الحريري يعود إلى بيروته… متحرراً من الأثقال السياسية

رواند بو ضرغم

عاد الرئيس سعد الحريري متحرراً من الأثقال السياسية الى “بيروته” للمرة الأولى منذ الانتخابات النيابية، بعد أن قدم مقاعده النيابية لمن ثاروا وانتفضوا خلال ١٧ تشرين، ظناً منه أنهم تغييريون، ليتبيّن مؤخراً أنهم تعطيليون، شأنهم شأن غيرهم من المزايدين والشعبويين والطائفيين.

عاد زعيم السنة الى جمهوره فقط، وضريح والده الشهيد في ذكرى اغتياله، ليستعيد شريطاً مثقلاً بطعنات الحلفاء أكثر من الخصوم، ويستجمع عزيمته لاستعادة مستقبل اللبنانيين، بعد أن أحرقته أحقاد أصحاب عقلية الـ ” one way ticket “.

عودة سعد الحريري باتت اليوم مطلب خصومه قبل مناصريه وأصدقائه، وذلك بعد أن عصفت الأزمات باللبنانيين وتحللت مؤسساتهم وتناثرت مدخراتهم، ولا مَن يبادر الى وضع حد لمآسيهم واجتراح الحلول لمشكلاتهم ووقف الانهيار. ففي خضم المراوحة السياسية والشغور الرئاسي، تفتقد الساحة اللبنانية سعد الحريري المبادر الى الحفاظ على المؤسسات الدستورية وانتظامها وانهاء الفراغ، حتى لو كانت على حسابه، فهو ابن بيت وطني، لا طائفي.

لم يكن أصعب وأقسى من عهد الرئيس السابق اميل لحود على الرئيس سعد الحريري، الا أن وطنيته تغلبت على الشخصانية وشعر بالحزن عند انتهاء عهده، فقط لأنه يرفض الفراغ واستشعر قدومه الثقيل.

فلو لم يبادر سعد الحريري، لكان الفراغ الرئاسي استمر أكثر من سنتين ونصف السنة بعد مغادرة الرئيس السابق ميشال سليمان قصر بعبدا، بدءاً بمبادرته الأولى في التفاهم مع رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية وصولاً الى التسوية الرئاسية مع رئيس “التيار الوطني الحر” ميشال عون. البعض يعتبر حراك الحريري إمعاناً في تقديم التنازلات، إنما الواقع هو استماتة في تفعيل مؤسسات الدولة وانتظامها، وعلى رأسها رئاسة الجمهورية.

يحرص سعد الحريري على الموقع الماروني الأول أكثر من الموارنة أنفسهم المقسومين بين معطلين حاليين لجلسات انتخاب رئيس الجمهورية ومعطلين لاحقين لأي جلسة قد تنتج رئيساً محسوباً على الفريق الآخر، وانتقلت عدوى التعطيل أيضاً الى النواب التغييريين، بحجة التنوع. أما الخطاب الطائفي فحدث ولا حرج، تقسيم وفديرالية ولامركزية وإطاحة بمبدأ “وقفنا العد”. يحوّلون الأزمة الرئاسية الى أزمة مسيحية – اسلامية، في حين أنها أزمة وطنية عند رؤساء الكتل المسيحية و”جوع كراسي”.

فمنذ أن اعتكف الحريري، لم نجد أي حزب أو مجموعة حزبية تنتج حلاً! لم نرَ سوى تأجيج للأزمات وإمعان في ضرب المؤسسات. صوت يتيم نسمعه يدعو الى الحوار، ولكن على من تقرأ مزاميرك الوطنية يا بري؟!

وعليه، من لا يقبل بخيار الخمسة والستين صوتاً لرئيس منتخب، عليه أن يبادر الى اجتراح الحلول، أو فليتحمل مسؤولية انهيار آخر أساسات الدولة. وفي ظل هذا الجنون السياسي، كم أن لبنان بحاجة الى عودة سعد الحريري لوضع خطط النهوض الاقتصادي، كما فعل يوم أنجز بعلاقاته مؤتمر “سيدر” الذي عطلته أيضاً فرقة المعطلين ومدّعو الاصلاح والتغيير.

وأخيراً، أهلاً بعودتك الاجتماعية سعد الحريري، ولكن من أجل ما تبقى من لبنان واللبنانيين، أصبحت عودتك السياسية ضرورة وحاجة لإنتاج الحلول، ربما تتغلب هذه المرة أيضاً على مارد التعطيل وتستنهض ما تبقى من وطن ووطنيين.

شارك المقال