“فورين بوليسي”: مستقبل سيئ للحماية الاجتماعية بعد حرب سوريا

حسناء بو حرفوش

نشر موقع مجلة “فورين بوليسي” الأميركية مقالاً يسلط الضوء على مستقبل سياسات الحماية الاجتماعية في العالم وعلى قدرة العالم على منع الانتهاكات والفظائع، ويحذر من أن آثار فشل أنظمة هذه الحماية، كما تظهر تجربة الحرب السورية، ستبقى ملموسة لسنوات مقبلة وفي العالم بأسره. وفي ما يأتي ترجمة لبعض ما ورد في المقال الموقع بقلم رئيسة تحرير صحيفة “ذا ناشيونال”، مينا العريبي.

“يدعونا مشهد دخول الثورة السورية التي استحالت حرباً، في عقدها الثاني، إلى تعداد ​​الخسائر في أرواح الأبرياء ودمار المدن وتحطم الأحلام. كما يستدعي الحداد على الإمكانات الضائعة للشباب السوريين العالقين في مخيمات النازحين والذين يضيفون إلى سنوات التعليم المفقودة، عامًا جديداً (…) ومع التخلي عن جهود إحصاء الخسائر المدنية بعد ثلاث سنوات من الصراع، توقف عداد الضحايا لدى الأمم المتحدة بغياب الأرقام الموثوقة في واحدة من الحالات العديدة التي تظهر فشل المجتمع الدولي في ما يتعلق بالتزاماته تجاه السوريين (…) لقد تحطمت في سوريا القاعدة الأساسية التي تعنى بـ”مسؤولية الحماية (R2P) (…) التي يلتزم المجتمع الدولي بموجبها (….) بالتدخل لإنهاء أسوأ أشكال العنف والاضطهاد (…) ويمثل موت هذه العقيدة لحظة فشل للنظام الدولي التي ظهر في نهاية الحرب الباردة (…) ويبدو أن العالم سيدخل حقبة جديدة من المنافسة الجيوستراتيجية واستقطاب القوى العظمى، دون أي ضمان لتبلور نظام إنساني مقبول جماعيًا (…) وتشمل التجارب السابقة لـ”مسؤولية الحماية” ما يسمى بمبدأ بلير، الذي سمح بتدخل عسكري محدد لتصحيح الانتهاكات في حال وجد ممكناً وبعد استنفاد الخيارات الدبلوماسية.

(…) ويفترض أن تضمن “مسؤولية الحماية” في جوهرها، لجميع المدنيين حقًا أساسيًا في الحماية من أسوأ أشكال الفساد في العالم. لكن ثغراتها وعيوبها الأساسية صعّبت تنفيذها وأدت في النهاية إلى اختفائها في ساحات القتل في سوريا، ومنها أولاً، السؤال حول ما يجعل جرائم الإنسانية خطيرة لدرجة إلزام المجتمع الدولي بتجاهل سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة والتدخل سواء بوسائل سلمية أو عسكرية؟ من الذي يجب أن يتدخل وبأي شكل؟ وماذا لو كانت الدولة المخالفة حليفة لقوة عظمى تمتلك القدرة على منع أي قرار باستدعاء مسؤولية الحماية داخل مجلس الأمن؟ ليس بمقدور أحد إدعاء الجهل بالحجم الهائل لانتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت وما تزال تحدث في سوريا. وبفضل المواطنين المراسلين الشجعان الذين خاطروا بحياتهم على الأرض، أصبحت الحرب السورية واحدة من أكثر الحروب توثيقاً. لكن ذلك أتى بمواجهة طوفان من الدعاية والمعلومات المضللة التي سعت لإرباك الجمهور ووسائل الإعلام، ما قوّض الثقة في المعلومات الواردة من البلد المحاصر (…) وردت الأمم المتحدة على الهجمات ضد المستشفيات والمراكز الطبية وتسوية مدن بأكملها بالأرض واغتيال الصحافيين (…) وبعض أفظع انتهاكات حقوق الإنسان بإدانات فارغة وباجتماعات ساخنة وبمطالبات غير فعالة لضبط النفس.

وأظهرت الحرب السورية مجدداً عقم مجلس الأمن (…) بسبب استخدام أعضائه بشكل روتيني لحق النقض (الفيتو) لحماية حلفائهم. وتدعم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا المعارضة السورية، بينما تدعم روسيا نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وترفض الصين فكرة التدخل لإسقاط حكمه. وبالتالي، ساهمت طبيعة نظام الأمم المتحدة، وتحديداً هيكلية مجلس الأمن، بقتل أي فرصة لتنفيذ مسؤولية الحماية (…) لقد تم تعبيد الطريق باتجاه موت نظام الحماية في سوريا منذ فترة طويلة، في أيلول 2013. ففي حين أن جميع الدول بما فيها أعضاء مجلس الأمن، تتفق على رفض استخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية (…) لكن الرئيس الأميركي في وقتها، باراك أوباما، تردد في التصرف عندما استخدمت قوات الأسد بالفعل أسلحة كيماوية ضد السوريين في أواخر آب من ذلك العام. وكذلك فعلت الأمم المتحدة (…) إذأ لم تستطع الأمم المتحدة أو القوة العظمى الرائدة في العالم أو ما يسمى بالمجتمع الدولي الالتزام بحماية المدنيين من الحرب الكيماوية والبيولوجية، فمتى سيتحرك أي منهم على الإطلاق؟

(…) لقد أصدر المستشارون الخاصون وأسلافهم، منذ اندلاع الصراع في العام 2011، 19 بيانًا عامًا يعبرون فيها عن قلقهم إزاء الجرائم المختلفة التي تُرتكب في سوريا، لكن أيا منها لم يحدث فرقاً بالنسبة للسوريين. ليس هناك من دليل أكثر وضوحاً على ضعف قدرة الأمم المتحدة على إحداث التغيير وإنقاذ عدد هائل من أرواح السوريين التي أزهقت، على الرغم من الدور الحيوي لوكالاتها الإنسانية، بما في ذلك اليونيسف وبرنامج الغذاء العالمي والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

في هذا السياق، تطرح علامات استفهام حول قدرة العالم على إيجاد بديل للمسؤولية عن الحماية. وبالنظر إلى الوضع الراهن، من غير المحتمل التركيز على تعلم العبر من سوريا أو العكوف على إعادة تطبيق أنظمة الحماية. وقد يقضي الخيار الثاني بآلية بديلة إما تتجاوز مجلس الأمن أو الأمم المتحدة كليًا. وتميل الكفة الأكثر ترجيحاً للتخلي تمامًا عن مفهوم المسؤولية الجماعية وترك الأفراد الأكثر ضعفًا في العالم مجردين من أي حقوق أو حماية في أوقات النزاع. ليس هذا بمسار يستحق الدفاع عنه ولا يمنح الراحة لأي كان. في نهاية المطاف، تقع مسؤولية حماية الشعب على عاتق حكومة أي دولة. وتمحور الهدف من “مسؤولية الحماية” حول إنشاء شبكة من الأمان إذا فشلت الحكومة بتوفير تلك الحماية، أو الأسوأ عند قيام هذه الأخيرة باستهداف شعبها. مع موت هذه العقيدة في سوريا، ستبقى تأثيرات الحرب على العلاقات الدولية وعلى شرعية الأمم المتحدة وعلى قدرة العالم على التعامل مع الفظائع وجرائم الحرب، ملموسة لسنوات مقبلة. وفي حال عجز العالم عن استخلاص العبر من إخفاقه الجماعي في حماية الشعب السوري، وبقي دون بدائل لتجنب تكرار مثل هذه المأساة، لن يلوح في الأفق سوى مستقبل سيئ بالفعل!”

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً