باسيل على المحك: خسارة الرئاسة والتعويض بالحوافز

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

لم تختلف الصورة في الجلسة الأخيرة لانتخاب رئيس الجمهورية يوم الخميس الماضي عن سابقاتها، اذ بقيت الورقة البيضاء ضابطة للايقاع، وهي ورقة “حزب الله” لاخفاء مرشحه الحقيقي، إذ كان مصراً عليها لعدم قدرته على تأمين 86 صوتاً لمرشحه رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية الذي أعلن عنه مجبراً أخيراً، وهو يريد الوقوف معه عملاً بدعايته عن نفسه بأنه يضحي من أجل اصدقائه وحلفائه، وقد فعل ذلك مع جبران باسيل في الانتخابات النيابية، الا أن طمع الأخير لا يقف عند حدود، ويعيّر الحزب بوقوفه معه منذ 17 سنة وتغطيته مسيحياً، لكن الهدف واضح وهو وراثة كرسي بعبدا عن عمه.

الحزب يعلم أن حظوظ باسيل لمتابعة العهد العوني صفر في الأوساط اللبنانية والدولية والمسيحية، ويعتبره مجرد غطاء سياسي ضمن كتلة نيابية، وقد يقدم له في العهد المقبل امكانات وحوافز، سواء بالتوزير أو بتعيين مدراء عامين، لكن باسيل يريد الأكثر، إذ يقول انه معاقب دولياً لوقوفه مع “حزب الله” الذي يدرك أن هذا العقاب من وزارة الخزانة الأميركية لكونه فاسداً، فباسيل لا يستطيع تبرير نفسه سوى لجمهوره فقط، اما خلال اجتماعاته مع حسن نصر الله فلا يستطيع التفوه بهذا الكلام، لكن الحزب مضطر الى التحالف معه من أجل مصلحته، فقد ساعده في تغطية سلاحه وعرقلة قيام الدولة وتعطيل عمل الحكومات والمقابل كان توزيره والحصول على مقعد نيابي وإيصال عمه الجنرال الى الرئاسة.

إلا أن مصادر سياسية تعتبر أن “الأزمة الأخيرة بين الطرفين الناتجة عن عقد الجلسة الوزارية كانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير، وكشفت الخلافات الى العلن، فباسيل كان يجول من فرنسا الى قطر الى البطريركية المارونية ليظهر نفسه مظلوماً، الجميع يقف ضده، معاقب بسبب مواقفه الوطنية، أمين على متابعة عهد ميشال عون الفاشل الذي تسبب بالانهيار، العهد الذي أتى بتسوية مع الجميع لكنه إنقلب عليها من أجل السيطرة والانقضاض على الطائف. إراد باسيل القول لحزب الله إن الأمر ليس بيدكم بل أانا من أقرر وأنا الرئيس الظل ومن أفرض الرئيس والتوافق لا يحصل الا من خلالي، لكن حزب الله أقر عقد الجلسة الحكومية وهنا لا يمكن القول بانتصار باسيل أو فشله أو انتصار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أو فشله، بل تقديم صورة بأن الدستور اللبناني لا ينفذ بل يتعثر، والتعثر هنا هو لصالح حزب الله الذي يكرر بأن المشكلة في الدستور ويجب تعديله لحل الاشكالات سواء في تشكيل الحكومة وتركيب الأسماء والثلث المعطل وتكليف الوزراء واستقالاتهم، ولذلك يكرر أن مشكلتنا ليست بالأشخاص وانما بالدستور وحل الأزمة هو بتعديله بما يتناسب مع توجهاته وارتباطاته بولاية الفقيه”.

بدا أن جلسة الحكومة الأخيرة غير دستورية وغير قانونية وفي الوقت نفسه هي دستورية وقانونية، وترى المصادر نفسها أن “ازدواجية التعاطي مع أعمال الحكومة ان كانت تصريفية أو تقوم بواجباتها المفترضة كانت أمراً يدركه حزب الله، فهو يعلم جيداً كيفية أخذ الأمور الى ما يريده لأنه منذ العام 2007 الى 2009 كان هو المعطل بواسطة السلاح والهجوم على حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، معتبراً إياها غير ميثاقية. المشكلة هي في كيفية نظرة حزب الله الى عمل المؤسسات في الدولة، ومن هنا نرى أن ميقاتي وافق على الجلوس الى الطاولة بمساعدة حزب الله، وبات مقرباً منه ورأيناه يمثل لبنان في القمة الثلاثية، العربية – الخليجية – الصينية، وعقد لقاءات مع شخصيات سياسية عربية ومع وجوه سعودية ولكن لم يلتق الأمير محمد بن سلمان، لذلك لقاءاته عادية، ورسالة السعودية لميقاتي واضحة تفيد بأنها لا تزال على موقفها الثابت لا لأي رئيس أو توجهات في السلطة اللبنانية تصب في خدمة أجندة حزب الله وهي لن تقدم أي دعم للحكومة اذا كانت تعمل في هذا الاتجاه”.

