هل اقترب عون وابتعد فرنجية؟

صلاح تقي الدين

في وقت اقترب فيه موعد نهاية المونديال الكروي الذي تستضيفه دولة قطر والمقرر في نهاية الأسبوع الحالي، لا يزال موعد نهاية المونديال “الرئاسي” اللبناني غير واضح ويخوض فيه مرشحان رئيسان المباراة النهائية، الأول علناً وهو رئيس تيار “المردة” النائب والوزير السابق سليمان فرنجية، والثاني يتم التداول باسمه في المحافل الداخلية والاقليمية كما الدولية وهو قائد الجيش العماد جوزيف عون.

هذا ما تبدو عليه الصورة وفقاً لمصادر مراقبة ومعنية بالانتخابات الرئاسية، بحيث توقعت في حديث إلى “لبنان الكبير” أن يعلن النائب ميشال معوض قريباً الانسحاب من السباق الرئاسي لعدم جدية القوى المعارضة في الاتحاد حول دعمه، خصوصاً وأن الفريق المعارض لوصوله لا يزال قادراً على التحكم بمفاصل اللعبة السياسية الداخلية ويعتبره مرشح تحدٍ وبالتالي لن يكون هناك أي احتمال للتوافق على اسمه.

وتضيف المصادر أنه استناداً إلى المعطى الحالي، فإن المرشح المضمر لفريق 8 آذار وتحديداً “حزب الله” هو فرنجية الذي يحاول الحزب بالاشتراك مع رئيس مجلس النواب نبيه بري توفير الظروف المؤاتية كافة لانتخابه، وإن كان ذلك عبر دعوات “الحوار” الملغومة، أو بالاستمرار في تعطيل الانتخابات الرئاسية كما جرى بين العامين 2014 و2016 إلى حين توافرت الظروف التي أدت آنذاك إلى انتخاب ميشال عون رئيساً.

والواضح أنه بعد “الاشتباك” الكلامي الأخير بين رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل وقيادات “حزب الله” والذي أتى على خلفية رفض باسيل المطلق لوصول فرنجية إلى بعبدا، فإن “حزب الله” وجه رسالة مبطنة إلى اليه عبر دعم انعقاد جلسة مجلس الوزراء الأخيرة مفادها أنه إذا استمر على عناده فالحزب سيؤمن انتخاب فرنجية بعدد كاف من الأصوات من دون أصوات باسيل وكتلته، لكن هذه الرسالة هي في الواقع سيف ذو حدين إذ أن الاتصالات التي أعقبت كلام باسيل الذي انتقد فيه الحزب، تدلّ على حاجة الفريقين إلى عدم كسر الجرة بينهما وأنهما لا يزالان يتمسكان بتحالفهما “للضرورة”، وبالتالي فإن العناد من قبلهما قد يبعد الانتخابات الرئاسية إلى أجل غير مسمى وهذا ليس من مصلحة الفريقين.

كثيرة هي التلميحات في المقابل التي أوحت بأن رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع قد يتخلّى عن ترشيح معوض من خلال الحديث عن القبول بقائد الجيش كمرشح توافقي، إلى جانب التخفيف من التصلّب الذي كان يبديه رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط ازاء معارضة وصول قائد للجيش إلى السلطة مجدداً، وهذا أمر مفهوم نظراً الى الحساسية التي يملكها جنبلاط ضد “العسكر”، لكنه لن يقدم على معارضة أي توافق حول اسم عون، في حال كان ذلك برضى وقبول من غالبية “المسيحيين” ومن حليفه الدائم الرئيس بري.

ولأن من بديهيات القول ان انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان هو دائماً رهن التوافق الاقليمي والدولي، فإن الحراك الذي يقوده الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون باتجاه الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، مروراً بإيران، في محاولة للتوافق على اسم من المرجح أنه قائد الجيش، قد يؤتي ثماره في وقت لم يعد ببعيد، هذا إن صفت النيات وعاد لبنان إلى أجندة الاهتمام الدولي، وهو ما عبّرت عنه فحوى المباحثات التي أجراها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مع ولي العهد السعودر ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، كما في البيان المشترك الفرنسي – الأميركي الذي صدر عقب زيارة الدولة التي قام بها ماكرون إلى واشنطن واجتمع خلالها بالرئيس الأميركي جو بايدن، كما في بيان القمة الصينية – العربية التي استضافها بن سلمان والرئيس الصيني شي جين بينغ.

وبرز أخيراً أيضاً دور محوري تلعبه العاصمة القطرية الدوحة، التي إلى جانب استضافتها المونديال الكروي، استضافت العماد عون في زيارة رسمية بناء على دعوة من نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ومن المؤكد أن في ذلك إشارة إلى جدية التوافق على عون كرئيس عتيد للجمهورية، بعيداً عن البيان الرسمي الذي أشار إلى أن المباحثات تركزت على استمرار الدعم القطري للجيش اللبناني والتعاون الأمني بين جيشي البلدين.

كل هذه المؤشرات قرأتها المصادر المعنية بأنها توحي بأن أسهم فرنجية وحظوظه في الوصول إلى بعبدا، أصبحت أصعب من قبل، خصوصاً وأن تركيبة المجلس النيابي الحالي لا تسمح لـ “حزب الله” بالسيطرة على الغالبية فيه من دون التعاون مع باسيل، وبالتالي عدم القدرة على تأمين نصاب الثلثين في الدورة الثانية لانتخابه بالنصف زائداً واحداً.

وتعتبر المصادر في المقابل، أن أسهم عون ارتفعت كثيراً وأًصبح قاب قوسين من الانتقال من اليرزة إلى بعبدا كرئيس توافقي، لكن دون ذلك احتمال طعن الدستور بانتخابه إذ أن قائد الجيش بحاجة الى تعديل دستوري يسمح بانتخابه وهذا الأمر يحتاج إلى غالبية الثلثين في مجلس النواب أيضاً، وهو أمر لن يسهّل باسيل حصوله كثيراً.

وبما أن من المسلم به أن انتخاب رئيس عتيد للجمهورية عاد ليكون استناداً إلى توافق إقليمي دولي، فإن انتخاب عون قد يسقط في ربع الساعة الأخير إذا “نبت” اسم جديد يحظى بقبول أميركي – سعودي – فرنسي، وعدم ممانعة إيرانية، وفي الخلاصة فإن الدور الذي تستطيع القوى السياسية الداخلية لعبه لن يقدّم ولن يؤخر، علماً أن غاية المنى هي أن يكون هذا الانتخاب لبنانياً صرفاً، وهو ما ليس بقدرة اللاعبين الحاليين على القيام به.

شارك المقال