“هآرتس”: تفجير اسطنبول يستهدف شعبية أردوغان

حسناء بو حرفوش

يواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على المستوى المحلي، أزمة اقتصادية وانهيار الليرة التركية ومعدل تضخم تجاوز 85%، وآخر ما يحتاجه الآن، بحسب قراءة في موقع صحيفة “هآرتس”، هو اتهامه بفقدان السيطرة على الوضع الأمني في البلاد أيضاً.

ووفقاً للقراءة، “لطالما شكل شارع الاستقلال وميدان تقسيم في إسطنبول أهدافاً للمنظمات الارهابية التي تستهدف تركيا. فالشارع الأول هو واحد من أكثر الشوارع ازدحاماً في البلاد، يعج بالمقاهي والمطاعم والشركات التي تجعل منه وجهة سياحية شهيرة. وبالتالي، يشكل هجوم مثل هجوم الأحد الذي تسبب بوفيات وجرحى، ضربة قاسية لمكانة البلاد، ولصناعة السياحة التي تتعافى بسرعة بعد الانهيار تقريباً بسبب جائحة كورونا، وتنسحب هذه الضربة على منصب الرئيس التركي نفسه.

وتوخت الحكومة نشر أي معلومات عن الهجوم، بما في ذلك الصور ومقاطع الفيديو (لمنع الذعر بين السكان وتمكين التحقيق من المضي قدماً من دون تدخل). ولكن في كل الأحوال، من غير المرجح أن تقدم الحكومة إجابات عن الأسئلة المعقدة والمعلومات التي تمتلكها وكالات استخباراتها. وقبل كل شيء، كيف يمكن تنفيذ مثل هذا الهجوم في وضح النهار في أحد الشوارع الخاضعة لمراقبة المخابرات التركية عن كثب منذ سنوات، بحيث تم تركيب عدد لا يحصى من الكاميرات الأمنية فيما تنظم دوريات للعشرات من رجال الشرطة، بالزي الرسمي والزي المدني.

ووجهت أصابع الاتهام كالعادة، الى عناصر من تنظيم حزب العمال الكردستاني الكردي وخلايا الدولة الاسلامية المتبقية التي لا تزال نشطة في تركيا. لكن العداء تجاه الحكومة التركية لا يجعل الشبهات تقتصر على هذين الهدفين الاستخباريين. فحساب تركيا مع المنظمات الكردية يتراكم منذ أكثر من 40 عاماً، وقد أودى بحياة عشرات الآلاف من المدنيين والشرطة والجنود. هذه حرب عبثية لا نهاية لها في الأفق.

وتعمل القوات التركية في كل من جنوب شرق البلاد وفي العراق، حيث تقصف قواعد حزب العمال الكردستاني، وتسيطر على الأحياء الكردية في تركيا بقبضة من حديد. وأصبحت هذه المناطق فعلياً مناطق معادية، حتى لو لم تحدد رسمياً على هذا النحو. وخلقت الحرب الأهلية السورية التي اندلعت في العام 2011 جبهة دموية أخرى، حيث غزت تركيا جزءاً من سوريا واحتلت مدناً مثل جرابلس وعفرين مع مساحات شاسعة من الأحياء الكردية فيها .وتفرض تركيا سيطرتها على أجزاء من سوريا بمساعدة حوالي 40 تنظيماً مسلحاً تعمل تحت مظلة الجيش الوطني السوري. وتشكل هذا الفرع من الجيش السوري الحر عام 2017. وتستفيد هذه التنظيمات من الدعم والتمويل والسلاح التركي، لكن طاعتها للقادة الأتراك وقيادة المنظمة الجامعة قد تضاءلت تدريجياً.

لذلك، قررت تركيا مؤخراً إخضاع هذا المزيج من المسلحين لإطار موحد مطيع وفاعل، وإغلاق جميع غرف العمليات الخاصة والتوصل إلى اتفاق مع (جبهة النصرة) سابقاً، والذي كان محسوباً على تنظيم (القاعدة). لكن لم يبد كل قادة التنظيمات استعداداً لقبول الإملاء التركي، حتى أن البعض رفض حضور المؤتمر الذي نظمته تركيا في أوائل تشرين الثاني، وهذا يعني أنهم غير مستعدين لقبول سلطة القيادة التركية العليا أو “الحكومة المؤقتة” التي تأسست في شمال سوريا برعاية تركية. وليس من غير المعقول أن يؤدي هذا الانقسام ومعارضة إملاءات تركيا الى فتح جبهة عنيفة جديدة بينها وبين هذه الميليشيات. مع الاشارة إلى أن نزاعات مماثلة أثارت في الماضي اشتباكات عنيفة، على الرغم من عدم ربط هذه التنظيمات بأي هجمات على الأراضي التركية.

وفي حال استمرت علامات الاستفهام في الاحاطة بالمشتبه بهم، يجب أن تشمل دائرة الشبهات المنظمات السورية الساخطة التي تسعى الى إثبات قوتها وقدرتها على تهديد تركيا. وبدأت تركيا، التي تستضيف أكثر من 3.5 ملايين لاجئ سوري، مؤخراً بإعادة الآلاف منهم إلى أجزاء من شمال سوريا لا تخضع لسيطرة الحكومة السورية، حتى أنها وعدت ببناء عشرات الآلاف من المنازل لهم. وأثارت هذه الخطوة معارضة كبيرة بين اللاجئين، الذين يخشون أن تتعرض حياتهم للخطر في سوريا، أو فقدان مصادر دخلهم.

وترد تقارير عن اشتباكات عنيفة بين اللاجئين والأتراك بصورة يومية، ويصف النقاد الأتراك الوجود السوري في تركيا بـ”القنبلة الموقوتة” التي تهدد اقتصاد البلاد وأمنها. لكن على الرغم من هذه الاشتباكات، لم يعلن عن أي خلايا إرهابية متمركزة في مخيمات اللاجئين أو بين اللاجئين الذين يعيشون خارج المخيمات.

أما السؤال الذي يثير قلق أردوغان والمخابرات التركية الآن فهو ما إذا كان هذا هجوماً منفرداً، بغض النظر عن هدفه أو ذرائعه، أو ما إذا كانت البلاد بحاجة الى الاستعداد لسلسلة من الهجمات مثل تلك التي أرعبتها بين العامين 2015 إلى 2017، عندما قُتل مئات الأشخاص وجُرح الآلاف. وشكلت تلك الهجمات استراتيجية تركيا المتمثلة في تحريك الجبهة ضد المنظمات الكردية خارج البلاد وإنشاء منطقة أمنية جغرافية تمنع الارهابيين من الدخول.

وأدخلت هذه الاستراتيجية تركيا في صراع ديبلوماسي مع الولايات المتحدة وأوروبا. لكن أردوغان رد على منتقديه بالترويج لانجازاته وبالعمل على تفادي الهجمات الارهابية داخل تركيا. ومع ذلك، لا يمكن أن تضمن استراتيجيته الدفاعية بصورة كاملة أمن الأتراك. أخيراً، لا يمكن اختزال ما حصل بأنه مجرد قضية أمنية، فهو قد يهدد موقف أردوغان السياسي وشعبيته التي تراجعت خلال العامين الماضيين على الرغم من افتقار المعارضة حالياً الى مرشح جاد لخوض الانتخابات ضده في الدورة المقبلة. آخر ما يحتاج إليه الآن، إلى جانب الأزمة الاقتصادية التي تسببت بانهيار الليرة التركية ومعدلات التضخم، هو النظر إليه كحاكم أفلت الأمن من قبضته”.

وكان حزب العمال الكردستاني قد نفى ضلوعه بالتفجير، بينما أعلنت الشرطة التركية، أن “الشابة التي اعتقلت واتهمت بوضع القنبلة تحمل الجنسية السورية وقد اعترفت بالوقائع”.

شارك المقال