بين حكومة ميقاتي وحكومة عون العسكرية… الميثاقية “بسمنة وبزيت”

محمد شمس الدين

السياسيون في لبنان معروفون بازدواجية المعايير لديهم، عندما يصب الأمر في مصلحتهم، يكون مشروعاً وقانونياً، وعندما يعاكسها، يكون غير دستوري وغير قانوني ويمس بالطائفة والعيش المشترك والميثاق، وتصدح الأصوات على طريقة “وين بيت الله لنهدو”. وقد يكون أكبر مثال على هذه الحال، “التيار الوطني الحر” ومؤسسه الرئيس السابق ميشال عون، فقد انتفض “التيار” على جلسة حكومية بملفات لا تحتمل التأخير، واعتبرها خرقاً للدستور والأعراف، بل ذهب أبعد من ذلك وحمل قميص “الدور المسيحي” ورفع سقف الخطاب الطائفي، وحتى أنه استدرج بكركي لمساندته في المعركة.

بغض النظر عما إذا كان انعقاد جلسة الحكومة شرعياً أم لا، علماً أن غالبية الدستوريين تعتبرها شرعية، يجب العودة إلى التاريخ قليلاً، وتحديداً عام 1988 في ربع الساعة الأخير من ليل 22 – 23 أيلول، صدر مرسومان كانا الأخيرين في ولاية الرئيس أمين الجميل، المرسوم رقم 5387 بتعيين قائد الجيش العماد ميشال عون رئيساً لمجلس الوزراء، والمرسوم رقم 5388 بتشكيل الحكومة (مؤلفة من المجلس العسكري في الجيش اللبناني) على النحو التالي:

العماد ميشال نعيم عون (ماروني)، رئيساً لمجلس الوزراء وزيراً للدفاع الوطني وللاعلام.

العقيد عصام نقولا أبو جمرا (روم أرثوذكس) نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية وللاسكان والتعاونيات وللاقتصاد والتجارة.

العميد ادغار فؤاد معلوف (روم كاثوليك) وزيراً للمالية وللصناعة والنفط.

اللواء محمود فؤاد طي أبو ضرغم (درزي) وزيراً للأشغال العامة والنقل والسياحة والعمل.

العميد نبيل محمد أمين قريطم (سني)، وزيراً للخارجية والتربية الوطنية والفنون الجميلة وللداخلية.

العقيد لطفي حيدر جابر (شيعي) وزيراً للموارد المائية والكهربائية وللزراعة والعدل.

لكن الوزراء المسلمين (أبو ضرغم، قريطم وجابر) أعلنوا استقالتهم من الحكومة فور صدور المراسيم، وبالتالي أصبحت من دون المكون المسلم، إلا أن هذا الأمر لم يمنع عون وقتها من عقد جلسات الحكومة وأخذ القرارات، وليس أي قرارات بل حتى قرارات السلم والحرب، بحيث شنّ وحده “حرب التحرير” و”حرب الالغاء” نيابة عن الدولة اللبنانية، بل أبعد من ذلك كان يستولي على دور رئيس الجمهورية بصورة كاملة، وأقام العلاقات وعقد الصفقات مع رؤساء الدول، أي أن حكومته، قامت بأمرين يعتبرهما “التيار” مخالفة دستورية وميثاقية، أولاً استولت على صلاحيات رئيس الجمهورية، وثانياً تفردت بالحكم من دون مكونات البلد الأخرى، وإذا وضعنا الأمر على سبيل المقارنة مع الجلسة التي عقدتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، فإن الأخير احترم فعلياً مقام رئاسة الجمهورية، ولم يعقد جلسة حكومية إلا بجدول أعمال ضروري جداً يتعلق بحياة الناس مباشرة، ولم يدرج بنوداً تتعلق برئاسة الجمهورية، بعكس ما قام به عون في الحكومة العسكرية، بحيث استولى على رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والحكومة، وتفرد بالقرارات.

أما الحديث عن الحفاظ على الدور الطائفي، فيبدو فضفاضاً جداً على “التيار الوطني الحر”، أليس هو من “قوطب” على الدور السني في حكومة حسان دياب؟ ألم يحاول استبدال الحكومة بالمجلس الأعلى للدفاع؟ ألم يصدر ودياب المراسيم والموافقات الاستثنائية، التي تعدت المئتين، وسط شك بقانونيتها وشرعيتها؟ ألم يفرض على المكون الدرزي الأساس تمثيلاً تابعاً له في الحكومات خلال عهده؟ هذا في الشأن الحكومي فقط أما في استحقاقات أخرى، فأين كان الحرص على الميثاقية عندما رفض التيار التصويت لممثل طائفته لرئاسة مجلس النواب (الرئيس نبيه بري)؟ وماذا عن عدم تسمية من أجمعت طائفته عليه لرئاسة الحكومة (الرئيس نجيب ميقاتي)؟ هل هناك ميثاقية بسمنة وميثاقية بزيت؟ هل الميثاقية وجدت أصلاً من أجل تحقيق مصالح الزعماء الموارنة وحسب؟ كل هذه الخروق وغيرها تعني عدم أهلية “التيار الوطني الحر” للتحدث في الدستور والدور والميثاقية.

“التيار” لم يكن وحيداً في مقاربة موضوع جلسة الحكومة من المنطلق الطائفي، فقد كان شريكه في “اتفاق معراب” في القارب نفسه، وقد ارتفعت حدة الخطاب الطائفي لدرجة أن مرور موكب محتفلين بفوز المنتخب المغربي على البرتغال في الأشرفية، أصبح تهديداً للمسيحيين، وحصل إشكال بين المبتهجين والأمن الذاتي المستجد في المنطقة، وبدل قيام “القوات” و”التيار” بتهدئة الأمور ونبذ العنصرية والطائفية، كانا أول من ذكى نار الفتنة.

مرتان حكم عون لبنان وفي المرتين تركه دماراً، الأولى كان الدمار حرباً على اللبنانيين ولدت خراباً وقتلاً، والثانية كان الدمار اقتصادياً، ضاع فيه جنى عمر الشعب، هذا إذا ما استثنينا الدمار الذي حصل بسبب انفجار المرفأ.

شارك المقال