من الخاسر في طلاق الأصفر والبرتقالي؟

محمد شمس الدين

العلاقة بين ثنائي “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” المستمرة منذ العام 2006، مرت ببعض الاهتزازات خلال عقد ونصف من الزمن، ولكنها بقيت متينة وثابتة، حتى دخل العهد السابق في سنته الأخيرة، فبدأت تظهر إلى العلن تباينات حادة في وجهات النظر في شتى الملفات، ووصلت إلى قمتها في الخلاف على ملف الاستحقاق الرئاسي، فرئيس التيار جبران باسيل يرفض رفضاً قاطعاً وصول رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية إلى سدة الرئاسة، بينما “حزب الله” يعتبر فرنجية مصدر ثقة بالنسبة اليه، تحديداً لأن الأخير كان بإمكانه أن يكون رئيساً عام 2016، رغماً عن الحزب في حينه، إلا أنه ارتأى عدم إحراج حليفه، حتى لو أن الأمر يشكل خسارة له. بسبب هذا الملف وغيره من الملفات، اشتد التباين بين الحليفين، وللمرة الأولى في تاريخه رد “حزب الله” على ما اعتبره “تربيح جميلة” من باسيل بأن المقاومة بحاجة إلى غطائه المسيحي، عبر تلميح من أمينه العام السيد حسن نصر الله وعلى لسان بعض مسؤوليه والاعلاميين والمحللين الذين يدورون في فلكه، بأن المقاومة لا تحتاج إلى غطاء من أحد. وعلى الرغم من بُعد سيناريو فك الارتباط بين الحليفين، إلا أن السؤال الذي يسأل، من هو الخاسر في حال وصلت الأمور إلى انتهاء حلف مار مخايل؟

قد لا يكون التيار هو الأول مسيحياً، إلا أنه يمتلك تمثيلاً وازناً في الساحة المسيحية، إن كان بسبب التوظيفات والخدمات التي قدمها للمناطق أو بسبب حالة الرئيس السابق ميشال عون التي تعود إلى ما قبل الطائف، تحديداً أن التيار وعلى الرغم من استعماله الخطاب الطائفي في العديد من الاستحقاقات، واستخدام عون في نهاية الثمانينيات الجيش كميليشيا خاصة له، إلا أنه يبقى في نظر العديد تيار الجيش اللبناني ضد زعماء الميليشيات، وبالتالي يحافظ التيار على مكانة في الساحة المسيحية، حتى لو كان عهده فاشلاً وفاسداً، ودمر البلد، لكن العقلية التي تحكم اللبنانيين، تسمح له بالبقاء على الساحة المسيحية، ولذلك يحتاجه “حزب الله” إلى حد ما، فهو يسعى إلى تغيير الخطاب في الساحة المسيحية، أو على الأقل جزء منه من “الاحتفال بأعياد التحرير هو للمدمنين على المخدرات”، إلى “سلاح الحزب يحمي لبنان”، ولكن “حزب الله” لا يحتاج اليه لحماية سلاحه، والأمر له بعد استراتيجي مستقبلي، لا حالي، فلا أحد يمكنه المس بهذا السلاح، حتى لو اتخذ الأمر منحى طائفياً، كمطالبة طائفة أساسية بنزع سلاح الطائفة الشيعية، لأن البلد قائم على توازنات داخلية مرتبطة بتوازنات إقليمية، ولذلك من شبه المستحيل أن يخسر الحزب سلاحه في المدى المنظور، وفقاً لمجريات الأمور في المنطقة، وقد استفاد الحزب من التيار، الذي خاض معارك سياسية ضد خصومه مثل تيار “المستقبل” والحزب “التقدمي الاشتراكي” و”القوات اللبنانية”.

أما التيار، فشكّل حقيقة “تسونامي” عام 2005، واستطاع فرض نفسه على الساحة اللبنانية، ولكنه لم يتمكن فعلياً من إيصال رئيسه العماد عون إلى الرئاسة إلا عبر “حزب الله”، وقد حظي بحماية الحزب من تأثيرات معاركه، فكرمى للسيد نصر الله، لم تخض عين التينة الحرب ضد التيار، بل تركته يحارب طواحين الهواء بنفسه ويعلن انتصاره وانهزامه وفق نتائج المعركة، بل أكثر من ذلك قبلت عين التينة بالتحالف مع التيار انتخابياً في أكثر من دائرة، وساهمت في وصول أحد نوابه إلى منصب نائب رئيس مجلس النواب، وأمّنت لنائب آخر أمانة السر، عدا عن أن التيار كان سيخسر على الأقل نصف النواب الذين يملكهم اليوم لولا تحالفه في الانتخابات مع الثنائي الشيعي، الذي رفده بالأصوات في غالبية الدوائر، إن كان عبر مناصريه مباشرة، أو عبر مجموعات حليفة.

بالانفصال عن الحزب، قد يفتح التيار الباب لنفسه أمام بعض الدول الاقليمية، وقد يسمح له ذلك بالتوافق مع أطراف أخرى في البلد معارضة للحزب، أولها حزب “القوات” في حال قبل بالتوافق مع منافسه الأول على الساحة المسيحية. وقد يكون الانفصال المدخل لرئيس التيار لرفع العقوبات عنه، إلا أن كل هذا قد لا يستطيع تعويض المظلة التي يؤمنها له الحزب، لاسيما أن هذا الانفصال يعني أنه ليس هناك من رادع لحلفاء الحزب الذين شن التيار الحرب ضدهم لرد الصاع صاعين. وفي حال تغاضى الحلفاء عن التيار، إلا أن خصوم الحزب الذين حاربهم التيار جميعاً، سيرونها فرصة للانقضاض عليه، والاستفراد به في غياب الدعم الكبير الذي كان يحظى به، بل حتى أن التيار نفسه قد لا يبقى كما هو، كون هناك العديد من أعضائه ونوابه، يؤمنون بتفاهم مار مخايل، وقد ينشقون عن التكتل، أما البعض الآخر من الأعضاء فهو باق بسبب القوة التي يؤمنها الحزب للتيار، وبالتالي لن يبقى في حال اعتبر أن التيار في طريقه إلى الضعف.

في النتيجة يبدو أن التيار يخسر أكثر مما يربح من فك تحالفه مع “حزب الله”، فالحزب قوي بنفسه من دون الحاجة الى أي دعم من أحد، أما التيار، بعد حروب طواحين الهواء التي خاضها، فقد ضعف جداً، بالمقارنة مع “تسونامي” 2005.

شارك المقال