علم فلسطين والغضب الاسرائيلي

زاهر أبو حمدة

رفع اللاعب الغاني جون بانتسيل، العلم الاسرائيلي للاحتفال بهدفي منتخب بلاده في مرمى التشيك خلال “المباراة المونديالية” في ألمانيا عام 2006. رحبت حينها الصحافة العبرية والمسؤولون الاسرائيليون بهذه “الحركة الذكية”، وعاد بانتسيل وكشف أن جماهير نادي “هابويل تل أبيب” طلبوا منه أن يفعل ذلك، فهو يلعب في الفريق ويريد إرضاء جمهوره. وعكس ذلك، غضب الاسرائيليون حين رفع لاعبو المغرب العلم الفلسطيني، وطالبوا حكومة الرباط بعدم فعل ذلك. ولعلها المرة الأولى أثناء المونديال أو في مباريات قارية وعالمية التي لم نشاهد فيها العلم الاسرائيلي بين الحضور الجماهيري في المدرجات أو في الساحات العامة للدولة المستضيفة. وربما يلاحظ من يتابع المباريات المهمة في الدوريات الأوروبية أن العلم الاسرائيلي لا يفارق المدرجات والكاميرات تلتقطه وراء المرمى أو وراء دكة اللاعبين الاحتياط. هذا مقصود وفقاً لسياسات الترويج لدولة إسرائيل. أما ما حصل في قطر فان العلم الفلسطيني كان في الملعب وفي كل مكان.

مفيد جداً من الناحية الدعائية الترويجية التعريفية بالقضية الفلسطينية الاستثمار بالعلم لا سيما في الفاعليات والأحداث العالمية. وهذا ما جعل الاسرائيليين يغضبون باعتبار أن العلم الفلسطيني رمز لشعب تحت الاحتلال ويطالب بالحرية، ومجرد رفعه يستدعي ممن لا يعرف عن فلسطين شيئاً أن يستفسر ويستوضح عنه ومعرفة المزيد. فالعلم الفلسطيني ليس مجرد قطعة قماش بأربعة ألوان إنما مرافعة قانونية وبيان سياسي للحق الفلسطيني. ولذلك يمنع الاحتلال رفع العلم الفلسطيني في الداخل المحتل، والشرطة الاسرائيلية لا تسمح بالتلويح به أو رسمه على الحيطان. وفي حزيران الماضي صادق الكنيست الاسرائيلي على مشروع قانون يحظر رفع الأعلام الفلسطينية في مؤسسات الدولة أو مؤسسات تمولها، بما في ذلك الجامعات. وما حصل في قطر يمكن اعتباره لحظة لبث الرواية الفلسطينية في العالم من احتلال وشهداء وأسرى وجرحى وتدمير البيوت الخ… كل ذلك يمثله العلم الوطني.

ولكن وسط التعاطف والتضامن العربي والعالمي برفع العلم الفلسطيني، لم يستطع ذلك منع قتل أي فلسطيني. فعدد الشهداء منذ بداية العام الحالي 227، بينهم 53 في قطاع غزة، و169 من الضفة الغربية بما فيها القدس، و5 شهداء من الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948. وعدد الشهداء خلال كأس العالم أكثر من 10. صحيح أن هذا التضامن لا تكون مفاعيله فورية، ويحتاج إلى وقت طويل لصنع رأي عام دولي تجاه القضية الفلسطينية، لكن لا بد من توقع هجمة إسرائيلية مرتدة في الساحات الدولية ضد الفلسطينيين وإعادة قلب الحقائق. فالاحتلال لديه جهاز خاص بالدعاية والتأثير إضافة الى اللوبيات في غالبية الدول. وهذا الفرق الأساس في التعامل، فنحن نعمل بـ”القطعة” أو بالصدمة أي يكون لحظياً وظرفياً، وعملهم يُبنى على استراتيجية وخطة عمل طويلة الأمد.

ومن المهم أن الاحتضان الشعبي لفلسطين يعيد الثقة إلى الفلسطينيين لاسيما بالشعوب العربية وعدالة قضيتهم. في المقابل، هل يعني دعم فلسطين نبذ إسرائيل ورفضها؟ عند العربي هذا بديهي، لكن عند الغربي لا يستوي الأمران، فهو يمكن أن يتعاطف لكنه يريد أيضاً بقاء إسرائيل. وهذه معضلة كبيرة، لا سيما وأن منطق التفكير مختلف. فالأوروبي يرفع العلم الأوكراني بدافعية فردية وحكومية، أما من يرفع العلم الفلسطيني فبدافع شخصي فقط. وبالتالي هنا تكمن السياسة وصنع الرأي العام وتوجيهه. وللأسف الحكومات الغربية تُقر بالحق الفلسطيني كتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة، لكن هذا لا يغيّر في المعادلة أو يبدل أي شيء على أرض الواقع. وفي ظل المعركة على الصورة والحضور يبقى الأهم ألا يكون كأس العالم نهاية القصة إنما بداية العمل على محافل أخرى.

شارك المقال