“نيوز لاين”: سوريا بين استشراء الفساد وتسلط الميليشيات

حسناء بو حرفوش

نشر موقع معهد “نيوز لاين” (Newlines ) الأميركي للاستراتيجية والسياسة، تحليلاً حول الوضع في سوريا، يلفت إلى “تلاشي الطبقة الوسطى وتدهور مؤسسات الدولة بشكل متزايد وعدم قدرتها على تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان. وبالتزامن، يتزايد اعتماد مسؤولي النظام على الأنشطة الإجرامية لجني الأرباح من خلال الابتزاز والتهريب عبر الحدود وتجارة المخدرات المزدهرة”. ودعا التحليل “الولايات المتحدة والدول الأخرى للتركيز على الجهود الإنسانية لحماية السوريين الذين أصبحوا عرضة للخطر في ظل فساد النظام، ومطالبة هذا الأخير بالشفافية بشأن كيفية استخدام المساعدات الإنسانية”.

القطاع العام: تضحيات بلا طائل

ووفقاً للمقال، “تحول موظفو القطاع العام في سوريا من طبقة وسطى داعمة لاستقرار النظام إلى كتلة ساخطة من الأفراد العاجزين عن تأمين قوت يومهم. ويسرّع هذا التحول مظاهر انهيار الدولة، خصوصاً وأنه دفع بموظفي القطاع العام إلى الاعتماد بشكل متزايد على الكسب غير المشروع للبقاء على قيد الحياة. وفي المقلب الآخر، من غير المرجح أن يغير السوريون ولاءهم خوفاً من القمع والخوف من عدم توفر بديل أفضل. وأكد العشرات ممن انخرطوا في صفقة غير معلنة مع النظام ووافقوا بموجبها على دعمه في الحرب والحفاظ على الهدوء، وأغلبهم من موظفي الدولة، أنهم شعروا بانتهاك صارخ. يقول أحد سكان ريف اللاذقية الشمالي الذي سرّح قبل عام من الجيش السوري: “بعد خدمة لمدة ثماني سنوات في ظروف من الذل والظلم، لم يتبق لدي مستقبل ولا عمل. خسرت كل تلك السنوات بلا طائل ومقابل لا شيء”.

ويواجه السوريون تحت وطأة العقوبات التي تستهدف النظام، أزمات متعددة ومتداخلة، ما يبقيهم في صراع دائم لتأمين الضروريات الأساسية (…) فيقضون معظم أيامهم بدون كهرباء في جميع أنحاء البلاد (…) كما توقف نظام النقل العام عن العمل إلى حد كبير. وأصبح سائقو الشاحنات المشتركة يجدون الربح الأوفر في البقاء في المنزل وبيع حصص الوقود المدعومة في السوق السوداء.

انهيار العملة واستشراء الفساد

وفقدت الليرة السورية نحو 99٪ من قيمتها خلال السنوات العشر الماضية بالتزامن مع تراجع القدرة الإنتاجية لسوريا (…) ويعد انهيار العملة كارثة بالنسبة لبلد يعتمد بشكل متزايد على الواردات (…) وتشير المحادثات مع السكان عبر مناطق تخضع لسيطرة النظام إلى انتشار الجوع بشكل أكبر، حيث أدى الارتفاع الحاد في أسعار المنتجات الغذائية الأساسية إلى اعتماد السكان بشكل متزايد على السلع المدعومة التي تباع بأسعار خاضعة للرقابة في مراكز سوريا للتجارة، وهي مؤسسة حكومية (…) ويعاني سكان المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة السورية سابقًا مثل الغوطة الشرقية والغربية بالقرب من دمشق والقلمون وشمال حمص، والتي استعادها النظام وحلفاؤه بغالبيتها في العام 2018، من أقسى الظروف المعيشية (…) أضف إلى ذلك أن النظام المفلس والمنتقم لا يستعجل لإعادة إعمار هذه المناطق.

وتضاعف الفساد الذي لطالما شكل دعامة أساسية للحكم منذ عقود، حيث سمح نظام البعث لموظفي القطاع العام باستغلال مناصبهم داخل مؤسسات الدولة والنظام لابتزاز السكان والاستفادة من التهريب والأنشطة غير المشروعة الأخرى مقابل ولائهم (…) ومع استمرار تدهور الاقتصاد السوري على مدى سنوات الحرب، أحكم جنود النظام والميليشيات وعملاء المخابرات قبضتهم بقيادة الفرقة الرابعة التي يرأسها ماهر الأسد شقيق رئيس الجمهورية وزاد استشراسهم، حيث أنشئت نقاط التفتيش التي تجمع الضرائب غير الرسمية والتي لا تنتهي في خزائن الدولة (…) كما تشارك الفرقة الرابعة والميليشيات المدعومة من إيران في عمليات التهريب عبر الحدود إلى لبنان والأردن والعراق بإشراف قوافل مسلحة توفر الحماية للتجار. ويرجح المزارعون في اللاذقية وحماه، أن هناك رابطاً بين ازدياد عدد نقاط التفتيش خلال العام الماضي والحاجة المتزايدة للمسلحين لرفع دخلهم المتقلص.

وتخضع المناطق والبلدات القريبة من الحدود لسيطرة ميليشيات مختلفة، في ظل غياب الدولة. في هذا السياق، يشير أحد سكان ريف دير الزور حيث تتمركز حواجز لجمع “ضرائب” الفرقة الرابعة وللميليشيات الموالية لإيران، إلى أن الميليشيات والمافيات المتعددة تسيطر على المنطقة، ولكل منها أجندتها الخاصة. فمنها الفلسطينية المدعومة من قبل روسيا ومنها قوات الدفاع الوطني ومنها ميليشيات يمولها أمير الحرب حسام قاطرجي. حتى إن الروس تعلموا من السوريين وبدؤوا يطالبون بالرشاوى.

إعادة النظر في السياسات الغربية

(…) وبينما تعيد واشنطن وعواصم غربية أخرى دراسة سياساتها في سوريا بسبب التحول في ديناميكيات الحرب، يجب أن يتمحور المبدأ التوجيهي حول إعطاء الأولوية لحقوق الإنسان وحماية السوريين من المزيد من الأذى (…) فمن غير المرجح أن تتغير ديناميكية ضمور الدولة ونهب النظام، حتى مع ضخ كميات هائلة من المساعدات الخارجية. ونظراً لقدرة النظام على تحويل المساعدات الإنسانية لأغراض عسكرية أو إلى جيوب أعوانه، يتوجب على صانعي السياسة الغربيين السعي لحماية السوريين المقيمين خارج سيطرة النظام داخل وخارج سوريا (وهم غالبية سكان سوريا قبل الحرب) من إجبارهم على العيش تحت رحمة هذا النظام الجائر الذي لا يستطيع حتى ضمان ما يكفي من الخبز لرعاياه مقابل هدوئهم.

(….) بالإضافة إلى ذلك، من غير المرجح أن تدفع العقوبات الغربية بالنظام لتغيير سلوكه، خصوصاً وأنه استفاد من انهيار الدولة. لذلك، يجب استثمار العقوبات الحالية في إطار المفاوضات مع روسيا لتقييم المطالب الواقعية التي يمكن لروسيا تقديمها، حتى بدون الحاجة لموافقة النظام الصادقة. ويمكن أن تشمل هذه الطلبات قبول اللامركزية بحكم الأمر الواقع والالتزام بوقف إطلاق النار وضمان مرور المساعدات عبر الحدود دون عوائق شمال غرب وشمال شرق سوريا. وبالمقابل، الدول الغربية مدعوة لرفع شروط العقوبات التي تركت آثاراً غير متكافئة على جميع السكان السوريين، وعلى وجه التحديد تلك المتعلقة بالطاقة.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً