خطاب الأسد وبذاءة المشهد‬

عالية منصور

… وانتهت مهزلة الانتخابات في سوريا الأسد، وأطل الأسد ليخاطب من سماهم بالجماهير، ومن البديهي أنه عندما يكون النظام الحاكم في أي دولة كنظام الأسد، يختفي مفهوم المواطن والمواطنة ليحل محله مفهوم الجماهير.

أطل الأسد على جماهيره وأبدع كعادته منذ استلامه السلطة بتوزيع الاتهامات والشتائم، حتى يكاد لا يخلو خطاب للأسد من الشتائم والتخوين، كما لم يخلُ من “الأستذة”. يقول بشار لمن انتخبه: “لقد أعدتم تعريفَ الوطنية وهذا يعني بشكل تلقائي إعادة تعريف الخيانة”.

تحدث عن الثيران والثور والثورة والعلف. لغة شوارعية تليق به تماماً مهما حاول أن يتجمل، ولكن الحكاية كلها تكمن أن بشار الأسد لا يشعر بحاجة إلى أن يتجمل، طبعاً ما عدا عمليات التجميل الخارجية التي أجراها مؤخراً.

اختزل بشار الأسد سوريا بشخصه. لم يحاول أن يجامل المجتمع الدولي وتجاهل كل ما قيل خلال السنوات الأخيرة عن الحلول السياسية، مؤكدا أن إعادة انتخابه “ظاهرة تحد غير مسبوق لأعداء الوطن” وأعداء الوطن في هذه الحالة هو كل من لم يشارك بإعادة انتخابه، وكل من ثار عليه وأيضاً كل الدول التي رفضت الاعتراف بشرعية هذه الانتخابات.

لم يكن خطاب الأسد مجرد خطاب نصر، بل هو خطاب إصرار على استمرار الحرب على كل من عارضه ويعارضه، ممزوجاً بألفاظ اعتدناها منه. يقول بشار في خطابه إن ما قام به مواطنوه خلال الانتخابات الرئاسية السورية هو بمثابة “ثورة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى حقيقي لا مجازي، ثورة ضد الإرهاب والخيانة والانحطاط الأخلاقي”، إصرار على أن كل من لم يشارك بمبايعته هو خائن وإرهابي. وحتى الأرقام التي أعلن النظام أنها عدد المواطنين الذين صوتوا للأسد، عدا عن كمية النفاق والتزوير والتضخيم فيها، إلا أنها أيضا إصرار آخر من قبل هذه النظام أن كل من هو خارج سوريا وخارج سيطرة النظام لا يعتبر سورياً أو على حد تعبير بشار “حملة الجواز السوري”، وهي عبارة خطيرة جداً وتنم عن أن بشار الذي بشر منذ سنوات بالشعب المتجانس، فإنه عمل جاهداً لتهجير من يراه لا يتفق مع الخضوع له ولسلطته المطلقة، فكل ما حدث في سورية من تدمير وقتل وتهجير كان للوصول لهذه اللحظة، حيث سوريا المفيدة التي يسكنها الشعب المتجانس، شعب بشار الأسد أو القابلين للخضوع له، هم السوريون بينما ملايين المهجرين هم مجرد حملة جواز سفر سوري، أن هذا التعريف بحد ذاته يعتبر جريمة إضافية تضاف لسجله الحافل بجرائم الحرب.

لقد تحدى بشار العالم من خلال الأرقام التي أعلنها قائلاً أن “الكلمة لي” ولا مجال بعد اليوم للحديث عن أي مفاوضات أو مباحثات، ولا حتى حل لموضوع اللاجئين والنازحين، علما أن أرقام بشار هي أكبر من عدد الذين يعيشون في مناطق سيطرته، حيث إن التقديرات تشير إلى أن العدد الكلي لمن يعيشون تحت سلطة بشار لا يزيدون عن 9 ملايين نسمة بمن فيهم الأطفال، بينما أعلن النظام أن عدد من صوت له بلغ أكثر من 14 مليون نسمة، والمفارقة أن بشار يعلم أن كل العالم يعرف أنه يكذب ومع ذلك فإنه وككل المرضى السيكوباتيين يستمتع بجريمته بتلذذ ووحشية تبدت من بين أسنانه وهو يتلفظ بشتائمه على السوريين وغيرهم.

واليوم وبعد مضي نحو أسبوع على خطابه، أعلنت الخارجية الروسية أن انتخابات مبكرة في سوريا ممكنة في حال اتفاق النظام والمعارضة على وضع دستور جديد، وبذلك تحاول روسيا أن تخدر موجة الغضب التي سادت في أوساط دول العالم التي رفضت الاعتراف بشرعية انتخابات بشار، فروسيا التي عطلت الحل السياسي طيلة عشر سنوات، ممعنة في إصرارها على إلغاء كل خريطة الحل الأممية وفق القرار 2254، وممعنة في مكافأة المجرم على جرائمه، وكل ما تحتاج اليه هو معارضة تقبل أن تستمر بهذه المهزلة، وتكون جزءاً من جماهير الأسد.

كلمات البحث
شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً