الرفض المسيحي للحوار تأييد لدعوة الراعي الى تدويله؟

زياد سامي عيتاني

إذا كانت جلسات انتخاب رئيس للجمهورية غير مجدية، بعد 9 جلسات فشلت في ملء الشغور الرئاسي، بسبب تلكؤ مختلف الكتل النيابية عن القيام بواجبها الدستوري والوطني والأخلاقي، في ظل انتهاج مسار التعطيل، فإنّ دعوة الرئيس نبيه بري الى عقد جلسة حوار، بدلاً من التئام الهيئة العامة للمجلس كهيئة ناخبة، بهدف تقريب وجهات النظر حيال مرشح يمكن أن يحظى بالعدد المطلوب من الأصوات، لن تختلف في عدميتها عن جلسات الانتخاب، ولن تكون ذات جدوى، خصوصاً وأنّها جلسة مبهمة (فلو)، لعدم تحديد هدف لها، لا سيما وأنّها تفتقد جدول أعمال واضحاً، مما سيحوّلها إلى لقاء “دردشة”، من دون ضوابط ولا سقف ولا نتائج!.

فكيف يمكن للقوى المعطّلة للاستحقاق الرئاسي نفسها، أن تكون مساعدة ومهيئة لحوار فاقد لكلّ مقوماته؟

فهل مثل هذه الدعوة المعروفة النتائج مسبقاً لدى صاحب الدعوة، المشهود ببراعته ودهائه السياسي قبل سواه، هي جزء من المناورات السياسية الهادفة الى تعبئة الفراغ وملء الوقت الضائع، لاسيما وأنّ ظروف الحوار والتوافق بين القوى السياسية غير متوافرة على المدى المنظور؟

والدليل على ذلك، تباين ردود أفعال القوى السياسية حيال دعوة بري الى الحوار، بحيث جاء رفض الحوار من أكبر كتلتين مسيحيتين في المجلس النيابي، أي حزب “القوات اللبنانية” والتيار الوطني الحر”، بغطاء من مرجعيتهما الروحية المتمثّلة بالبطريركية المارونية، في مقابل تأييد الدعوة من الثنائي الشيعي وتيار “المردة” (من فريق ٨ آذار)، والحزب “التقدمي الاشتراكي” وحزب “الكتائب”، فضلاً عن تكتل “الاعتدال الوطني”.

وهذا ما دفع الرئيس بري كقارئ متمرّس الى استشعار خفايا النيات وخباياها، وكملمّ ماهر بالمواقف الخارجية إلى اتخاذ قراره بسحب الدعوة الى الحوار، مردّداً: “اللهم إني حاولت”.

إذاً، إذا كان انتخاب الرئيس مستحيلاً، في هذه المرحلة، في ظل الاصطفافات الجديدة المتحركة (غبّ الطلب)، فإنّ الدعوة الى إجراء حوار حول الأزمة الرئاسية أكثر إستحالة.

واللافت المستجد حيال الموضوع الرئاسي، أنّه لم تعد هناك تكتلات سياسية صلبة تتبنى خياراً واضحاً وصريحاً من الاستحقاق، تبعاً لما هو مشترك وثابت بينها سياسياً، بل إنّ المواقف المشتركة باتت بـ “المفرق” وعلى “القطعة”، تماماً كتجار “الشنطة”، تبعاً لمصالح هذه التكتلات وصراعاتها السياسية.

وهذا ما تأكّد خلال تبني كتلتي “القوات” و”الكتائب” ترشيح النائب ميشال معوض منذ الجلسة الأولى، وذلك ضمن تحالف بلغ عدد أعضائه حوالي 45 نائباً، فيما ظل “التيار الوطني الحر” وتيار “المردة” (على الرغم من التباعد السياسي والتنافس الرئاسي) بالتحالف مع الثنائي الشيعي على موقفهما بالتصويت بورقة بيضاء (أقصى عدد وصلت اليه 63 صوتاً) على مدار 8 جلسات أجريت فيها الانتخابات، بخلاف جلسة لم تجر فيها بسبب فقدان النصاب القانوني.

وما بين الفريقين، تبنى عدد من نواب قوى التغيير أسماء أخرى من بينها عصام خليفة، وزير الداخلية الأسبق زياد بارود والنائب السابق صلاح حنين.

غير أنّ أكثر ما يثير الاستغراب، هو تزامن تلاقي الكتلتين المسيحيتين الكبريين اللتين تمثلان “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”، على رفض دعوة الحوار، على الرغم من التباعد الكبير بينهما، لا بل الخلاف المستحكم والصراع الدائم حيال مختلف القضايا السياسية، وفي مقدمها مقاربتهما للاستحقاق الرئاسي.

تخشى مصادر متابعة أن يكون هذا التماهي في موقفيهما، يتقاطع مع دعوة البطريرك الراعي الى حوار يرعاه الخارج، الذي تجاهر به بكركي، تزامناً مع الحملة التي أطلقت بشأن الميثاقية وحقوق المسيحيين.

وتبدي تلك المصادر خشيتها من أن يزيد ويعمّق هذا التوجّه، الأزمة الرئاسية، ويطيل أمدها، خصوصاً وأنّ لكلّ طرف منهما أجندته الخارجية، وحساباته الداخلية، وأيضاً مرشحه، في وقت لا تزال الاتصالات الخارجية (الباردة) بشأن الأزمة اللبنانية أشبه بالمثل اللبناني “حركة بلا بركة”، لأنّ لبنان ليس أولوية عند أيّ من عواصم القرار، ما عدا فرنسا وقطر (لأسباب تتعلّق بشراكتهما الغازية)، مما يعني أن لا تسوية دولية – إقليمية بشأن لبنان تلوح في الأفق، بحيث أنّ الاتصالات الخارجية المتفرقة، من دون تنسيق كامل، على خط الرئاسة اللبنانية لم تتبلور بعد، ولم تحدّد عنوانها بوضوح.

كلّ هذه الوقائع تضع الملف الرئاسي والبلد بأسره، أمام مأزق خطير، يخشى أن يشكّل مقدمة لتغيير كبير، يطال لبنان بخارطته ونظامه السياسي والاقتصادي وتركيبته الديموغرافية.

شارك المقال