14 شباط… “جريمة جارية” بحق لبنان، محاولات “إغتيال” المحكمة الدولية! (3)

ياسين شبلي
ياسين شبلي

بعد إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري أُرسلت لجنة من الأمم المتحدة لتقصي الحقائق، إستجابة لطلب المعارضة اللبنانية وبدعم دولي أكيد، للنظر في إجراءات التحقيق التي اتبعتها السلطات اللبنانية في جريمة الاغتيال. خلصت اللجنة التي رفعت تقريرها في 24 آذار، إلى أن التحقيق الذي أجرته السلطات اللبنانية يشوبه القصور والخلل، واتهمت الأجهزة الأمنية بالعبث بمسرح الجريمة عبر تزوير بعض الأدلة وتدميرها، وأن عملية الاغتيال تمت في إطار سياسي وأمني يتعلق بتدخل سوريا “الأخرق والجامد” في حكم لبنان ما تسبب بإستقطاب حاد وخلاف بين اللبنانيين حول الوجود السوري. وانتهى التقرير بأن أوصى بتشكيل لجنة تحقيق دولية، الأمر الذي أقره مجلس الأمن في7 نيسان 2005 بموجب القرار 1595.

شكلت اللجنة برئاسة القاضي الألماني ديتليف ميليس الذي بدأ مهمته في 13 أيار 2005 وأنهاها في 11 كانون الثاني 2006، بعد أن قدَّم تقريرين كانا الأساس الذي أنشئت بموجبه لاحقاً المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، بحيث طلبت الحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة في 13 كانون الأول 2005، أي بعد يوم واحد من إغتيال الصحافي جبران تويني، من الأمم المتحدة إنشاء محكمة دولية خاصة بلبنان لكشف المسؤولين عن جرائم الاغتيال المتكررة، ومحاولات الاغتيال التي طالت قبل جبران تويني كلاً من الوزير إلياس المر والاعلامية مي شدياق اللذين نجيا من الموت بأعجوبة. وبنتيجة المفاوضات التي استمرت حوالي العام وقعت الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية إتفاقاً لإنشاء المحكمة الخاصة بلبنان في 23 كانون الثاني و6 شباط 2007، وأحيل الاتفاق على مجلس النواب اللبناني للتصديق عليه، إلا أن الرئيس نبيه بري كان قد أغلق البرلمان على خلفية الخلاف الذي نشب بعد حرب تموز بين فريقي الثامن والرابع عشر من آذار، وأدى الى إعتصام قوى الثامن من آذار في وسط بيروت، وإنسحاب الوزراء الشيعة الخمسة – وهذه من مآثر الاتفاق الرباعي – من حكومة فؤاد السنيورة التي تحولت بقدرة قادر من حكومة “المقاومة السياسية” كما كان وصفها الرئيس بري إبان الحرب، إلى حكومة “فيلتمان” البتراء والمتآمرة على المقاومة بعد الحرب، بينما الحقيقة كانت أن الخلاف إنما كان بسبب المحكمة الدولية، التي أعاد الخلاف حولها موجة الاغتيالات بعد أن كانت قد هدأت قليلاً إلى الواجهة، وذلك بإغتيال الوزير بيار الجميل في 21 تشرين الثاني 2006.

بعد فشل التصديق على الاتفاق في مجلس النواب اللبناني، عمد مجلس الأمن الدولي إلى إصدار القرار 1757 بتاريخ 30 أيار 2007 القاضي بإنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ما أجّج الخلاف الداخلي أكثر وجعل آلة القتل تستمر في حصدها الأرواح، فكان إغتيال النائب وليد عيدو في 13 حزيران 2007 ليبدو وكأنه رد على قرار مجلس الأمن بخصوص المحكمة. ترافقت هذه التطورات مع قرب إنتهاء ولاية إميل لحود الممددة والخلاف حول هوية الرئيس المقبل، والحديث عن إمكان إنتخاب الرئيس بالنصف زائد واحد في حال إستمر تعطيل البرلمان والحكومة، لا سيما وأن الأكثرية في مجلس النواب هي من نصيب قوى الرابع عشر من آذار، ما وضع حياة نواب هذه القوى في خطر داهم بهدف إنقاص عددهم، واضطرهم في مرحلة من المراحل إلى التجمع في أحد الفنادق وعدم التنقل مخافة الاغتيال، ومع ذلك لم يسلم النائب عن حزب “الكتائب” أنطوان غانم الذي اغتيل في 19 أيلول 2007، وذلك بعد أيام من إنتصار الجيش اللبناني في معركة نهر البارد ضد منظمة “فتح الإسلام” الارهابية، هذا الانتصار الذي كان يصب في مصلحة الحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة ومنطق الدولة ويقوِّي موقفها في الصراع الداخلي، وهو الأمر الذي لم يرق للبعض كما يبدو فكانت الضربة هذه المرة بإتجاه الجيش اللبناني باغتيال مدير العمليات في قيادة الجيش اللواء فرانسوا الحاج في 12 كانون الأول 2007، وهو الذي كان من أبرز الضباط الذين أشرفوا على معارك نهر البارد، كما كان مرشحاً لقيادة الجيش اللبناني خلفاً لميشال سليمان الذي كان إسمه مطروحاً لرئاسة الجمهورية.

وهكذا نرى أنه كان لكل مرحلة من مراحل الصراع شهداءها الذين سقطوا دفاعاً عن لبنان السيد الحر المستقل، ففي كل مرة كان المجرمون أعداء لبنان يعتقدون أن مهمتهم قد أنجزت، يتصدى لهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله والوطن عليه، من إغتيال الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، إلى إغتيال “ثورة الأرز” ورموز إنتفاضة الاستقلال، إلى المحاولات الكثيرة لاغتيال المحكمة الدولية ومحاولة طمس الحقيقة، عبر إغتيال بعض الضباط الذين أبدعوا في عملهم وأبرزهم الرائد الشهيد وسام عيد الذي استشهد في 25 كانون الثاني 2008، ليكون واحداً من أبرز شهداء البحث والكشف عن الحقيقة والعدالة، وذلك عن طريق تقديم الأدلة القاطعة لتكون الأساس العلمي المتين الذي تستند اليه أحكام المحكمة الدولية، التي كلفت الكثير من الدم والدموع والمال في محاولة نبيلة لحماية لبنان من العنف والاغتيالات، ولمحاولة وضع حد للافلات من العقاب وهو ما لم يتحقق حتى اليوم للأسف الشديد، إلا أن المغامرة كانت تستحق العناء، ولا بد من أن تأتي ثمارها يوماً ما ولو بعد حين.

يتبع…

إقرأ أيضاً:
14 شباط… “جريمة جارية” بحق لبنان، البداية… رفيق الحريري – الرمز شهيداً! (1)
– 14 شباط… “جريمة جارية” بحق لبنان، إغتيال “إنتفاضة الاستقلال”! (2)
– 14 شباط… “جريمة جارية” بحق لبنان، حتى إشعارٍ آخر… نجح الاستيلاء على الدولة والمؤسسات! (4)

كلمات البحث
شارك المقال