الاعلام خسر الرفيق والسند… ونصير السلطة الرابعة

آية المصري
آية المصري

رفيق الاعلاميين وعاشق الصحافة، أعطى حيزاً كبيراً لكل ما يتعلق بالسلطة الرابعة، كان قريباً من الجميع حتى من يخالفه الرأي، متواضعاً في الجلوس الى جانب الاعلاميين والمراسلين للتحاور معهم وتبادل الأفكار.

هذا هو رفيق الحريري الذي كان من النادرين الذين لا يهاجمون الاعلاميين والصحافيين ويستقبلهم بصورة شبه دورية ويومية، ويبدي إستعداده الكامل للتعاون مع الاعلام والتجاوب معه وتقديم الأجوبة على كل ما يطرح عليه. علاقته بالاعلاميين والمصورين فريدة من نوعها خصوصاً وأنهم كانوا من المقربين منه، وبسبب حبه للاعلام قام باستثمارات كبيرة في هذا المجال عبر تأسيس تلفزيون وجريدة “المستقبل” وشراء إذاعة “الشرق” وامتلاك امتياز مجلة “المستقبل” وجريدة “صوت العروبة”، كما امتلك نسبة من الأسهم في دار “النهار”.

صاحب الكاريزما الاعلامية المتميزة والنادرة، أوجع خبر إستشهاده الكثير من الاعلاميين لدرجة فقدانهم الوعي حين تلقوه، كما أن عدداً كبيراً منهم وتحديداً من عرفوه عن قرب وعملوا معه عاشوا حالة من نكران الواقع وفضلوا عدم التصديق، وظلوا أشهراً في هذه الحالة النفسية الصعبة. فكيف تلقى الاعلاميون خبر استشهاد الرئيس الحريري وكيف تعاملوا معه؟

روى المصور الخاص للرئيس الحريري حسين الصانع في حديث لموقع “لبنان الكبير” تفاصيل ذهابه الى موقع الجريمة وكيفية إدراكه أن الرئيس اغتيل. وقال: “منذ العام 1992 وأنا أعمل مع الرئيس الشهيد، وفي 14 شباط كان لدي عند الساعة الواحدة والربع موعداً في قريطم لتصوير إجتماع الرئيس الشهيد مع تجار الأشرفية، وهذا ما جعله يعتذر عن إستكمال الجلسة في مجلس النواب والخروج باكراً قاصداً قريطم، وعندما سمعنا الانفجار قدرنا أنه حدث في كليمنصو، وحين وصلت السيارة التي تقلني الى القصر طلبت من السائق التوجه الى مكان الحدث من أجل التغطية وبعدها نكمل طريقنا بإتجاه القصر”.

أضاف: “قصدنا الاتجاه البحري وبدأنا نشاهد الدخان المتصاعد واتضح أنه بالقرب من عين المريسة، فأكملنا طريقنا باتجاه فينيسيا ورأينا مشهداً من الصعب تناسيه، موكب من السيارات وراء بعضها البعض، وصوت إنذار هذه السيارات لا يتوقف، صراخ وأصوات عالية للناس، ودماء ونار مشتعلة في كل الاتجاهات. نزلت وبدأت بالتصوير لكنني لم أكن مدركاً لما يحدث ولا أشعر بشيء خصوصاً وأنني صورت العديد من الحروب والاجتياحات في بيروت، وعندما وصلت الى نقطة حيث الجثث بدأ الخوف ينتابني، وكانت المشهدية عبارة عن رعب وكأن هذه المنطقة قصفتها احدى الطائرات، وأصبح صوت الزجاج والرصاص يتضاعف أكثر وأكثر”.

وتابع: “في لحظة ما وصلت الى سيارة واقفة بالعرض، ورأيت الكثير من الناس متجمعين حولها، وكان أحد من سقطوا على الأرض الرئيس رفيق الحريري، وعندما رأيته في هذه الحالة أدركت أن موكبه تعرض للاغتيال وشعرت بأن ستارة ما نزلت على وجهي وبدأت بالبكاء والصراخ، وكان صوتي أعلى من صوت التصوير وأصبحت أمشي كالسكران، لا يمكنني شرح ما حلّ بي وسيطر علي يومها، وللحظة تمنيت لو أنني لم أقم بتغطية مسرح هذه الجريمة”.

أما الاعلامية لينا دوغان فاستذكرت أنها فقدت الوعي لحظة تلقيها هذا الخبر وبقيت يومين متتاليين في المنزل رافضة متابعة عملها. وقالت: “لم أستطع تقديم نشرة الأخبار في اليوم التالي وطلبت من زميلتي نجاة شرف الدين القيام بهذه المهمة نيابةً عني، لأنني لم أستطع القول ان الرئيس رفيق الحريري رحل”. وأشارت الى أن “الاعلام ضاع للحظات وبتنا في حالة نكران للواقع وهذه الصدمة لازمتنا لفترات طويلة جداً”.

وأكدت الاعلامية نجاة شرف الدين أنها عاشت أصعب لحظة في حياتها ومن الصعب جداً تناسيها، شارحةً: “يومها كنت في دوام العمل ولم ندرك تفاصيل هذا الانفجار، وبدأت تتواتر الينا المعلومات وبعدما تأكدوا مما حصل إنتظرنا تأكيداً من عائلة الرئيس لننشر بياناً واضحاً ونذيعه، كانت لحظات قاسية جدأ ولا يمكنني وصف شعورنا وحالة البكاء التي هيمنت على مبنى المستقبل رافضين إستيعاب ما حصل، خصوصاً وأن الحدث كان فوق قدرة الاستيعاب ليس لكون الرئيس الحريري صاحب التلفزيون بل لأنه الرفيق الذي يمثل رؤية واضحة والمقرب من موظفيه والاعلام بطريقة مختلفة جداً ومن يستمع الى كل التفاصيل والسند للجميع”.

ووصفت شرف الدين تلك اللحظة بـ “الصعبة جداً”، موضحة أن “الغصة كانت تعبّر عن حالتنا النفسية، والأسى الداخلي الذي عايشناه لم يجعلنا نستوعب الحقيقة، لكن كان يتوجب علينا ضبط مشاعرنا على الرغم من أننا عاجزون عن ذلك، وعندما قمت بتقديم الخبر كان صوتي مليئاً بالحزن والأسى وهذا الشعور إستمر لأشهر متتالية، فما حدث خسارة كبيرة لنا من جهة وللبلد الذي ذهب باتجاه ومنحى آخر من جهة ثانية”.

رئيس “نادي الصحافة” الاعلامي بسام أبو زيد كان من أول الواصلين الى مكان الجريمة، وقال: “عندما أدركت ما حدث فضلت التريث جيداً قبل اعلان خبر اغتيال الرئيس نظراً الى تأثيراته على الأرض، وجمعتني علاقة جيدة بالشهيد وكنا نلتقي كثيراً خلال رحلاته وهذا الخبر أحزننا جميعاً”.

باستشهاد الرئيس رفيق الحريري، فقد الاعلام سنداً له في العديد من المراحل، ولا يزال اللبنانيون يتحسرون على أيام العز التي ضاعت بعده، رحم الله روحه الطيبة والخيرة على لبنان.

كلمات البحث
شارك المقال