الحرب الروسية الأوكرانية: تنبؤات غير حاسمة وتضاؤل نفوذ أكيد

حسناء بو حرفوش

ما هي الآثار المترتبة على الغزو الروسي لأوكرانيا؟ وفقاً لمقال في موقع مجلة معهد “بروكينغز” الأكاديمية، “بعد تسعة أشهر من الغزو الروسي الأخير لأوكرانيا، لا تزال نتيجة الحرب غير واضحة. يبدو أن الجيش الروسي غير قادر على الاستيلاء على كييف أو على احتلال جزء كبير من البلاد. يمكن للحرب أيضاً أن تستقر في صراع طويل الأمد، مع عدم قدرة أي من الطرفين على تحقيق اختراق حاسم في المدى القريب.

ويمثل توقع النتيجة النهائية للحرب تحدياً. ومع ذلك، في حين أن الحرب شكلت مأساة لأوكرانيا والأوكرانيين، أثبتت أيضاً أنها كارثة لروسيا، عسكرياً واقتصادياً وجيوسياسياً. لقد أضرت الحرب بشدة بالجيش الروسي وشوهت سمعته وعطلت الاقتصاد وغيرت بصورة عميقة الصورة الجيوسياسية التي تواجه موسكو في أوروبا. وسيجعل ذلك من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، استعادة أي درجة من التطبيع في العلاقات الأميركية – الروسية على المدى القريب.

وأدى التقدم السريع لأوكرانيا منذ طرد القوات الروسية بعيداً عن العاصمة كييف في آذار إلى قلب المد في الحرب المستمرة منذ سبعة أشهر، كما قال الرئيس الأوكراني فولودومير زيلينسكي إن جيشه حقق تقدماً كبيراً وسريعاً ضد القوات الروسية في الأسبوع الماضي، بحيث استعاد عشرات البلدات في مناطق في الجنوب والشرق أعلنت روسيا ضمها.

وعلى الرغم من ثلاثة أشهر من النكسات في ساحة المعركة، لم تُظهر موسكو أي مؤشرات على استعدادها للتفاوض بجدية لإنهاء الحرب. وبعد تسعة أشهر من القتال، أظهر الجيش الروسي أنه غير قادر على الاستيلاء على جزء كبير من أوكرانيا والسيطرة عليه. في حين أن نتيجة الحرب غير مؤكدة ومع انتهاء الصراع، ستبقى دولة أوكرانية مستقلة وذات سيادة على خريطة أوروبا. علاوة على ذلك، ستكون أكبر من الدولة الرديئة التي تصورها الكرملين عندما شن غزوه في شباط الماضي.

وبالتوازي، من غير الواضح أيضاً ما إذا كان بإمكان الجيش الأوكراني طرد الروس تماماً أو على الأقل العودة إلى ما قبل 23 شباط. يعتقد بعض الخبراء العسكريين أن هذا ممكن، بما في ذلك التحرير الكامل لدونباس وشبه جزيرة القرم. يقدم البعض الآخر توقعات أقل تفاؤلاً. وتنبأ مجتمع المخابرات الأميركية بأن القتال قد يستمر ويتحول إلى حرب استنزاف.

وحتى الآن، بدت حرب بوتين كارثية بالنسبة الى أوكرانيا. العدد الدقيق للضحايا العسكريين والمدنيين غير معروف ولكنه كبير. وقدر مكتب مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أنه حتى تشرين الأول، قُتل حوالي 6500 مدني أوكراني وأصيب 10 آلاف غيرهم. ومن شبه المؤكد أن هذه الأرقام تقلل من الواقع. وقدر رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال مارك ميلي عدد القتلى المدنيين بـ 40 ألفاً، وأشار إلى مقتل أو جرح حوالي 100 ألف جندي أوكراني.

وإلى جانب الخسائر البشرية، تسببت الحرب بأضرار مادية هائلة. وتتراوح تقديرات تكاليف إعادة بناء أوكرانيا من 349 مليار دولار إلى 750 مليار دولار، وتعود هذه التقويمات إلى الصيف. لن يكون العثور على هذه الأموال سهلاً، خصوصاً وأن الحرب أدت إلى انكماش كبير في الاقتصاد الأوكراني؛ يتوقع البنك الدولي أن يتقلص الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 35٪ هذا العام.

كل هذا أثر بصورة مفهومة على المواقف الأوكرانية، وعمّق الاحساس بالهوية الوطنية الأوكرانية. أظهر استطلاع للرأي أجري في أغسطس أن 85٪ يعرّفون أنفسهم بأنهم مواطنون أوكرانيون على عكس الأشخاص المنتمين إلى منطقة أو أقلية عرقية. 64٪ فقط فعلوا ذلك قبل ستة أشهر – قبل الغزو الروسي -. لقد أدى الغزو أيضاً إلى إضفاء نظرة سلبية قوية على الأوكرانيين إلى روسيا: أظهر الاستطلاع أن 92٪ يتخذون موقفاً “سيئاً” في ما يتعلق بروسيا مقابل 2٪ فقط مع موقف “جيد”.

وسيستغرق الأمر سنوات، إن لم يكن عقوداً، للتغلب على العداء تجاه روسيا والروس الذي ولّدته الحرب. توقع أحد الصحافيين الأوكرانيين الصيف الماضي أن أوكرانيا ستشهد بعد انتهاء الحرب، جهوداً وطنية “لإلغاء” الثقافة الروسية.

(….) وفي حين كان قرار بوتين خوض الحرب مأساة لأوكرانيا، أثبت أيضاً أنه كارثة بالنسبة الى روسيا. عانى الجيش الروسي من خسائر بشرية وعسكرية كبيرة. دفعت العقوبات الاقتصادية التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول غربية أخرى الاقتصاد الروسي إلى الركود وتهدد بآثار طويلة المدى، بما في ذلك على قطاع الطاقة الحيوي في البلاد.

وبالاضافة إلى التعامل مع خسارة التكنولوجيا الفائقة والواردات الرئيسة الأخرى، يواجه الاقتصاد الروسي هجرة الأدمغة، لا سيما في قطاع تكنولوجيا المعلومات. وبينما لم تسفر العقوبات الغربية عن انهيار سريع في الروبل أو الاقتصاد الروسي الأوسع كما توقع البعض، فإن تأثيرها قد يعني ركود الاقتصاد على المدى الطويل، وتهدد بالتسبب بمشكلات معينة في قطاع الطاقة والقطاعات الأخرى التي تعتمد على مدخلات التكنولوجيا الفائقة المستوردة من الغرب. لا يبدو أن موسكو لديها إجابات سهلة لهذه المشكلات.

أخيراً، لا شك في أن القتال مع أوكرانيا وتداعياته سوف يترك روسيا تتضاءل بصورة كبيرة. يجب أن تتعامل مع جيش متضرر بشدة سيستغرق إعادة تشكيله سنوات؛ سنوات من الركود الاقتصادي المحتمل بعيداً عن واردات التكنولوجيا الفائقة واحتمال تدهور الوضع في ما يتعلق بصادرات الطاقة والانتاج المستقبلي والعزلة السياسية المتزايدة التي ستجعل موسكو أكثر اعتماداً على علاقتها مع الصين. يبدو أن بوتين لا يزال متمسكاً برغبته في (استعادة) جزء من أوكرانيا، التي يعتبرها (أرضاً روسية تاريخية) لكن تكاليف ذلك الحلم تتزايد يوماً بعد يوم بالنسبة الى روسيا”.

شارك المقال