“عنزة الاستقلال”… طارت!

زياد سامي عيتاني

ربما سيتفاجأ الجيل الجديد بما كان يعرف بـ “عنزة الاستقلال” التي كانت تشارك في العروض العسكرية لمناسبة عيد الاستقلال، بحيث جرت العادة منذ العرض الأول على وضع عنزة في مقدمة الاحتفال، مباشرة خلف فرق البيارق والأعلام، فتسير متراقصة وتتمخطر بطريقة رائعة، على وقع الموسيقى العسكرية، التي تصدح مع نفخ الجنود بالأبواق العسكرية.

وكانت العنزة تعتبر رمزاً للجبل اللبناني الشامخ وعنفوانه، وصعوبة مسالكه، وإخضرار أديمه، حيث غابات العفص والسنديان، والملول والوزّال، حيث الصنوبر والشربين، والأيادي السمر التي تزرع ولا تقطع، وعرق الجبين المجبول بالتراب، حيث البنفسج، والأقحوان، والورد البرّي.

قصة العنزة ورمزيتها:

ثمة روايتان تتعلقان بقصة العنزة التي تتقدم العرض العسكري لمناسبة ذكرى الاستقلال، على الرغم من أوجه التشابه بينهما، إلا أن الإختلاف يتعلق بالتفاصيل، لذلك نورد الروايتان:

– الرواية الأولى: خلال التحضير للعرض الأول، قدّم أحد الفلاحين هدية الى فوج القناصة الأول هي عبارة عن عنزة جبلية. فاقترح رئيس الفوج في حينه جوزف حرب وضعها في مقدمة الفوج خلال العرض العسكري، وذلك طبعاً بعد إلباسها ثياباً مناسبة.

– الرواية الثانية: بدأت الفكرة مع الضابط حينها جوزف حرب لدى تفقده إحدى الوحدات العسكرية في مرجعيون، حيث أهداه أحد الأهالي عنزة، فطلب تدريبها على السير على وقع الموسيقى أمام وحدات الجيش، وكان ذلك.

خروف يفشل في المهمة:

في العام 1947 تحدى الفوج الثاني الفوج الأول بإحضار خروف للغاية نفسها، ولكنه لم يلتزم بالتعليمات. لذلك، بقي الاعتماد على العنزة، التي كانت ترمز إلى الحقول والزرع وخيرات التربة، وكذلك السير في البراري والأودية وتسلق الجبال.

مراسيم العرض العسكري وتقاليده:

في تقليد الاحتفال العسكري، يصل عند الثامنة علم الجيش وتجرى مراسم تكريمه، ثمّ يصل تباعاً رئيس الأركان، قائد الجيش، وزير الدفاع الذي يستقبل رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب.

وعند التاسعة يصل رئيس الجمهورية إيذاناً ببدء مراسم الاحتفال، بحيث يكون الفارق الزمني بين وصول كل شخصية وأخرى نحو 5 دقائق. ويضع رئيس الجمهورية لدى وصوله إكليلاً عند نصب للشهداء، ويستعرض بعد ذلك على متن “جيب” عسكري إلى جانب وزير الدفاع الوحدات المشارِكة في العرض، فيما يتبعه “جيب” آخر على متنه قائد الجيش ورئيس الأركان.

ويعود بعدها الى المنصة الرسمية ليبدأ الاستعراض العسكري بموسيقى قوى الأمن الداخلي، ويتقدّم علم لبنان، ثم على التوالي أعلام كل من الجيش وقوى الأمن الداخلي، الأمن العام، أمن الدولة والجمارك.

وتبدأ بعد ذلك بالتقدم وحدات رمزية من مختلف الألوية العسكرية التابعة للجيش اللبناني والأجهزة الامنية، تليها مجموعة من مختلف الاتحادات الرياضية اللبنانية، الاتحادات الكشفية، وطلاب من مختلف الجامعات اللبنانية، الهيئات المدنية، ومجموعة من عناصر الصليب الأحمر.

ويلي عرض المشاة، إستعراض القوات المحمولة والآليات والمركبات العسكرية التي تقل سلاح المدفعية، إضافة إلى أرتال من المصفحات والدبابات، في حين تمر من وقت الى آخر أسراب من سلاح الجو.

تاريخ نشأة الجيش اللبناني:

الحديث عن العرض العسكري للجيش اللبناني بمناسبة عيد الاستقلال، يدفعنا إلى إيجاز تاريخ بدايات نشأة الجيش. ففي 17 حزيران 1944، وتنفيذاً للبروتوكول الموقّع بين الحكومة اللبنانية والسلطة الفرنسية بتاريخ 15 حزيران من العام نفسه، والقاضي بوضع وحدات من القنّاصة اللبنانية معزَّزة بمفرزة مصفّحات بتصرّف هذه الحكومة، أقيم في الملعب البلدي – بيروت عرضٌ عسكري حضره رئيس الجمهورية والوزراء والجنرال بينيه وأركان حربه، تسلّم خلاله اللواء فؤاد شهاب العلمَ اللبناني من الرئيس بشارة الخوري.

إلّا أنّ التطوّرَ الأبرز حصل في الأول من آب 1945 تاريخ تسلّم الوحدات العسكرية وتكريس عيد الجيش. فقد إجتمعت اللجان اللبنانية والسورية والفرنسية في 12 تموز من العام 1945 في فندق “مسابكي” – شتورة، وأفضت الاجتماعات إلى إعطاء الاشارة ببدء عملية تسلّم الوحدات على الشكل الآتي:

– تسلّم الثكنات وسائر المنشآت في 20 تموز العام 1945.

– تسلّم القوات العسكرية البالغ عديدها 20000 عنصر في سوريا و5000 عنصر في لبنان بتاريخ 25 تموز من العام نفسه.

– تسليم قيادة هذه القوات وإدارتها في الأول من آب العام 1945، وتمّ تكريس هذا اليوم عيداً وطنياً للجيش.

شارك المقال