الاعتداء على “اليونيفيل”… مواجهة مع المجتمع الدولي

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

عجيب غريب أمر “حزب الله”، الذي يسيطر بواسطة دويلته وميليشياته على مناطق شمال الليطاني، فيما يحاول بألاعيبه تصوير أن لا قرار له في مناطق جنوب الليطاني وفقاً للقرار1071، علماً أن نشاطه الاستخباري يتواصل عبر منظمات يطلق عليها أهلية وبيئية عاملة هناك “على عينك يا تاجر”، وأبلغت عنها أكثر من مرة القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان لارساء السلام والحفاظ على أمن الحدود وقيل إنه جرت معالجتها، كما تم الكشف مرات عن خنادق محفورة لتهريب الأسلحة عبر الحدود اللبنانية الى الداخل الفلسطيني. ولطالما شهدت قرى جنوبية اعتداءات على دوريات لقوات “اليونيفيل” بحجج عديدة منها تصوير الأماكن في القرى أو سلوك طرقات ممنوعة، وكلها كانت بمثابة رسائل من الحزب عبر إستخدام الأهالي كستار لنشاطاته العسكرية وحرية حركته في استقدام الميليشيات الايرانية والسماح لقياداتها بالتبختر على الحدود للقول إن القرار بيد الحرس الثوري المؤسس وصاحب الكلمة بواسطة المال المدفوع.

الحادث الأخير الذي وقع في بلدة العاقبية وأدى الى سقوط قتلى وجرحى من القوة الايرلندية، قد يكون الأخطر، في ظل استسلام الدولة للدويلة، ومشاريع “حزب الله” التي تتأقلم مع المهام المرصودة له من المرشد في إيران، فهل يمكن اعتبار هذا الحادث مجرداً من الغايات السياسية والأمنية ومن صنيعة “طابور خامس” إستسهالاً، وكما حاول الحزب الترويج له عبر اعلامه بأن القوة الدولية سلكت طريقاً ممنوعاً في العاقبية، ودهست تجمعاً للأهالي كان يتابع مباراة المغرب مع فرنسا؟! وهل نصدق أن اطلاق الرصاص على القوة الدولية واصابة سائق السيارة في رأسه مباشرة من دون غايات أو أوامر أو تخطيط لغاية في نفس يعقوب؟

ولنسلم أن الأمر كذلك، وأن لا علاقة له بعناصر وأوامر حزبية، بل ان “الأهالي” تصدوا للازعاج الذي تعرضوا له بالرصاص بقرار ذاتي، فمن أين حصلوا على سلاحهم الحربي، كون الرصاص المستخدم ليس باردوة صيد وخردق، بل سلاح يصيب بدقة؟ ثم لطالما كان أهل الجنوب على وئام مع القوات الدولية منذ دخولها في العام 1978، لا بل كان مجيئها عامل ازدهار للمنطقة، اضافة الى توفير الأمن والعلاقات الطيبة بين الطرفين نتيجة قيام القوات الدولية بمساعدة الناس وحمايتهم، فـ “شو عدا ما بدا” لتتوتر العلاقات وتصل الى حد القتل؟

المطلوب اليوم ليس التعزية وإغماض أعين المسؤولين عما جرى، بل القبض على الفاعلين ومعاقبتهم، والا فان ثقة العالم بلبنان سوف تندثر وستكون هناك قرارات مختلفة، في حال لم تتوصل مخابرات الجيش الى القبض على الفاعلين ولم تصل بتحقيقاتها الى الحقيقة كما حصل في قضايا كثيرة من تفجيرات واغتيالات وغيرها، اذ أن المجتمع الدولي ممثلاً بمجلس الأمن، لن يكون هذه المرة متسامحاً والقرار قد يكون بعدم التجديد الدوري للقوة الدولية أو اعلان دول عن سحب قواتها العاملة في جنوب لبنان، وربما تذهب الأمور نحو قرار يوحي بأن لبنان ليس متروكاً لسلطة الأمر الواقع وذلك عبر تحويل القوة الدولية الى قوات رادعة ونشرها لحماية الحدود بدءاً من الجنوب وصولاً الى البقاع حيث الحدود مفتوحة لتهريب المخدرات والسلاح والميليشيات بحماية “حزب الله”.

لقد عمل “حزب الله” طوال السنوات الماضية على تبرئة ذمته من هذه الاعتداءات على القوات الدولية بنسبها الى “الأهالي”، وهي محاولة مكشوفة منه مهما استنكر ذلك، ونتيجة الشحن والتحريض والقول للمجتمع الدولي بأن القرار 1701 ولبنان واللبنانيين وتحديداً الجنوبيون منهم هم أسرى ورهان قراراتي ولا قرارات أخرى يخضعون لها. من هنا، لا بد من كشف الحقيقة ومحاسبة الفاعلين على جريمتهم، وعلى الدولة والجيش الحفاظ على ماء الوجه دولياً بتحقيق ذلك بسرعة، وتلك مسؤولية وطنية كبيرة في هذه الظروف التي يمر بها لبنان في ضوء الفراغ الرئاسي وتحوله ليس ساحة للعب في صراع القوى الاقليمية كما كان، بل هو اليوم مجرد ورقة إيرانية للمساومة.

لا يمكن القول إن الحادث عرضي، بل هو مؤشر على التفلت الأمني المتنقل الذي يصيب الأبرياء وجنود قوة السلام الذين يشكلون طمأنينة لأهل الجنوب وللبنانيين جميعاً. وأكد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أثناء زيارته مع قائد الجيش العماد جوزيف عون مقر القوات الدولية في الجنوب للتعزية، أن “التحقيقات جارية ومن تثبت إدانته سينال جزاءه”.

ولن نكون غير متفائلين اليوم، فهذا الاعتداء على عناصر “اليونيفيل” جزء من مسلسلات إيران لا سيما بعد ادعاء اسرائيل بأن مطار رفيق الحريري الدولي يستقبل طائرات ايرانية لنقل السلاح الى سوريا، وقد يكون هناك اتفاق بينها وبين ايران من تحت الطاولة لضرب المطار وإرباك الأمن والاستقرار في لبنان، لذلك لا يمكن السكوت عن الفاعلين وتمرير الجريمة لمسايرة حزب أو حليف والتلطي خلف “الأهالي”، بل تسمية الأمور بأسمائها وتقديم إثبات للعالم بأن لبنان ليس غابة محكومة من ذئاب أمنية وهي فرصة لاعادة هيبة الدولة وحكم القانون.

لقد دعا مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في “حزب الله” وفيق صفا إلى عدم إقحام الحزب في الحادث، والأجهزة الأمنية الى التحقيق فيه، معتبراً أنه كان غير مقصود. ولكن السؤال يبقى: هل يتجاوب ولا يحمي الفاعلين في بيئة يسيطر عليها أم سيبقى على الغوغائية ويغطي التصرفات العدوانية؟

مهما كان الحديث عن الاعتذار، الا أن الاجواء ملبدة ولبنان أمام أزمة جديدة حيث المواجهة اليوم مع المجتمع الدولي ولا أمل إلا بكشف الفاعلين ومنع تغطيتهم أياً كان الثمن، فالعواقب هذه المرة لن تكون سليمة كما المرات السابقة وأي تصعيد للاشتباك واستباحة الحدود سيدفع ثمنه المواطن. لذلك، فإن وضع العراقيل في وجه التحقيق أو عدم السماح للقوات الدولية بتنفيذ مهامها سيدفعها الى العمل على تأمين حماية دورياتها ومراكزها وعدم السماح بالتطاول عليها من قوى محلية تعمل وفقاً لأجندات خارجية.

شارك المقال