العالم.

وعلى أثر ذلك، عقد المجلس الوطني الفلسطيني دورته التاسعة عشرة، في شهر تشرين الثاني من العام 1988، وفيها ألقى أبو عمار وثيقة الإستقلال. وفي نيسان من العام 1989، كلفه المجلس المركزي الفلسطيني رئاسة دولة فلسطين.

مؤتمر مدريد للسلام عام 1991:

في أعقاب حرب الخليج الأولى، إثر الدخول العسكري العراقي الى الكويت، أجريت العديد من الاتصالات الدولية بشأن البدء بمناقشة سبل حل القضية الفلسطينية، التي أسفرت عن عقد مؤتمر دولي للسلام في مدينة مدريد في إسبانيا، شارك فيها الوفد الفلسطيني ضمن وفد مشترك أردني – فلسطيني. وبعد هذا المؤتمر عقدت جولات عديدة من المفاوضات في واشنطن، استمرت من دون فائدة، بسبب المماطلة الاسرائيلية، والمراوغة الهادفة الى حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه.

الانسحاب الاسرائيلي من غزة:

في العام 1990، أعلن أبو عمار عن إجراء إتصالات سرية بين الجانبين الفلسطيني، والاسرائيلي؛ أسفرت فيما بعد عن توقيع إتفاقية إعلان المبادئ بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، بتاريخ 13/9/1993، والتي عرفت باتفاقية “غزة – أريحا أولاً”. وبعدها وقعت سلسلة من الاتفاقات منها اتفاقية أوسلو المرحلية في 28/9/1995، ومذكرة شرم الشيخ وطابا، و”واي ريفر”، وبروتوكول باريس الاقتصادي؛ وعلى أثر توقيع اتفاقية إعلان المبادئ، انسحبت القوات الاسرائيلية من بعض المناطق في قطاع غزة ومدينة أريحا، وفي 4/5/1994 دخلت أولى طلائع قوات الأمن الوطني الفلسطيني إلى أرض الوطن، لتبدأ عمل أول سلطة وطنية فلسطينية على الأرض الفلسطينية بقياد ياسر عرفات رئيس دولة فلسطين.

أبو عمار رئيساً للسلطة الفلسطينية:

في يوم 20 كانون الثاني عام 1996، نظمت الانتخابات الفلسطينية الأولى لاختيار أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني، وإنتخاب رئيس للسلطة الوطنية الفلسطينية، تطبيقاً لنصوص إتفاقات السلام الفلسطينية – الإسرائيلية، وانتخب على إثرها ياسر عرفات رئيساً للسلطة الفلسطينية.

فشل قمة كامب ديفيد عام 2000:

في 25 تموز عقدت قمة فلسطينية – إسرائيلية في منتجع “كامب ديفيد” في الولايات المتحدة الأميركية برعاية أميركية. وكان أبو عمار رئيساً للوفد الفلسطيني، ورئيس وزراء إسرائيل إيهود باراك رئيساً للوفد الإسرائيلي، برعاية الرئيس الأميركي بيل كلينتون، إنتهت بالفشل أمام التعنت الإسرائيلي تجاه مطالبة الفلسطينيين بحقوقهم.

إنتفاضة الأقصى 2000:

في الثامن والعشرين من شهر أيلول عام 2000 أقدم آرييل شارون على محاولة دخول المسجد الأقصى المبارك، على الرغم من النداءات المتكررة من الرئيس ياسر عرفات لعدم الإقدام على مثل هذه الخطوة الخطيرة، ولم يأبه شارون بهذه النداءات أو غيرها التي صدرت عن الأمين العام للأمم المتحدة والزعماء العرب وغيرهم. وأثارت هذه الخطوة مشاعر الشعب الفلسطيني الذي هبّ لمواجهة القوات الإسرائيلية التي أحاطت بشارون لحمايته، وتصدت لجموع الفلسطينيين العزَّل، ليسقط عدد كبير منهم شهداء وجرحى.

وسرعان ما انتقلت الشرارة إلى باقي الأراضي الفلسطينية معلنة إندلاع إنتفاضة كبرى، طال أمدها على الرغم من لقيام بالعديد من المبادرات والمؤتمرات وأهمها تقرير لجنة متشل، ووثيقة تينت، وخطة خارطة الطريق.

الحصار الثاني والوفاة:

في الثالث من شهر كانون الأول عام 2001، قررت حكومة الاحتلال الاسرائيلي برئاسة شارون فرض حصار على الرئيس عرفات في مبنى المقاطعة في رام الله، فمنعته من التحرك والانتقال حتى داخل الأراضي الفلسطينية بين مدنها وبلداتها لمتابعة أمور الشعب الفلسطيني. وهدد شارون مراراً بهدم المبنى على رأس عرفات ورفاقة ومعاونيه، ودمرت أجزاء كبيرة منه. لكن أبو عمار كعادته ظلّ صامداً أمام هذه الهجمة الاسرائيلية.

وأثناء الاجتياح الإسرائيلي لرام الله في أواخر آذار عام 2002 قال عرفات عبارته الشهيرة: “يريدوني طريداً أو أسيراً أو قتيلاً، لا، وأنا أقول لهم شهيداً، شهيداً، شهيداً”. واستمر الحال حتى ساءت صحته، ورأى الأطباء ضرورة نقله إلى باريس للعلاج، فغادر الى هناك يوم 29/10/2004، وأجريت له العديد من الفحوص والتحاليل الطبية ولكن إرادة الله نفذت، واستشهد قائداً وزعيماً ومعلماً.

كتب الكثير من المقالات والدراسات التي تتسع لمجلدات ضخمة، عن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وقيل فيه الكثير. ولكن تبقى حقيقته البسيطة واضحة لأبناء شعبه وللعالم أجمع بأنه ظل وفياً للثوابت التي آمن بها، كقضايا القدس واللاجئين والدولة، وكان مرناً الى أقصى درجات المرونة في كل شيء إلا في تلك الثوابت.

وعلى الرغم من الأخطاء التي وقع فيها، فقد كان إنجازه الأهم لفلسطيني لاجئ، أنه لملم شتات الفلسطينيين وجعل منهم شعباً يمتلك قضية.

شارك المقال