أشارت مجلة “ذا ناشيونال إنترست” الأميركية في تحليل عن المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران حول الملف النووي، إلى “سلسلة من الافتراضات الخاطئة التي من شأنها تقويض الاستراتيجية الأميركية وتقييمها للدوافع الإيرانية، في الوقت الذي تواصل فيه إدارة الرئيس الجديد جو بايدن جهودها لإطلاق خطة عمل شاملة مشتركة حول الصفقة النووية ويبحث المبعوث الإيراني روب مالي وفريقه عن الصيغة الصحيحة لتخفيف العقوبات قبل عودة إيران إلى الامتثال”.
وبحسب المقال، “يضاف اعتقاد بايدن ووزير الخارجية أنطوني بلينكين ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان ومالي بأن إغراق إيران بالحوافز سيقيّد برنامج إيران النووي لا بل وسيفسح أيضاً مجالاً أكبر للمصالحة، إلى سلسلة من الافتراضات الخاطئة التي تقوض استراتيجيتهم وتقييمهم للدوافع الإيرانية. وفي ما يأتي خمس من هذه الافتراضات التي تشوه إستراتيجية فريق بايدن وتقوّض آفاق الدبلوماسية.
1- برنامج إيران النووي مدفوع بالخوف من الولايات المتحدة وإسرائيل
من يستطيع لوم إيران على سعيها لامتلاك أسلحة نووية أو صواريخ باليستية دقيقة وبعيدة المدى بينما تنتشر قوات الولايات المتحدة على حدودها، ليس فقط في أفغانستان والعراق، ولكن أيضًا في الخليج. هذا، بالإضافة إلى مواصلة إسرائيل تخريب منشآت إيران النووية والصاروخية واغتيال علماء بارزين.
ولكن تكمن مشكلة هذه الحجة في أن سعي الجمهورية الإسلامية الخفي لامتلاك أسلحة نووية يعود إلى عصر رفسنجاني ويسبق التدخل الأميركي في كل من العراق وأفغانستان، بل ويسبق أيضًا حرب الظل مع إسرائيل (…) وبالتالي، فإن افتراض أن تصرفات طهران تأتي كرد فعل ضد واشنطن يعكس سوء فهم لنشأة ودوافع البرنامج النووي بعد الثورة.
2- خطاب “محور الشر” دمر التقارب
في مقال لمراسلة “بوليتيكو” للشؤون الخارجية، ناحال توسي حول علاقة بايدن بإيران، حملت الصحافية مسؤولية فشل التقارب بعد 11 سبتمبر لجورج بوش، لافتة إلى “قيام الحكومة الإيرانية بالمساعدة في تمويل وتزويد قادة ميليشيات التحالف الشمالي التي لجأت إليها الولايات المتحدة للمساعدة في الإطاحة بحكومة طالبان.. لكن قرار الرئيس بوش بإدراج إيران كـ”محور الشر” وجه ضربة لتحسين العلاقات. قد يؤمن بايدن وبلينكين برواية توسي، لكنها هراء لأن توسي تتجاهل على سبيل المثال أن تصريحات بوش جاءت في أعقاب محاولة إيرانية، قبل أسابيع فقط، لتهريب خمسين طناً من الأسلحة إلى الفلسطينيين. كما أغفلت أن بوش كان على علم ببناء إيران مصنع تخصيب سرياً في نطنز وحجبه عن التفتيش، وهي حقيقة لم تظهر للعلن إلا بعدها بأحد عشر شهرًا. كما لا تعترف توسي بإيواء إيران كبار عملاء القاعدة بعد بدء عملية الحرية الدائمة.
3- بوش أطاح بصفقة كبيرة في العام 2003
(…) كما أثارت فكرة روج لها دبلوماسي سويسري متلهف للانتباه حول رفض بوش لصفقة إيرانية كبيرة عام 2003 جدلاً حول السياسة الأميركية، لكنها خيالية. وتُظهر رسائل البريد الإلكتروني التي كشفت في المحكمة بين تريتا بارسي، الذي يعمل الآن في معهد كوينسي، ومحمد جواد ظريف، سفير إيران لدى الأمم المتحدة في ذلك الوقت، أن ظريف يعبر عن جهله بالاقتراح الذي نسبه إليه بارسي.
4- لا مثيل للاتفاق النووي 2015 في صرامته
هذا افتراض خاطئ بشكل صارخ. لقد استغرقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تسعة عشر عامًا لمنح حكومة جنوب أفريقيا ملتزمة تمامًا قانونًا صحيًا نظيفًا بشأن برنامجها النووي، ومع ذلك يتوجب عليها أن تصادق على التزام إيران في غضون أشهر فقط؟ وبالمثل، أسقط كيري مطالب إيران بالتصديق على البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية الذي يضمن عمليات تفتيش أكثر صرامة. وبينما قبل كيري تعهد ظريف بتصرف إيران وفقًا للبروتوكول الإضافي، يضع الفشل في تطبيق البروتوكولات الإضافية إيران في مرتبة متخلفة عن 133 دولة أخرى قبلت بالمعيار الأعلى.
5- الانتخابات الإيرانية مهمة
غالبًا ما يحسم الأكاديميون والمسؤولون الأميركيون الثنائية السياسية الإيرانية بين المتشددين والإصلاحيين. ولكن في كثير من الأحيان، يؤدي إسقاط المواقف الأميركية على نظرائها الإيرانية إلى تحريف الواقع. أولاً، يجب أخذ أصل المعسكرين في عين الاعتبار: نشأ المتشددون من كنف الذين حاربوا للدفاع عن الثورة في الخطوط الأمامية للحرب الإيرانية العراقية. بينما برز ما يعرف بالإصلاحيين من أولئك الذين استفادوا من مناصب قوية في طهران في ذلك الوقت. وبالتالي، في السياق المجتمعي الإيراني، لا ترتبط القضية فقط بالحماسة الثورية ولكن أيضًا بالفساد والصدق. والنقاش السياسي الإيراني هو أكثر تعقيدًا في الحقيقة (…) فالاختلاف بين المتشددين والإصلاحيين هو اختلاف في الأسلوب وليس في الجوهر.
ومع ذلك، يتبنى بايدن وكيري وسوليفان الفكرة القائلة بأن الفوز بصفقة يمكن أن يضع الإصلاحيين في القمة في إطار منافستهم مع الفصائل الأخرى. ولكن حتى ولو صحّ ذلك (وهو يتجاهل دور الحرس الثوري الإسلامي في الاقتصاد)، يفشل مثل هذا التقييم بالاعتراف بأن السياسة الأمنية داخل الجمهورية الإسلامية هي نتاج هيئات غير منتخبة وليس رئاسة الجمهورية أو مجلس الوزراء أو البرلمان.
صفقة مستدامة؟
أخيراً، قد يبرم مالي صفقة في فيينا وهو يبدو بالتأكيد مستعداً لتقديم كل ما تطلبه طهران لنظيره الإيراني تقريبًا. ولا يتمحور الخلاف حول إمكانية تجديد الصفقة، بل حول قدرة هذه الصفقة على تغيير السلوك الإيراني بشكل جوهري أو التخفيف من المخاوف الأمنية الإقليمية. لسوء الحظ، سيفشل أي اتفاق يبني على إيران وهمية ذات دوافع صافية وانتخابات مصيرية. والصفقة تستند بكل بساطة، إلى حقيقة يتجاهلها فريق بايدن، سواء بسبب الجهل أو عن عمد.