إثر ذلك، تفسر المصادر رد باسيل السريع بالتوجه نحو بكركي لشرح ما حصل معه، “باعتبار أن استمالة الوزير الأرمني إنقلاب، ومؤشر على أن الأرمن صاروا خارج الاصطفاف مع باسيل، تم التهديد بفتح ملف الطعن بنيابة آغوب بقرادونيان، في حال لم يسمح للوزير الأرمني بالحضور، وبالتالي يخسر الأرمن مقعدهم لصالح القوات، والمشكلة ليست بحضور الوزير الأرمني بل بأن القرار الارمني لم يعد بيد حزب الطاشناق. باسيل تلقى الصفعة الكبرى من حزب الله بعقد هذه الجلسة ووضعته في مكانه المناسب لتقول له نحن ساعدناك والأمر بيدنا، ونحن المقررون بكل هذه الأعمال التي تخدم مصالحنا وحديثنا لن ينتهي هنا بعدما فعلته في فرنسا والطعن بالأمين العام لحزب الله”.

وتوضح أن “جولات باسيل ستؤدي الى مشكلة لا سيما بعد إعلان حزب الله عن مرشحه الوحيد سليمان فرنجية، الذي بات موقعه على المحك، وستترتب عن هذا الاعلان في الجلسة المقبلة أمور عملية، اذا لم يتم تأجيلها، فهل سيتخلى الحزب عن الورقة البيضاء ويصوّت لصالح مرشحه فرنجية؟ ولمن سيصوّت باسيل وكتلته؟ وهل يذهب الى ترشيح ابراهيم كنعان ليقلب الطاولة على رأس الجميع؟ الحزب لا يريد الخروج من اتفاق مار مخايل ولا الصراع مع باسيل، إذ دعا محازبيه الى عدم الدخول في السجال معه والالتزام بالصمت، ويعتبر أن التحالف بينهما قائم طالما أن جبران لم يعلن خروجه من مار مخايل، هو رد على باسيل وذهب في ترشيح فرنجية، وقد تحصل هنا عملية ابتزاز: اسحب مرشحك لأسحب مرشحي، وهذا سيحرج حزب الله الذين يدعي الوقوف مع أصدقائه حتى النهاية، علماً أن فرنجية لن تكون له حظوظ عالية خصوصاً في الوسط المسيحي الداخلي، فكتلة المردة ليست كبيرة، وكتلة القوات لن تصوّت له كما الكتائب وبالتالي لا ينال الغطاء المسيحي الماروني، علماً أن الفرنسيين والأميركيين غير متحمسين له. كما أن السؤال هو حول كيفية تعاطيه مع السعودية حتى وإن عقد لقاء معهم، ثم ان جنبلاط لن يصوّت له أيضً على الرغم من طلب صديقه نبيه بري دعمه. من هنا باتت حظوظ قائد الجيش أعلى، خصوصاً وأن جبران قد يذهب نكاية بحزب الله الى التصويت له، فترشيح قائد الجيش بات محط توافق دولي ولا معارضة عربية لتوليه الرئاسة وايصاله بطريقة رسمية، من هنا يقف حزب الله مكبلاً مع أنه قال سابقاً اذا تم التوافق على قائد الجيش للرئاسة فلن يعارض”.

هنا السؤال، نقول المصادر: “كيف سيعمل حزب الله على إبعاد فرنجية، في ظل الحديث عن مبادرة قطرية – فرنسية؟ مقربون من فرنجية يقولون انه هادئ واذا حصل على الرئاسة أمر جيد وان لم يحصل عليها فلن يغير مواقفه، من هنا يبدو أن أسهم قائد الجيش ترتفع، ويبقى موقف باسيل ففي حال فرض عليه انتخاب رئيس جديد فمن سيختار فرنجية أم عون؟ الأرجح سيختار عون للقول للجميع انه مستقل ويمارس قناعاته ومبرره أمام مناصريه، بأن قيادة الجيش التي تولاها جوزيف عون كانت بموافقة التيار، ويعتبر مؤيداً لخطهم، وبذلك يبقى باسيل زعيماً مارونياً يستطيع الحصول على حوافز، ولكن حساباته هنا حسابات اعلامية، فجوزيف عون سيكون رئيساً توافقياً وليس عونياً أو حزبلاوياً وله علاقات واسعة مع المجتمع الدولي وأول ما سيقوم به إعادة لبنان الى واقعه العربي لأنه يعلم جيداً أن مؤسساته الأمنية والبلد الذي سيقوده اذا لم يكن محمياً اقتصادياً ومدعوماً من الخليج العربي فلن يستطيع السير وسيشهد المزيد من الانهيارات”.

اما عن موقف نواب التغيير في هذه الحالة، فتؤكد المصادر أنه “اذا حصلت التسوية فسيمشون بها، لأنهم لم يستطيعوا اقتراح اسم توافقي ولم يقدموا مبادرة توافقية أو يعلنوا موقفاً واضحاً من كل العملية الانتخابية وكانوا مربكين نتيجة عدم قدرتهم على استشفاف المواقف الدولية لأنهم خرجوا من الشارع وما زالوا يعتبرون أنفسهم ممثلين لما طرحته ثورة 17 تشرين من دون الأخذ في الاعتبار المشكلات العالقة داخلياً وارتباطاتها بأجندات الخارج، كما أنهم يعتبرون أن شعار (كلن يعني كلن) نافع من خلال صوتهم في البرلمان وهذا خطأ كبير ارتكبوه”.

شارك المقال