الاعدامات في إيران بين تهم الحِرابة وحق الحياة

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

طرحت الاعدامات التي يقوم بها النظام الايراني ضد المتظاهرين بتهم مواجهة قوى الأمن والباسيج بالسلاح الأبيض واطلاق النار، أسئلة حول مصير الانتفاضة، لا سيما وأن تنفيذ عمليات الاعدام مرشحة للتزايد وهناك عشرة متهمين آخرون على اللائحة التي وضعها القضاء الايراني.

وتبين للعالم أن عمليات الاعدام تجري من دون محاكمات علنية وفقاً للأصول القانونية وحضور محامي الدفاع وتقديم الأدلة والبراهين، سوى ما يظهره إعلام النظام من تقارير مركبة، لادانة الشبان المعارضين وتخويف البقية من مصير مشابه، لعل ذلك يخمد الانتفاضة الشعبية ويعوّم النظام المكروه من شعبه.

“إذا لم نتحد فسيقتلوننا واحداً تلو الآخر”، جملة ترددت بين المحتجين الذين قابلوا إعدام الشابين محسن شكاري ومجيد رضا رهناورد بتصعيد تحركاتهم، لا بل بابتداع أشكال جديدة من المواجهة لاستقطاب الرأي العام الدولي المطالب بالوقوف الى جانبهم ونبذ النظام الذي يقمع حرياتهم ويتسبب لهم بالجوع والفقر، بفعل سياساته الداخلية التي تقتل الحياة، والخارجية التي تتسبب بصرف الأموال لدعم ميليشيات الحرس الثوري في الخارج على حساب تأمين العيش الكريم والخدمات حتى أحياناً من نقطة ماء، وتنمية المناطق المحرومة.

صحيح أن الاعدامات خطيرة وأشعرت بعض المعارضين والمحتجين بالخوف، وبالطبع كما يقول أحد الناشطين قد يتردد الناس في النزول الى الشارع للاعتراض والاحتجاج كما في السابق، لكن آخرين سيزداد الغضب في داخلهم ولن يتراجعوا.

كان موت الشابة مهسا أميني سبباً في إندلاع انتفاضة شعبية تطورت شعاراتها مع الوقت من نزع الحجاب ومواجهة مع شرطة الأخلاق التي أوقفت أميني وأودت ضربة على الرأس بحياتها لعدم إرتدائها الحجاب وفقاً للأصول، الى مواجهة مع نظام خامنئي والدعوة الى إسقاطه. وكان الرد المزيد من الشدة والقمع والقتل والاعتقال ووصل الى حد تنفيذ الاعدامات، وهو سلوك لم يغب عن نظام الولي الفقيه منذ نشوئه في التعامل مع معارضيه.

يعيد ناشطون أسباب الاعدامات الى محاولة حكومة إبراهيم رئيسي إثارة الخوف في نفوس الناس حتى لا ينزلوا الى الشارع، الا أن تأثير ذلك لم يكن كما تمنت الحكومة، فعلى العكس تواصلت التحركات الشعبية لا سيما في صفوف الطلاب وفي مناطق مختلفة.

تشير معظم التقارير الصحافية الى أن الاعدامات زادت من موجة الغضب الشعبي، لكنها لم تصل الى مرحلة يكون بمقدورها الاطاحة بالحكومة والنظام القائم، وحسب أحد الناشطين: “هناك موجات تتصاعد لكننا نحتاج الى قوة أكبر، إلى تسونامي تأخذ كل شيء في طريقها، كما لا بد من قيادة للانتفاضة والتنسيق بين قوى المعارضة لضمان استمراريتها”.

يصف بعض المحللين وضع الانتفاضة حالياً بأنها “مثل ألسنة اللهب تظهر وتختفي في مدن ومناطق عدة من إيران، وفي أحياء متفرقة ولكن ذلك ليس بعامل مساعد اذ لا بد من تجمعات كبيرة في أماكن محددة، خصوصاً أن الناس لم يعودوا خائفين من النزول الى الشارع والتعبير عن غضبهم. في السابق كانوا يخافون ويتصرفون بكثير من الحذر، بينما اليوم يتشاركون الدعوات الى التظاهر ويرددون الهتافات ويخرجون الى السطوح والشرفات للمشاهدة مما يعني كسر الصمت، وكذلك عدم الخوف من التهديدات التي يتعرضون لها”.

وينفي البعض ما تم تداوله إعلامياً عن تفكيك شرطة الأخلاق واعتبار ذلك انتصاراً للمرأة الايرانية، لأن الشخص الذي أعلن ذلك ليست لديه سلطة اتخاذ مثل هذا القرار وتنفيذه.

وفي إشارة الى أساليب جديدة من القوى الأمنية لملاحقة الناشطين، يعتبر هؤلاء أن “قيام النظام بسحب الشرطة من الشوارع في طهران ليس مؤشراً على تراجعه في القمع، فهو غيّر الأسلوب فقط ولجأ إلى تشغيل كاميرات مراقبة وبرامج خاصة للتعرف الى وجوه المحتجين ومداهمة منازلهم واعتقالهم وكثير من هؤلاء لا يعرف مصيرهم اليوم”.

نفذ النظام الايراني أول حكم بالاعدام على من اعتقلوا خلال الاحتجاجات الحالية، بحق محسن شكاري، ويبلغ من العمر 23 عاماً، قُبض عليه خلال الاحتجاجات في شارع ستار خان في طهران في 3 تشرين الأول واتُهم بالحرابة لاغلاقه الشارع وإصابة أحد عملاء الباسيج، وأعدم بعد أقل من ثلاثة أسابيع من إصدار حكم أولي.

ونُفذ حكم الاعدام الثاني بحق المعتقل مجيد رضا رهناورد، الذي يبلغ من العمر 22 عاماً، واعتقل في مشهد في 28 تشرين الثاني وحكمت عليه بالاعدام محكمة مشهد في 3 كانون الأول بتهمة قتل اثنين من عملاء الباسيج باستخدام سلاح أبيض، وشنق علناً.

وحذرت منظمة العفو الدولية من احتمال “إعدام” مغني الراب والمتظاهر الايراني المعتقل سامان ياسين بعد نقله من سجن إيفين إلى سجن رجائي شهر، داعية إلى “إيقاف” هذا الحكم و”الغائه”.

وذكرت في بيان صادر في 2 كانون الأول أسماء 28 من المعتقلين المعرضين لخطر الاعدام. والمثير للاهتمام أن اسم شكاري، لم يكن على القائمة، ولم يتردد اسم رهناورد في الأيام التي سبقت إعدامه. وتداول ناشطون ومنظمات حقوق الانسان أسماء متظاهرين آخرين مرشحين للاعدام هم: سهند نور محمدي، ماهان صدرات وعلي معظمي غودرزي.

يؤكد محامي حقوق الانسان وعضو نقابة المحامين الدولية سعيد دهقان، أنه “ليس من السهل معرفة الخيار المحتمل للاعدام المقبل على يد الحكومة. لدينا مقاطعات عدة ومئات المدن في البلاد وعدد المحامين المشاركين في هذه القضايا صغير جداً. هناك القليل جداً من المعلومات والكثير من الصمت، ولا تزال عائلات كثيرة لا تفتح أفواهها على الرغم من تركيزنا على كسر حاجز الصمت، ونتيجة لذلك، لا تتوافر معلومات عن العديد من المدانين”.

ويشير إلى أن “الحكومة تقوم بتركيب الأخبار، وإثارة الشك والإنكار، والسرد الناقص والكذب، وبفعلها هذا تجعل الجميع مشغولين بآخرين، وفجأة يتداول في الاعلام اسم شخص مرشح للاعدام ويعدم آخر، فليس من الممكن التنبؤ بالضحية التالية، ولا يمكن للقضاء العمل بصورة مستقلة طالما هناك تداخل بينه وبين السياسة، كما أن العديد من عائلات المتهمين لا تقدم لهم أي معلومات من السلطة مما يعني أن المحامين لا يستطيعون العمل على ضوء ومجبرون على تقديم نصائح عامة فقط”.

ويشدد دهقان على أن ترتيبات إصدار حكم الاعدام لم تتبع بأي شكل من الأشكال بالنسبة الى المتهمين، ويقول: “عندما يقتل الباسيج يواجه المتهم مدعياً خاصاً ويُعدم انتقاماً ويواجه تهمة الحرابة؟ ولا تتم مراعاة عناصر حكم الاعدام ومكوناته، لأن عملية الاجراءات الجنائية قد انتهكت كما قانون العقوبات الاسلامي، ولا تتبع اللوائح الخاصة بتنفيذ أحكام الاعدام”.

وحسب تصريح للمحامية نعمت أحمدي لصحيفة “اعتماد”: “محامو المحتجين لا يسمح لهم بالمثول أمام القضاء، ومحامو القضاء لا يفعلون شيئاً للمتهمين، هم يحصلون على الكثير من الأتعاب وناتج عملهم صفر”.

بحسب القانون، يكون أمام المتهمين 20 يوماً كحد أقصى للاحتجاج والاستئناف بعد صدور الحكم الابتدائي. وبسبب تنفيذ الحكم في وقت قصير، يبدو أن عملية الاستئناف، ورفضها وتأكيدها من المحكمة العليا، وفي النهاية تنفيذ الحكم، تستغرق وقتاً أقصر بكثير من المعتاد.

يذكر أن منظمات حقوق الانسان طالبت الحكومات في جميع أنحاء العالم، لا سيما الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، باستدعاء سفرائها أو ديبلوماسييها من إيران احتجاجاً على الاعدامات والحفاظ على حق الايرانيين في الحياة واتخاذ تدابير لمحاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الانسان في ايران، وتسهيل عمل بعثة تقصي الحقائق الدولية التي أنشأها مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة في تشرين الثاني الماضي.

إشارة أخيرة الى أن منظمة “هيومن رايتش إيران” قالت إنّ طهران أعدمت أكثر من 500 شخص في العام 2022، وإنّ عدد النساء اللواتي أُعدمنَ هو الأعلى منذ خمس سنوات.

شارك المقال