“الثنائي” يحاصر باسيل…

رواند بو ضرغم

غالباً ما يكون أصحاب العهد هم الأكثر حماسة لإنجاح الولاية الرئاسية، ما يجعلهم أكثر ديناميكية لصوغ التوافقات وتغليب لغة الحوار والتقارب، ولكن هذا لا ينطبق على العهد العوني، فالعناد المقدس كما يصطلح العونيون لوصف الرئيس ميشال عون ومن بعده رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، بات عناداً هداماً محطِّماً للأوطان وللاستقرار الأمني ولصفو الوحدة الوطنية، والهدف إعادة التعويم السياسي الشعبي لحسابات انتخابية بعد الفشل الذريع لسياسة العهد وتحقيق الوعد بجهنم.

هدد جبران باسيل بالاستقالات النيابية واعتبر أنه في ظل الإصرار على عدم تأليف حكومة، يصبح خيار تقصير ولاية مجلس النواب عملاً إجبارياً، وإن كان سيتسبب بمزيد من هدر الوقت… جواب “حزب الله” لم يتأخر كثيراً ليصل إلى باسيل، ويقطع الطريق أمام العبث بالسلطة التشريعية آخر المؤسسات الدستورية التي لا تزال صامدة بوجه نهج التعطيل.

ووفق معلومات موقع “لبنان الكبير”، نقل “حزب الله” رسالة مباشرة إلى النائب جبران باسيل مفادها أن “لا انتخابات نيابية مبكرة”، والمجلس باق حتى آخر يوم من ولايته، ونقطة عالسطر. لذلك أي تصرف من قبل باسيل خلافاً للرسالة، سيعتبر تحدياً لـ”حزب الله” وسيكون له تبعاته السلبية، وعليه فلا قيمة لأي كلام جرى تداوله عن حكومة انتخابات تدير المرحلة المقبلة. وتؤكد مصادر مطلعة أن الأمر غير مطروح، ولم يُذكر في أي من الاجتماعات، أن هناك من باستطاعته أن يشكل حكومة انتخابات أو إصلاح بديلاً من حكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري، في حين أن الأخير لم يعتذر وهو يستكمل مهامه في التأليف وتدوير الزوايا مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري للوصول إلى حلحلة العقد التي يرميها باسيل أمام التأليف، ولـ”حزب الله” الدور الأكبر في التواصل مع باسيل لإقناعه.

ما هو مرتقب، كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الثلاثاء، حيث سيتطرق إلى الشأن الحكومي، وسيشدد على ضرورة تفعيل مبادرة الرئيس بري وتضافر الجهود من أجل إنجاحها، وهذا ما يعني أننا بحاجة إلى تنازلات من الطرفين. وبات “حزب الله” متأكداً من أن العقبة والمعطل الأساسي لتأليف الحكومة هو حليفه النائب باسيل من خلال إمعانه بفرض شروطه على الرئيس المكلف، ولا يريد إعطاء الحكومة الثقة، والحزب يعلم أيضاً في قرارة نفسه أن الرئيس الحريري قدم كل التنازلات، وليس هناك من شيء يستطيع تقديمه أكثر، ويعطيه بعض الحق في مقارباته الحكومية، إلا أن كلام السيد نصرالله لن يدخل بتسمية المعرقلين وما هو معروف عن نهجه المتبع مع حلفائه أنه لا يبلغ أحد منهم أي رسالة عبر الإعلام، لذلك يُرتقب إعادة تفعيل لقاءات الخليلين مع باسيل، للوصول إلى إيجاد حل للعقدتين المتبقيتين، وفي المقابل لن يدخل السيد نصرالله في خطاب الثلاثاء كذلك في تفاصيل تأليف الحكومة، ولن يقحم نفسه في سجال الجهة التي ستسمي الوزيرين المسيحيين، إنما سيعيد ضخ الحياة والدعم لمبادرة الرئيس بري التي توقفت عند تعنت باسيل وشروطه المصلحية الضيقة.

المعطل هو باسيل، وهذا ليس اتهاماً بل واقعاً، فالعقدة الأولى التي حاكها باسيل لتفخيخ مهمة الحريري، هي حجب تسمية الوزيرين المسيحيين عن الرئيس المكلف واشتراطه بأن يسميهما رئيس الجمهورية ليوافق عليهما الحريري أم تسميهما باقي الأحزاب، علماً أن الرئيس المكلف سعد الحريري قدم تنازلاً لتسهيل إيجاد الحل بأنه استناداً إلى حقه الدستوري بتسمية المسيحيين كما المسلمين، فهو يقبل بأن يستمر بطرح الأسماء المسيحية ليوافق رئيس الجمهورية على اثنين منها، فلم يوافق باسيل على اقتراح الحريري ورفضه رفضاً قاطعاً.

والعقدة الأكبر أنه وعلى الرغم من أن باسيل يصادر صلاحيات رئاسة الجمهورية ويحاور ويتشاور مع وسطاء التأليف بدلاً من رئيس البلاد في عقر دار الرئاسة، إلا أنه لا يوافق على منح الحكومة الثقة بأي شكل من الأشكال، ووفق معلومات موقع “لبنان الكبير” كان جواب الرئيس الحريري “مقنعاً لحزب الله” بأن حصة رئيس الجمهورية في حكومة ثلاثينية لا تتعدى ثلاثة وزراء، فبأي حق يحصل على ستة وزراء في حكومة من اربعة وعشرين وزيراً ولا يريد تياره أن يعطي الثقة، ويريد أن يمنع الرئيس المكلف من تسمية وزيرين مسيحيين!!

“حزب الله” لم يعد قادراً على توقع المزيد من التنازلات من قبل الرئيس المكلف، لأن من يجب أن يتنازل هو حليفه التيار الوطني الحر، ولكن المطروح اليوم وفق معلومات “لبنان الكبير” بأن يسمي الرئيس الحريري الوزيرين المسيحيين وأن يحجب باسيل في المقابل الثقة عن الحكومة، وفي هذا الطرح يكون باسيل قد حقق ما يريد، ودخل مرحلة التحضير للانتخابات النيابية باعتباره معارضاً للحكومة ولسياساتها الموجعة التي ستتخذها، فهدف باسيل شعبوي ذو مردود انتخابي. ومن جهة أخرى يكون هذا الطرح قد ثبّت حق الرئيس المكلف بتسمية المسيحيين، إلا أن هذا الاقتراح رفضه الرئيس الحريري، وأصر على إعطاء التيار الوطني الحر الثقة وإلا لا يحق لرئيس الجمهورية الحصول على ثمانية وزراء.

ووفق المعلومات أن رئيس مجلس النواب نبيه بري يعتمد على دور “حزب الله” في الحصول على التزام باسيل بإعطاء الحكومة الثقة، ليدوّر بعدها الزوايا ويجد أرنب الحل في موضوع تسمية الوزيرين المسيحيين، إلا أنه حتى اللحظة لم يستطع “حزب الله” أن يمون على حليفه المسيحي ويقدم المصلحة الوطنية على مصلحته الشخصية وحلمه الرئاسي.

ختاماً، فإن مبادرة الرئيس بري هي الفرصة الأخيرة لتفادي التأزم السياسي وللوصول الى حكومة انقاذية، والا فاعتذار الرئيس الحريري سيصبح واقعاً، لأنه لن يقبل بأن يرتبط اسمه بالتعطيل، كما ارتبط اسم الرئيس ميشال عون في أكثر من حقبة كرمى لعيون الصهر وتوزيره حيناً، وتعطيل البلاد لسنتين ونصف السنة جرّاء الفراغ الرئاسي للوصول الى الرئاسة وايصال البلاد نحو الانهيار الكامل وتفريغ مؤسساته الدستورية أحياناً.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً