انتخبوا رئيساً جامعاً ليمارس كامل صلاحياته

زياد سامي عيتاني

إنّ الصراع الماروني – الماروني والخلاف المتصاعد بين “التيار العوني – الباسيلي” و”حزب الله”، يحولان حتى الآن دون إمكان التجاوب مع موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري، لجهة ضرورة وحتمية التوافق على إسم رئيس للجمهورية، للتمكّن من إنتخابه بأكبر قدر ممكن من الاجماع الوطني، مما سيوفر له كلّ المقومات التي تجعله رئيساً قوياً ليس مسيحياً فحسب، وإنما وطنياً، وفقاً لما نصّ عليه الدستور، فيكون عندها فقط قادراً على ممارسة صلاحياته كاملة.

وتبرز أهمية الحاجة إلى التوافق على الرئيس العتيد، عدا الانهيار الشامل على الصعد كافة، لأنّ الاهتمام الدولي والإقليمي بلبنان تراجع إلى أدنى الحدود، اذ أنّ للدول الغربية أولويات أخرى، بعدما نالت ما يهمها بترسيم الحدود البحرية، أيّ الحصول على الغاز الاسرائيلي كجزء من بدائل الغاز الروسي مع دخول فصل الشتاء، مقروناً بضمانات الاستقرار الأمني على الحدود بين لبنان والكيان الصهيوني الغاصب.

هذا الواقع المأزوم، وفي غياب أيّ مبادرة خارجية، يتطلب من القوى السياسيّة المحليّة المؤثّرة، وتحديداً المارونيّة منها، لا سيما مرجعيتها الروحية بكركي، التخلي عن سياسة الرؤوس الحامية، والترفّع عن الأنانيات السلطويّة الغرائزيّة، والتراجع عن النوايا الاقصائيّة والالغائيّة في ما بينها، من خلال الاتفاق بين المسيحيين أولاً، تمهيداً للتوافق مع باقي المكونات، لانتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت، قبل زوال الجمهورية نهائياً عن الخارطة الجيوسياسية.

أمّا التلهي بالميثاقيّة ممن بقي ينتهكها حتى سحقت، لشد عصب تياره المتصدع والمتشرذم من جراء ممارساته النرجسيّة الاستئثاريّة، فإنّه سيبقي الأزمة مفتوحة وسيعمّق من معاناة اللبنانيين الرازحين تحت أهوال الكوارث الاجتماعيّة والمعيشيّة، في ظل الشلل التامّ على صعيد مؤسسات الدولة الآيلة بصورة متسارعة الى الانهيار والاحتضار.

فالحملة العونيّة الباسيليّة المتجدّدة والمسعورة على “السنّيّة السياسيّة”، بتهمة الاستيلاء على صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني، ما هي إلّا تعبير وجداني صادق عما تختزنه من حقد وضغينة فئويّة وعصبيّة مقيتة، بدأت بالظهور العلني، عندما أطلقت عبارة: “وان واي تيكيت”، التي لم تكن زلة لسان على الاطلاق.

هنا، لا بدّ من إنعاش ذاكرة هؤلاء الذي يذرفون دموع التماسيح على حقوق المسيحيين أنّ الطائفة السنّيّة في لبنان ببعدها وإلتزامها اللبناني – الوطني، وإنتمائها العربي المنفتح، كانت منذ تأسيس دولة لبنان الكبير سنة ١٩٢٠، نقطة الارتكاز وحجر الزاوية في قيام الجمهورية اللبنانية وتكريس ميثاقيّتها التعايشيّة والسياسيّة، والشراكة الوطنية، وضمانة كيانيّة لبنان.

وهذا ما تجلى من خلال الإقرار والقبول بكلّ رضائية الالتزام بعُرف له قوّة دستورية، ينصّ على أن يكون رئيس البلاد مسيحيّاً مارونياً، من خلال الميثاق الذي تمّ التوافق عليه بين الرئيسين بشارة والخوري ورياض الصلح عند إقرار دستور العام ١٩٤٣، والذي شكّل ركيزة النظام اللبناني، التي ضمنها فيما بعد دستور “الطائف”، وذلك إيماناً بضرورة إشعار المكوّن المسيحي بأنه يعيش في بيئة توفر له الاطمئنان الوجودي في منطقة غالبية شعوب دولها من المسلمين، وبالتالي تمكّنه من ممارسة دوره الوطني من خلال تبوؤ أعلى منصب سياسي يتمثّل برئاسة الجمهورية، الأمر الذي أوجد مساحة واسعة من الارتياح والطمأنة لدى مختلف الشرائح المجتمعيّة، وفي مقدمها المسيحيّة، والمارونيّة منها على وجه التحديد.

بناءً عليه، فإنّ ميثاق العيش المشترك ليس عقداً على التقاسم الطائفي، بل هو مشاركة من خلال المؤسسات الدستورية، الكفيلة بتمثيل مختلف المكوّنات اللبنانية بالتساوي على قاعدة المناصفة، التي تُسقط كلّ التأويلاتِ المُبتَدَعة والمبادئ المصطعنة.

من هنا فإنّ الطريق الأقصر والوحيد للتوازن الوطني ومعالجة مكامن الخلل التمثيلي والبنيوي، تكمن في الاسراع بإنتخاب رئيس للجمهورية ليمارس صلاحياته، تعقبه الدعوة مباشرة إلى مشاورات برلمانية مُلزِمة، تنتهي بتكليف رئيس حكومة أصيل يشكّل حكومة أصيلة بصلاحيات كاملة.

لذلك، فإنّ المطلوب في هذه المرحلة المصيريّة والمفصليّة، من المرجعيات الروحيّة المسيحيّة والقوى السياسيّة التي تتمتّع بالحكمة وبُعد النظر والنضج السياسي والحس الوطني، تلمّس الخطر الداهم على لبنان ومستقبله، وتحديداً على مسيحييه (الأكثر هجرة وبيعاً لعقاراتهم وفقداناً للثقة بوطنهم خلال السنوات الماضية) واطلاق مبادرة وطنيّة مرجعيّة، تصوّب المسار والسلوك، من خلال الاتفاق على إسم رئيس للجمهورية يحظى بثقة اللبنانيين والخارج، للتوافق عليه مع باقي القوى السياسية، ليصبح إنتخابه ممكناً، تداركاً للمخاطر والتبعات الكارثية التي يمكن أن تنتج عن إبقاء مقام الرئاسة فارغاً.

شارك المقال