فتشوا عن الرئيس في شوارع ايران!

أنطوني جعجع

أميركا تشد الخناق حول عنق ايران، و”حزب الله” يرد في المقابل بشد الخناق حول عنق لبنان، وليس في الأفق ما يوحي بأن أحدهما قد يرخي قبضته قبل أن يفك الايرانيون الحصار الأميركي بأي وسيلة، وقبل أن تنزع واشنطن المخالب الايرانية بأي ثمن.

انه بكل بساطة الكباش المفخخ الذي يضرب من طهران الى بيروت مروراً باليمن وكردستان وسوريا وغزة وصولاً الى أوكرانيا، ويتلقى في المقابل رداً من الغرب وبعض العرب يتفاوت بين تكثيف العقوبات والتهديدات العسكرية.

وسط هذا الجو ينطلق فريق الممانعة بقيادة “حزب الله”، من خطة ممنهجة، تهدف الى كسب أكبر مقدار من الوقت وممارسة أكبر مقدار من الضغوط والسلبيات، قبل الذهاب الى البرلمان لانتخاب الرئيس الذي يشكل امتداداً لعهد ميشال عون، أو العهد الذي حصلت فيه ايران بالحسنى على ما لم تحصل عليه بالسلاح.

فما جرى على مدى الجلسات السبع الماضية، ليس الا رسالة فجة ومباشرة تبلغ الى الفريق الآخر، أن “حزب الله” ليس لديه ما يخسره، فليس هو من يحتاج الى “أي رئيس” لملء فراغ لا يضره ما دام يدير دويلة تكاد لا تحتاج الى ما تحتاج اليه الدولة نفسها، وليس هو من يفتقد قيادة بديلة ما دام حسن نصر الله يمارس الرئاسة المطلقة من دون انتخاب ولا انقلاب، وليس هو من يكترث لعامل الوقت المهدور ما دام لا يدور لمصلحة مشروع استراتيجي أكبر من الرئاسة والبلاد معاً.

وأكثر من ذلك، لا يخفي “حزب الله” حرصه على ما يجري في ايران أكثر من حرصه على ما يجري في لبنان معتبراً، هذه المرة، أن ما تشهده طهران من احتجاجات تصل الى حدود العصيان وتكاد تحمل اسم “الربيع الايراني”، لا يشبه ما شهدته في مراحل سابقة، وأن الهيبة الدينية في الجمهورية الاسلامية فقدت حرمتها في صفوف الجيل الجديد المتطلع الى نظام متحرر يخرج البلاد من عزلتها وتقوقعها داخل بيئة محدودة في المكان والزمان، وداخل حقل ألغام تنجو من أحدها لتقع في لغم آخر.

وما زاد الطين بلة، أن اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، وهو الاتفاق الذي باركته ايران من خلال “حزب الله”، لم يؤتِ سريعاً الثمار المرجوة، ولا يبشر بفتح أي فجوة في الجدار المغلق، خصوصاً بعد عودة اليمين المتطرف الى الحكم في تل أبيب.

ويسود انطباع خفي في دوائر “حزب الله” بأن الأخير تعرض الى ما يشبه “خديعة” أميركية دفعته أو أرغمته على التساهل عفواً أو قصداً حيال ما يمكن أن يخدم مصلحة اسرائيل والعالم الغربي المتهالك للحصول على الطاقة، من دون أن يحصل في المقابل على رئيس من لائحة منتقاة جيداً، ومن دون أي انفراجات ملموسة أو محتملة أو وشيكة على الساحة الايرانية المضطربة.

ويكشف مصدر قريب من الضاحية الجنوبية، أن حسن نصر الله مقتنع تماماً بأن الغلبة لن تكون من داخل البرلمان لمرشحه الرئاسي، بل من خارجه، حتى لو كان هذا الخارج بعيداً من أي انفراجات في المدى المنظور على الأقل، مشيراً الى أن الرجل لن يغامر بخسارة أثمن ورقة يملكها محور الممانعة في وجه المجتمعين العربي والدولي، متماهياً بذلك مع الامام خامنئي الذي جاهر باعتبار لبنان خط دفاع عن ايران في وجه أميركا.

ويعود المصدر بالذاكرة الى الدوحة حيث تخلى “حزب الله” عن ميشال عون لحساب ميشال سليمان، مقدماً مصلحته على أي اعتبارات شخصية أو سياسية أخرى، ملمحاً الى أن من يتخلى عن مرجعية مسيحية بحجم “الجنرال” لن يتردد في التخلي عن حيثية مسيحية بحجم جبران باسيل.

ويضيف المصدر أن محور الممانعة تلقى جرعة يعتد بها من المجلس الدستوري الذي أعاد اليه النائب فيصل كرامي، والنائب العلوي حيدر آصف ناصر الأقرب الى الورقة البيضاء وربما الى أي مرشح يختاره “حزب الله”، مشيراً الى أن نصر الله يتفوق على خصومه بأمرين، الأول الوقت، والثاني التأثير في الكثير من مفاتيح السلطة، وهما أمران لا تملكهما المعارضة التي تقاتل باللحم الحي.

ولم يستبعد المصدر أن يطعن المجلس الدستوري في الأسبوعين المقبلين بنيابة واحد أو اثنين من المعارضة قد يكون أحدهما رازي الحاج، قائلاً ان وجود نائب من خارج كتلة “القوات اللبنانية” يسقط عن سمير جعجع سلاح الأكثرية النيابية والمسيحية سواء في البرلمان أو في الشارع.

وأكثر من ذلك، يتوقع المصدر أن يشتد الضغط على قائد “القوات اللبنانية” سمير جعجع ومن خلاله على السعودية والولايات المتحدة، لحمله على تكرار ما فعل مع ترشيح ميشال عون، ملمحاً الى أن الاعتداء على محطة “تلسكي الأرز”، وفتح ملف تكاليف نقل “المونديال” في زمن وزير الاعلام آنذااك ملحم الرياشي، ربما يدخلان في اطار “حملة استراتيجية شيعية” سرعان ما تلقفها فريق الرئيس نبيه بري في خطوة فجائية ذات مدلول سياسي لافت.

وانطلاقاً من هذا المشهد القاتم، لا يبدو “حزب الله” في وارد التساهل في موضوع الاستحقاق الرئاسي مهما طالت مدة الفراغ، حتى لو كان هذا التساهل يعني حليفه المدلل جبران باسيل، واضعاً الجميع في الداخل والخارج أمام قرار واحد، اما توافق بالقوة الناعمة على رئيس يكمل أو يغطي على الأقل مشروع “الهلال الايراني” الذي بات مهدداً حتى من بعض أهل النظام ومن عائلة خامنئي نفسه،، واما الأرض المحروقة التي تواصل قضم ما بقي من لبنان وسكانه، تماماً كما تفعل روسيا في أوكرانيا.

انها المدرسة ذاتها، أي المدرسة التي تحرق كل شيء تمهيداً للتقدم من دون مقاومة، أو لحمل الخصم على رفع رايته البيضاء والتسليم بشروط الغالب تماماً كما فعل يوم قال للجنرال ميشال عون: لا ننتخبك حباً بك بل اذعاناً لـ”حزب الله”.

ميشال عون أدى مهمته وعاد الى حياته العادية، فهل يجد “حزب الله” من يمكن أن يواصل المهمة من دون أي قلق أو هواجس؟ وهل يمكن أن تلبي المعارضة رغبته تحت عنوان “التوافق” بدل الاستسلام كما فعلت قبل ست سنوات؟

السؤال مطروح بقوة، لكن الجواب ليس هنا، اذ عبثاً يبني البناؤون ما دام ناخبو الممانعة يصوّتون في شوارع ايران، وما دامت المعارضة منقسمة بين فريق يتمسك بمرشح لا يمكن أن يمر وفريق يعرقل مرشحاً لا يجب أن يمر.

شارك المقال