بين التدويل وحادثة “اليونيفيل”… المخاطر والخيارات

هيام طوق
هيام طوق

منذ أسابيع، يشهد لبنان اشكالات أمنية متنقلة في المناطق، وآخرها حادثة “اليونيفيل” في الجنوب اضافة الى مواقف لافتة تأتي على ألسنة قادة دوليين، وتحذيرات من خطورة استمرار الوضع على ما هو عليه بالتوازي مع حملة التهديدات الاسرائيلية التي تستهدف مطار رفيق الحريري الدولي. كل ذلك، يترافق مع نوع من محاولة شد العصب الطائفي، وهذا ما تجلى في الآونة الاخيرة في أكثر من محطة ولقاء ما جعل من المشهد العام أكثر ضبابية وقتامة ودقة.

واقع وصل الى حائط مسدود، وإمكان خرقه بنافذة أمل يبدو بعيد المنال وفق المعطيات والمؤشرات الحالية لأن البعض يريد ابقاء البلد وشعبه في نفق مظلم تحقيقاً لمصالحه ومكتسباته ما دفع البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في عظته الأحد الماضي الى المطالبة بتدويل القضية اللبنانية الأمر الذي أدى الى موجة من الردود الداعمة والمستنكرة، هو القائل: “لا مناص من تدويل القضية اللبنانية بعد فشل الحلول الداخلية، والذين يُفشلون الحلول الداخلية هم من يرفضون التدويل”، وذلك بعد أن كان ينادي بعقد مؤتمر دولي لانقاذ لبنان.

ومن البديهي السؤال: لماذا الانتقال من طرح فكرة المؤتمر الدولي الى تدويل القضية اللبنانية؟ وبين طرح التدويل والاعتداء على “اليونيفيل”، ما هي المخاطر والخيارات؟

في هذا الاطار، أشار أحد المطلعين في حديث لموقع “لبنان الكبير” الى أن ما تحدث به البطريرك الراعي بالغ الأهمية حين لفت الى تدويل القضية اللبنانية التي تتجاوز فكرة المؤتمر الدولي أو تضعه في سياق امكان التنفيذ بما يعني رفع مستوى النقاش في القضية اللبنانية الى مجلس الأمن الدولي. البعض يعتبر أن مجلس الأمن منقسم على ذاته على خلفية الحرب الروسية – الأوكرانية، لكن لم ينتبهوا الى أنه منذ نحو شهرين حين جُدّد لقوات “اليونيفيل” في لبنان، تم تعديل أو توسيع بعض مهامها ما دفع “حزب الله” حينها الى اطلاق تهديد شبه مبطن لها. وهنا نسأل: لماذا ذهب البطريرك باتجاه التدويل؟ أولاً، لا بد من التوضيح أن التدويل لا يعني استدعاء الخارج الى التدخل في الشؤون اللبنانية. وفي ظل اختلال موازين القوى الداخلية، وسطوة الحزب على القرار اللبناني والتهويل بإمكان تفجير الوضع اذا لم يقبل بشروطه في الاستحقاق الرئاسي، يمكن انجاز التوازن في موازين القوى من خلال طلب رعاية عربية – دولية للقضية اللبنانية وليس التدخل. والفرق كبير بين التدخل والرعاية التي تكون على مستويات ثلاثة: أولاً، التأكيد على ضرورة تطبيق اتفاق الطائف بما ورد فيه من بنود اصلاحية. ثانياً، التأكيد على ضرورة تنفيذ القرارات الدولية خصوصاً الـ 1701 (وما حصل مع حادثة “اليونيفيل” منذ يومين يؤكد أن الحزب غير ملتزم بالقرارات الدولية على الرغم من المطالبة بتطبيقه) و1680 و1559. ثالثاً، حياد لبنان عن الدخول في صراعات اقليمية. هذه المحاور، في اتجاه أن تدرج على أجندة أعضاء مجلس الأمن ربما من خلال مجموعة الدعم الدولية الخاصة بلبنان. بهذا المعنى، قام البطريرك بهذه الخطوة قناعة منه بانسداد الأفق على ثلاثة مستويات: المستوى الأول، قرار “حزب الله” وحليفه بعدم انجاز الاستحقاق الرئاسي الا بشروطه. المستوى الثاني، ضعف امكان توسيع حلقة التشاور بين القوى السيادية الاصلاحية التغييرية لتأمين وصول مرشحها الى سدة الرئاسة. المستوى الثالث، فهم البطريرك أن طبيعة المعركة ليست معركة مسيحية انما معركة وطنية على الجمهورية. وقد تكون هناك قناعة تتولد أنه لا يمكن القبول بأي رئيس تحت شعار ملء الشغور المسيحي لأنه موقع وطني وليس مسيحياً. والكلام عن موقع مسيحي يقوّي حجة الحزب في الموقع الشيعي برئاسة مجلس النواب، ويقوّي موقفه بالاستيلاء على رئاسة الحكومة من خلال الضغط على الرئيس نجيب ميقاتي لتمرير ما يريد في السلطة الاجرائية.

وقال: “تعطل الدينامية الداخلية لانقاذ لبنان سيؤدي حتماً الى تحريك موتورات الدينامية العربية والدولية من خلال جامعة الدول العربية التي يتم النقاش فيها حول أفضل طريقة لانقاذ لبنان، وفي الوقت نفسه تحريك مجلس الأمن لوضع يده على القضية اللبنانية. والاعتداء على الآلية الايرلندية أخطر رسالة سياسية، مفادها أنه لو أردتم تدويل القضية اللبنانية، فنحن قادرون على مواجهتكم ميدانياً”. وتساءل “هل تدرك القوى السيادية الاصلاحية التغييرية أن المسألة الأساسية هي مسألة الكيان اللبناني والهوية اللبنانية أو هي لا تزال في مرحلة المراوحة في التكتيك؟”.

أضاف: “من الواضح أن هناك استياء داخلياً من القوى المجتمعية الحية، وأيضاً من المجتمعين العربي والدولي من مراوحة هذه القوى في التكتيك وعدم قدرتها على توسيع مروحة التشاور في ما بينها مع القناعة بضرورة لبننة الاستحقاق، لكن في الوقت نفسه الابقاء على الحذر الشديد من أن تذهب الى تسوية كما جرى في العام 2016 تطيح بنتائج الانتخابات النيابية التي يحاول الحزب الغاءها بأدائه”. وأوضح أن “هذا الكلام يدل على أن المشكلة ليست في الدستور بل في فائض القوة الذي ينقلب على الدستور، وليست في صيغة العيش معاً بين المسلمين والمسيحيين، ولا تنطلق من بعد اقتصادي، اجتماعي ومالي وحسب، بل من طبيعة سيادية أساسية لأن الدولة لم تفقد سيادتها بل تخلت عنها بالكامل لحزب الله الذي بدأ يستشعر في ظل ما يجري في ايران والتحولات في المنطقة أنه في مأزق. لذلك، نراه اليوم، يسوق لحوار يتولاه الرئيس نبيه بري”.

وأكد أن “الجميع يعلم بمن فيهم أشقاء لبنان في العالم العربي وأصدقاؤه في المجتمع الدولي أن هذا الحوار، شراء للوقت. لذلك، من الواضح أن دعوة البطريرك الراعي الى تدويل القضية اللبنانية، خصوصاً بعد أن فهم عميقاً ما تقوم به القوى المؤثرة في العالم ومنها الفاتيكان لتحريك مجموعة الدعم الدولية الخاصة بلبنان لاعادة انتاج دينامية انقاذ لا تسمح للحزب ومعسكره وحلفائه، بالاستمرار في الانقضاض على هوية البلد وعلى مصالح الشعب”، لافتاً الى أن “هذا السياق، يعيدنا الى طرح الأسباب الأساسية للأزمة وليس عوارضها فقط. لذا، علينا الاطمئنان الى أنه على الرغم من التضحيات التي ستأتي، نحن في المسار الصحيح لاستعادة الدولة، وكان يجب على القوى السيادية والاصلاحية والتغييرية أن تقوم بعمل أفضل داخل مجلس النواب بدل الاستمرار في مشهدية غير منتجة”.

شارك المقال