أيام اللولو… (الاعتراف يمحو الخطايا)

مروان المهايني

وأبدأ اعترافاتي بالإعلان عن أنني لم أشترِ منذ عقود من السنين ربطة عنقٍ أو قلماً قيّما أو ساعة يد أو ولاعة سجاير أو مسبحة ثمينة… وبانتظار العفو بعد الاعتراف، أشير إلى أن وراء هذا الاعتراف سبباً وجيهاً هو معايشتي لما يكابده الأشقاء اللبنانيون الآن من ضنك وعسر وضائقة لم يألفوها حتى أيام الحرب الأهلية السيئة الذكر.

فكل ما سبق ذكره عن هدايا تلقيتها من لبنانيين قصدوا دمشق لأسباب شتى ودواع مختلفة إبان تلك الحرب… وأنا إذ أتذكر وأكتب عن ذلك اتحاشى متعمداً ما لا يستساغ ذكره حالياً من آيات الكرم اللبناني الحاتمي الآخر، الذي أغدق على بعض كبار المسوؤلين السوريين ما جعل بعضهم في مصاف كبار الأثرياء، قبل أن يرحلوا عن الدنيا تباعاً قتلًا أو انتحاراً أو غيظاً وشيّعوا بلا جنازة أو جائزة.

اذن، حديثي هو عن البعض المتواضع الأقل “كرما” والأكثر تواضعاً في المطالب من زوار دمشق، وأولهم طيّب الذكر نائب زحلة المرحوم جوزيف سكاف، الذي لم تتجاوز هداياه ربطات العنق و”كراتين” العنب البقاعي الشهي. وكان رحمه الله يستعين بـ”خبرتي” لفرز ما يحمله من كرافتات حسب أذواق من سيلتقيهم من أصحاب الشأن في الشام.

وعلى المنوال نفسه كان المرحوم النقيب المُزمن ملحم كرم .

ولأن ماركة “تيدلابيدوس” كانت السائدة تلك الأيام بنقشاتها الوردية الفاقعة، كان مُلفتاً ومُحيراً لمن لا يعرف رؤية تلك الكرافتات في أعناق معظم الوزراء من مسوؤلين مدنيين وعسكريين وأمنيين!

وأتنهّد بأسف متذكراً تلك الأيام السود من الحرب الأهلية الضروس، التي لم تحل دون إستمرارية بحبوحة اللبنانيين وتدفق هداياهم وأعطياتهم وإغداقهم على من كان بيدهم الأمر في لبنان، نعم أتذكر ذلك آسفاً حين أرى ما آل إليه حال الأشقاء اللبنانيين، وقد باتوا ينشدون العون من كل مكان وبلا استجابة من أي كان!

مصيبة لبنان الراهنة تتجاوز كل مصائبه السابقة عبر التاريخ. وشاء القدر أن تتزامن مع المصيبة السورية المتفاقمة بعيدة الأثر والتداعيات على الأجيال لعقود آتية .

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً