غياب “اتفاق سلة” أعاق لقاء باريس

وليد شقير
وليد شقير
سعد الحريري ووزير الخارجية المصري سامح شكري في بيت الوسط

يفتح الأسبوع الطالع على تمادي الاشتباك السياسي عقب اكتشاف الموفدين الذين زاروا بيروت في الأسبوع الماضي، مدى الانسداد السياسي الذي يحكم علاقة الفرقاء الرئيسيين المعنيين بإنهاء الفراغ الذي دخل شهره التاسع في 10 نيسان الجاري. ويبحث الساعون إلى التقاط بارقة أمل بإمكان تجديد الوساطات لإعادة إطلاق مداولات تأليف الحكومة، فلا يجدون إلا احتمال تحريك رئيس البرلمان نبيه بري جهوده مجدداً للبحث في أفكار مشتركة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري.

بارقة الأمل هذه يتحدث عنها المراقبون استنادا إلى ما أعلنه المعاون السياسي لبري النائب علي حسن خليل يوم الجمعة في 9 نيسان عن أن “الرئيس بري يقود حراكاً جدياً للوصول إلى خواتيم حقيقية لتشكيل الحكومة وفقاً للمبادرة الفرنسية”.

فوزير الخارجية المصري سامح شكري حرص على “تثمين مصر” لدور بري، متقصداً دعم مبادرته. كما أعلن الأمين العام المساعد للجامعة العربية حسام زكي تأييد مبادرة بري ودعمها، مشيراً إلى اكتشافه أنها تحظى بتأييد العديد من الفرقاء اللبنانيين. والمسؤولان العربيان حذرا من أن لبنان ذاهب إلى وضع خطير في حال بقي بلا حكومة، مثلما فعل قبلهما سائر الديبلوماسيين الغربيين ووزير الخارجية السويسري الذي تزامنت زيارته إلى بيروت مع زيارتيهما، وانتهى إلى استنتاج بأن وضع لبنان “صعب جداً”.

المواقف التي أعلنها شكري وزكي بدعم حكومة “اختصاصيين منسجمة”، جاءت ترجمة لما قالاه في لقاءاتهما المغلقة، بأن هذه الصيغة الحكومية هي “الطريق الوحيد” لخروج لبنان من المأزق، ومن دون حصول أي فريق فيها على الثلث المعطل.

ردود الفعل في وسائل الإعلام التابعة لعون ول”حزب الله” لم تبدِ ارتياح الحليفين للزيارتين، لأنهما أخذتا منحىً ضاغطاً على الفريق الرئاسي كي يسهّل ولادة الحكومة. والمنحى الضاغط يعني أنه لم يكن ممكناً أن ينجم عن زيارة شكري وزكي أي تقدم في حلول وسط لإنجاز الحكومة، بدليل امتناع الأول عن لقاء رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل كونه متهما بتعطيل قيام الحكومة، وعدم الاجتماع ب”حزب الله”. كان واضحاً أن القاهرة تستبق الإجراءات الأوروبية الضاغطة، التي لوح الجانب الفرنسي بأنها ستتضمن عقوبات على من يعرقلون  قيام الحكومة، بتوجيه نوع من الإنذار إلى الفرقاء قبل صدورها.

أرسلت واشنطن هيل على عجل في آخر مهمة في منصبه لقلقها من  الانهيار الكامل

ويتضح من سياق المواقف أن “الأيام المفصلية” التي تحدث عنها لودريان الأسبوع الماضي، ستكون مع بداية الأسبوع الحالي مع تحضير باريس لائحة بأسماء الأشخاص الذين ستشملهم هذه العقوبات، والبحث في إصدارها بعد اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في 19 الجاري. ويمكن اعتبار الأيام الفاصلة مع هذا التاريخ “الفرصة الأخيرة” التي أشار إليها الوزير شكري، لإحداث خرق في جدار الأزمة.

ويفترض ترقب ما ستحمله زيارة وكيل وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل هذا الأسبوع إلى بيروت. فالذي حرّك الإدارة الأميركية على عجل في آخر مهمة لهيل في منصبه، هو القلق في واشنطن وسائر عواصم الغرب من اتجاه لبنان إلى الانهيار الكامل في حال لم تتشكل حكومة تطلق المسار الإصلاحي، وتدخل بعض الأموال إلى البلاد.

إضافة إلى انطلاق تحرك بري من الدعم العربي العلني، هو يستند إلى  حصوله على تأييد كل من “حزب الله” ورئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، الذي تبنى رئيس البرلمان اقتراحه والذي سبق أن وافق عليه الرئيس عون قبل ثلاثة أسابيع: 24 وزيراً بدل من 18 كما يصر  الحريري، ومن دون حصول أي فريق على الثلث المعطل، (الثلاث ثمانات) الأمر الذي عاد بري فحصل على ضمانة في شأنه من “حزب الله” قبل أن يقبل بالقيام بدور الوسيط. حصل بري على استعداد لليونة من الحريري إزاء العدد في حال التثبت من إقلاع عون وباسيل عن المطالبة بالثلث المعطل على رغم نفيهما ذلك. حتى نهاية الأسبوع لم يكن بري يملك مبادرة متكاملة بل الأفكار المذكورة على أمل بلورتها في اتصالات بعيدة من الأضواء، لا سيما في شأن تسمية وزير الداخلية، بحيث يقترحه رئيس الجمهورية ويبقى حق الفيتو للحريري إذا وجد أنه غير مستقل.

ساعد “حزب الله” في تسهيل هذه  الصيغة في علاقته مع باسيل، في أكثر من اجتماع، تردد أنه تخللتها مناقشات قاسية، على أمل أن يحصل الأخير على نوع من الترضية في حال تنازله عن الثلث المعطل، عبر دعوته إلى فرنسا للاجتماع إلى المسؤولين الفرنسيين مع إمكان ترتيب لقاء بينه وبين الحريري.

فصيغة ال24 وزير تعطي المسيحيين 12 منهم وفق مبدأ المناصفة مع المسلمين. وإذا كانت حصة الوزراء الذين يسميهم عون ثمانية، 7 منهم مسيحيون وواحد درزي يسميه الحليف وعضو ” تكتل لبنان القوي” النائب طلال أرسلان، فإن عون وباسيل اشترطا ألا يسمي الحريري أياً من الخمسة الباقين الذين يفترض أن يتوزعوا بين وزيرين يسميهما تيار “المردة” وواحد الحزب السوري القومي الاجتماعي. تحت عنوان من يسمي الوزراء المسيحيين يبقى اثنان، أصر رئيس “التيار الحر” على أن من حق عون تسمية من تبقى من الوزراء المسيحيين لا الحريري، متذرعاً بحجة أن الأخير يريد الحصول على النصف زائداً واحداً من الوزراء ليتحكم هو بالحكومة، فيما يعتبر الحريري أن هدف الفريق الرئاسي هو الالتفاف مجدداً باسم حق تسمية الوزراء المسيحيين، على مبدأ الثلاث ثمانات للاستحواذ على الثلث المعطل.

مبادرة بري الوحيد الباقية تعتمد على ضغط “حزب الله” على باسل

يبقي الحريري على خطواته في المساحة الآمنة كالآتي:

مرونة في رفع عدد الحكومة إلى 24، وفقاً لطرح بري وجنبلاط، لكن مع الثبات حتى إشعار آخر، على ال18 وزير. ومن الطبيعي أن يحتاط إزاء احتمال أن يحصل منه الفريق الرئاسي على رفع عدد الوزراء الذي كان يرفضه سابقاً منعاً لتسهيل حصول أي فريق على الثلث المعطل، فتصبح صيغة ال24 في جيبه، ثم يبدأ التفاوض معه على تسمية الوزراء المسيحيين لرفع حصته إلى الثلث المعطل.

أن القبول برفع العدد قد يتبعه التمسك بحصول الفريق الرئاسي على الحقائب الرئيسة، (الداخلية، العدل، الدفاع، الطاقة والاتصالات)  بعد أن يكون قد وضع في جيبه مسألة رفع العدد. وهذا واحد من أساليب الحصول على الثلث المعطل.

أن رفع العدد يقترن مع استعادة لغة حصص القوى السياسية على الطريقة التقليدية في تشكيل الحكومات، في شكل يطيح بمبدأ حكومة الاختصاصيين المستقلين ويسمح بتسلل فكرة التكنو سياسية، خلافاً للصيغة التي تمسك بها الحريري وقدم على أساسها لائحته من التكنوقراط إلى الرئيس عون في 9 كانون الأول الماضي، والذين اختارهم هو، ليكونوا فريقاً غير خاضع للأحزاب والزعامات بل منسجما معه ومع البرنامج الإصلاحي الوارد في خريطة الطريق الفرنسية.  ولذلك رد تيار “المستقبل” على اتهام “التيار الوطني الحر” الحريري بأنه يريد النصف زائد بالقول: “الرئيس المكلف هو رئيس لمجلس الوزراء مجتمعاً، ولن يكون رئيساً لنصف المجلس أو ثلثه أو ربعه”. والمعني بهذا الكلام أن الوزراء جميعا يفترض أن يكونوا منسجمين مع الحريري في “المهمة” التي التزم بها. فهو الذي سمى الوزراء الشيعة الأربعة ولم يسمهم لا “حزب الله” ولا الرئيس بري، بل هما لم يعترضا عليهم بالاستناد إلى القاعدة التي وضعها بري: ليسوا معنا وليس ضدنا.

المخاوف المذكورة أعلاه إضافة إلى أسباب أخرى كانت وراء تردد الحريري في قبول فكرة مساعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، السفير باتريك دوريل، بدعوته والنائب باسيل إلى باريس للاتفاق مع الأخير على إنجاز الحكومة، طالما يصر الرئيس عون على أن رفض الحريري لقاء أكبر كتلة نيابية مسيحية هو واحد من مؤشرات تأخير الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة. وعلى الرغم من أن باسيل أعلن أنه أبلغ الجانب الفرنسي عدم ممانعته بصيغة ال24 وزير من دون الثلث المعطل، فإنه طرح إشكالية تسمية الوزراء المسيحيين، في شكل يؤشر إلى نصب فخ الثلث المعطل واختيار الوزراء، وتوزيع الحقائب. فلا ضمانة بأن ينجح اللقاء من دون التوافق المسبق على سلة كاملة تزيل أي فخ في عملية التأليف، وإلا سيصاب الجانب الفرنسي بخيبة جديدة، بعد أن يكون قدم لباسيل خدمة إخراجه من العزلة التي هو فيها بسبب شبه الإجماع على أنه يعطل الحكومة لأجندة تتعلق بنفوذه على السلطة التنفيذية، وبسبب خضوعه للعقوبات الأميركية.

الآمال بإحداث اختراق في جدار الأزمة إذا كانت ستعتمد على تحرك بري، ستحتاج إلى ضغط حاسم من “حزب الله” على حليفه باسيل، يفترض أن يظهر هذا الأسبوع إذا هناك إدراك فعلي لمخاطر استمرار الفراغ.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً