“هواجس المسيحيين”… مطية لتحقيق حلم “الفخامة”

محمد شمس الدين

أسست فرنسا الكيان اللبناني بعنوان ملاذ الأقليات في المنطقة، واعتبرت في حينه أن الطائفة المارونية يجب أن تكون على رأس الحكم في لبنان، وقد حكمت المارونية السياسية لبنان لأكثر من 70 سنة، حصل خلالها العديد من الهزات السياسية بسبب خلاف الموارنة أنفسهم على الحكم، وعندما طلب منهم المشاركة في الحكم مع باقي الأقليات كان الرفض سيد الموقف، وإن كان هناك من قبول بمشاركة، الصلاحيات الكبرى للحكم تبقى للموارنة، كل هذا وأمور أخرى إقليمية ودولية، وطبعاً وجود الكيان الصهيوني في فلسطين أدى إلى حرب أهلية، استمرت 15 سنة. وحتى خلال الحرب قدّمت المكونات الباقية في البلد العديد من المقترحات، إلا أن الحكام الموارنة كانوا يرفضون الأمر، إلى أن وصل البلد إلى اتفاق الطائف، الذي يشرك جميع الأطياف في الحكم، ومن المفترض أن يؤدي إلى دولة مدنية تلغي دور الامتيازات الطائفية، إلا أن رأسي الموارنة في حينه، ميشال عون وسمير جعجع، انتفضا في وجه الواقع الجديد للبلد، سجن جعجع ونفى عون نفسه إلى فرنسا، وعمّ الهدوء في البلد، أيام الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وحتى اغتياله في العام 2005.

13 سنة تقريباً، نعم البلد بهدوء لناحية التحدث عن هواجس مبالغ فيها، وكانت الضمانة للمسيحيين هي القوى من الأطياف الأخرى بالتعاون مع البطريركية المارونية التي كانت تحظى بنفوذ واسع، واستطاعت الوقوف في وجه العديد من المشاريع التي تلغي الامتيازات الطائفية، من منطلق الخوف على الوجود المسيحي في البلد، حتى حلّ العام 2005، وعاد عون وجعجع، وبدأ الصراع مجدداً بينهما على كرسي رئاسة الجمهورية، ولكنهما اتفقا دوماً تحت عنوان هواجس المسيحيين، بل هي كانت أشبه بحصر الموقع الرئاسي بينهما فقط، على الرغم من صراعهما عليه. حتى وصلت الأمور في نهاية الأمر إلى اتفاق معراب، الذي كان هدفه منع رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية من الوصول إلى سدة الرئاسة، وتقسيم الحصة المسيحية بين “التيار الوطني الحر” و”القوات”، إلا أن الطبع غلب التطبع، فأخلّ التيار بعد وصوله إلى الحكم بالاتفاق، مستفرداً بالحصة المسيحية في الدولة، تاركاً الفتات لـ”القوات” والقوى الأخرى، ما جعل “القوات” تشن حرباً على التيار، وتركب أي موجة ضد “العهد القوي”. اليوم بعد أن انتهى غير مأسوف عليه عهد عون الجهنمي، عادت النغمة نفسها، الهواجس والتمثيل الطائفي، بل هناك اليوم استجرار لبكركي إلى ساحة المعركة، وبدل أن يتم الاتفاق بين المسيحيين في البلد، على شخصية مناسبة مسيحياً ووطنياً، يلوم الحزبان بقية الأطياف على تهميش الدور المسيحي، علماً أن الفرقاء الآخرين في البلد، يحاولون التخفيف من وطأة الفراغ، الذي ينخر عظم البلد يوماً بعد يوم، وسببه الصراع الماروني على الكرسي.

يخاف الحزبان من لعبة العددية، فبكل بساطة عدد المسلمين أكثر من عدد المسيحيين، وعلى الرغم من ذلك لم يحاول المسلمون يوماً إلغاء المناصفة، بل أصروا عليها، وكان للرئيس الشهيد رفيق الحريري كلمة شهيرة في هذا الأمر: “وقفنا العد”، ولكن ذلك لم يمنع التيار و”القوات”، من استخدام الهواجس في العناوين السياسية، التيار يريد بقاء البلد بأكمله معطلاً، حتى يسير “حزب الله” معه في الملف الرئاسي، أما “القوات” فتحاول استغلال الفراغ عبر الضغط إقليمياً من أجل نيل ما تريده في الرئاسة، أو على الأقل حفظ حصتها في الحكم أياً كان الرئيس، وهي تسعى الى أن تنتهي من المنافس التقليدي “التيار الوطني الحر” قبل الاستحقاق النيابي المقبل.

يرفض الحزبان الحوار في الشأن الرئاسي، إن كان بينهما أو مع القوى الأخرى، ويرفضان أيضاً تسيير أمور الناس من دون رئيس جمهورية، وليذهب البلد وشعبه إلى الجحيم، المهم أن يحصلا على ما يحلمان به، والشعار دوماً هو الهواجس، يموت مرضى السرطان، يموت مرضى الكلى، يجوع الشعب، يعيش على الظلام، كل ذلك لا يهم، المهم تحقيق الحلم الأزلي بالجلوس على كرسي الرئاسة.

وفي السياق، أشار مصدر سياسي مطلع لموقع “لبنان الكبير” الى أن “القوى السياسية في لبنان الحليفة والخصمة للحزبين، ضاقت ذرعاً بهما، فهما يتبجحان بهواجس المسيحيين، ولكنهما هما بنفسهما رفضا القبول بممثلي طوائفهم في الاستحقاقات السابقة، إن كان في الموقع الشيعي أو الموقع السني، حتى أن التيار ذهب أبعد من ذلك وحاول كثيراً التضييق على الحزب التقدمي الاشتراكي، وفرض عليه كتيلة عبارة عن شخص واحد، بل أكثر من ذلك حاول ضرب الموقع السني، عبر تعيين باش كاتب لديه لا يمتلك قيد أنملة من التمثيل، رئيساً للحكومة، واليوم يتبجح بالتمثيل المسيحي”.

أضاف المصدر: “يعلم المسيحييون أنهم محظوظون في هذا البلد، لأن القوى المسلمة، على الأقل المتزعمة لطوائفها، تحرص عليهم، ولم تعاملهم بالمثل، ولكن إن اشتدت الأزمات في لبنان فلا بد من تخطي عقدة هذين الحزبين، لأنها عقدة وليست هواجس، عقدة الزعامة والرئاسة، وبعناوين هذه الهواجس، البلد يموت يوماً بعد يوم، وعندها سيتقاتل الحزبان على من له الحق بكرسي الاشراف على الأطلال”.

يقول “التيار الوطني الحر” بعد تجربة 6 سنوات في الحكم انتهت بشعار “ما خلونا” أن المشكلة هي النظام في لبنان، ولن يتمكن أحد من الاصلاح في ظل هذا النظام، وعلى الرغم من ذلك يناقض كلامه ويحارب من أجل الاستئثار بكرسي الرئاسة. أما “القوات” فتعتبر أن المنظومة التي يقودها “حزب الله” وسلاحه هي المشكلة، ولا يمكن إصلاح البلد قبل القضاء على المنظومة، ونزع سلاح الحزب، وعلى الرغم من علم الجميع محلياً وإقليمياً، أن سلاح الحزب لا يمكن نزعه، مهما تغير الرؤساء والحكومات والنواب، تحارب “القوات” للحصول على موقع الرئاسة، مما يدل على أن كل الشعارات ذهبت هباء منثوراً، والحقيقة هي أن لقب “فخامة الرئيس”، هو الحلم الأزلي.

شارك المقال