بعد 18 عاماً على اغتياله… مقارنة بين مشروعي رفيق الحريري و”حزب الله”!

جورج حايك
جورج حايك

في كل 14 شباط يعود الوجع إلى الشعب اللبناني الذي أحبّ الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وفي الذكرى الثامنة عشرة على استشهاده، نفتقده أكثر من أي وقت مضى، لأنه كان يشكّل الأمل بلبنان الغد، حاملاً مشروع دولة عصريّة، دستورها الطائف، عربيّة، منفتحة على المجتمع الدولي، اقتصادها متقدّم في كل المجالات.

واليوم بعد 18 عاماً باتت الصورة واضحة: كان الهدف من اغتيال الحريري انهاء مشروعه الذي شكّل امتداداً لدولة لبنان “سويسرا الشرق”، مع مراعاة المساواة بين كل المكوّنات اللبنانية والمحافظة على صيغة العيش المشترك. إلا أن “حزب الله” كان لديه مشروع يتناقض مع ما يفعله الحريري، فقرر أن يضع حداً له، رسم مؤامرة الإغتيال وخططها ونفّذها، حارماً لبنان من امكانات رجل دولة استثنائي، احترمه أهم الرؤساء والملوك في كل أنحاء العالم. واتهام “الحزب” ليس من العدم، إنما بناء على حكم صدر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أدان أحمد عياش أحد مسؤولي “الحزب”، ومنطقياً لا يمكن أن نتصوّر أن عياش ارتكب عملية الاغتيال على نحو فردي من دون قرار من أعلى المرجعيات في “الحزب” ولا سيما من حاميته الايرانية.

لكن ليس منصفاً عند الكلام عن مشروع الحريري أن نبقى في العموميات، بل سنقوم بالمقارنة بين مشروع الحريري بالأمس ومشروع “الحزب” حالياً.

أولاً، نقل الحريري لبنان من حالة الحرب إلى حالة السلم، وحقق دوراً مهماً في إنجاز إتفاق الطائف 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية. وأعاد لبنان إلى الخارطة العالمية، بسرعة قياسية، أدهشت العالم وأذهلته، وجعلته قبلة للاستثمار بكل أوجهه، ومحط أنظار رجال الأعمال من مختلف المجالات والاختصاصات ومن كل دول العالم. ولعب دوراً كبيراً في إعادة لبنان إلى الخارطة الاقتصادية بإقراره السندات الأوروبية التي حافظت على قيمة العملة اللبنانية، كما مكنته من اقتراض الأموال اللازمة لاعادة الاعمار. أما مشروع “حزب الله” فنقل لبنان من حالة السلم عام 2005 إلى حالة الانقسام السياسي العمودي الذي يكاد يتحول حرباً أهلية اليوم، نتيجة هيمنته على القرار الحر للدولة اللبنانية، ووضعه في أحضان إيران، بحيث تتحكّم به وفق مصالحها، فبات لبنان معزولاً عن المجتمعين العربي والدولي، متخبطاً في أزمة مالية واقتصادية تعتبر الأكثر قساوة في العالم، فانتشر الفقر والفوضى الاجتماعية.

ثانياً، وظّف الحريري كل طاقاته وخبراته وعلاقاته وما يتمتع به من ثقة وتقدير عربي وعالمي، لتحقيق مشروعه ومعاودة البناء على أسس ومرتكزات حديثة ومتطورة، تواكب حركة العصر، وإستعادة لبنان تصنيفه كواحد من البلدان المتقدمة في المنطقة. أما “حزب الله” فوظّف كل طاقاته وخبراته وعلاقاته مع ايران ومحور الممانعة لغايات مذهبية، ضارباً صيغة التعايش، ومعطلاً المؤسسات الرسمية، عازلاً لبنان عن محيطه العربي والمجتمع الدولي مما هرّب كل الاستثمارات الأجنبية، فتراجعت قيمة العملة اللبنانية إلى مستويات خطيرة أمام سعر صرف الدولار، وبات تصنيف لبنان في كل المجالات في آخر الترتيب.

ثالثاً، هيّأ الحريري مناخاً استثمارياً مغرياً، فعمل على هيكل ضريبي مبسط، وقدم العديد من الاعفاءات الضريبية، إضافةً إلى القروض المنخفضة الفائدة التي كان يقترضها لبنان، ولعل أبرز سياساته الاقتصادية Horizon 2000 وهو مشروعٌ تجديديٌ حاول من خلاله تطوير المشهد اللبناني بعد الحرب. ففي ظل هذه السياسة، أسّس وحدة المقاولات “سوليدير” التي امتلكت الحكومة جزءاً منها، كما امتلك مستثمرون أجانب وغيرهم أجزاء منها. أعادت هذه الوحدة إعمار بيروت وحوّلتها إلى مدينة كبيرة معاصرة، وكان ذلك إنجازاً كبيراً بعدما دمرتها الحرب كلياً. أما “حزب الله” فأسس “القرض الحسن” وبطاقة “سجاد” وقطاعات اجتماعية لبيئته السياسية، واعتمد على سياسة التهريب من لبنان إلى سوريا، وتجارة الكبتاغون، فباتت سمعة لبنان الدولية مثل الدول المارقة، وتحوّلت بيروت إلى مدينة أشباح لا حياة فيها!

رابعاً، عمل الحريري على بناء المؤسسات التعليمية، وعلى تقديم المنح الدراسية في لبنان والخارج، لآلاف الخرّيجين الجامعيين، فأرسل 30 ألف طالب لبناني للدراسة في الجامعات الأوروبية والأميركية على نفقة مؤسسته من دون أن يتحملوا أي عبء مالي ومنها الجامعة الأميركية في بيروت والبلمند وغيرهما، ودعم الأساتذة والمديرين في الجامعة الأميركية براتب إضافي لمدة سنتين حتى لا يغادروها. فيما وجّه “حزب الله” الشباب الشيعي إلى القتال في الدول المجاورة، معززاً الفكر الميليشيوي وممارسة العنف في سبيل مصلحة ايران، وأدت سياسته المناهضة للخليج والمجتمع الدولي إلى إفقار لبنان وفقدان الأمل لدى الشباب الذي هاجروا بالآلاف بحثاً عن فرص عمل.

خامساً، عمل الحريري على تأهيل الأوتوسترادات بين بيروت والجنوب والبقاع والشمال، وأنشأ الجسور والأنفاق في بيروت وخارجها، ونجح في تأهيل مطار بيروت وتوسيعه بكلفة 400 مليون دولار. وشيّد مباني الجامعة اللبنانية الحديثة في منطقة الحدث – الشويفات بعد أن ظلّ طلاب الجامعة لمدة أربعين سنة يتعلمون في أبنية أو شقق سكنية مبعثرة وليس فيها أدنى الشروط المهنية. وأنشأ مستشفى الحريري الكبير بعد أن ظلّت بيروت بدون مستشفى حكومي خلال عهود طويلة. وأعاد بناء المدينة الرياضية، وأنشأ جامعة ومستشفى في منطقة كفرفالوس بكلفة 150 مليون دولار.

أما مشروع “حزب الله” فيكاد يطيح بالمستشفيات والجامعات الموجودة، وقد بلغ بعضها مرحلة الافلاس. فيما الأوتوسترادات والطرقات أصبحت مليئة بالحفر والمشكلات مما زاد من الحوادث المرورية. ولم يطرأ على مطار رفيق الحريري الدولي أي تحسينات منذ استشهاده.

في المحصّلة، كان مشروع رفيق الحريري مشروعاً وطنياً عربياً معتدلاً في زمن العقائد الراديكالية، مؤمناً بالانفتاح على الثقافات والحضارات في عصر التكنولوجيا ذات الرؤية الإقتصادية الطموحة للبلد في زمن الهويات العرقية والإثنية والانهيارات الإقتصادية. كان ديموقراطياً حراً في عهود الظلام والخلافة والولاية. لذلك بعد فشل الدعايات والاشاعات والاقصاءات في القضاء على مشروعه، جاء القرار بالتصفية الجسدية فكان 14 شباط 2005. لم يكن الهدف القضاء على الشخص بقدر القضاء على المشروع على المستوى الاقليمي والمحلي. فرجل كالحريري لا مكان له في عالم الايديولوجيات الدينية السياسية، بل كان مصدراً للإزعاج لها وأيضاً رؤيته الوطنية كانت مناقضة لمشروع “حزب الله” وحماته الخارجيين القائم على فكرة التبعية العمياء للخارج!

كلمات البحث
شارك المقال