اللبنانيون يترقبون نشرة “بحنس” أكثر من سعر الدولار!

زياد سامي عيتاني

منذ الزلزال المدمّر الأول الذي ضرب تركيا وسوريا، وأحدث هزة ارتدادية بقوة 4,3 درجات على مقياس “ريختر”، تسبّبت بحالة هلع وذعر وتوجّس لدى اللبنانيين، خصوصاً وأنّها أتبعت بهزات متتالية، باتوا يترقبون النشرة التي تصدر عن مركز بحنس المتخصّص برصد النشاط الزلزالي، أكثر مما يترقبون سعر صرف الدولار الأميركي!

وما زاد من ترقّب اللبنانيين لما يصدر عن مركز بحنس ليس توالي الهزات، بل التكهنات والتنبؤات العشوائية من دعاة المعرفة “الجيولوجية” بكلّ ما تحدثه من زيادة الخوف والقلق، ما استوجب التفتيش عن معلومات مثبتة علميّاً ومفاهيم ومعطيات صحيحة، ذات مصداقية، بعيداً عن التفسيرات العشوائية، غير المنطقية، والتي لا تمتّ إلى العلم بصلة.

فما هو مركز بحنس، وما هي اختصاصاته وقدراته الاستكشافية؟

مركز بحنس ينبثق عن المجلس الوطني للبحوث العلمية، الذي أنشئ في العام 1962، بهدف تطوير البحث العلمي وتوجيهه لتلبية احتياجات لبنان وتعزيز التنمية فيه، تنبثق عنه أربعة مراكز، هي:

– المركز الوطني للجيوفيزياء (بحنس).

– المركز الوطني لعلوم البحار.

– المركز الوطني للاستشعار عن بُعد.

– الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية.

الرصد الزلزالي بدأ في مركز كسارة:

لأنّ لبنان يقع على الفالق المشرقي الذي يفصل بين الصفيحة العربية من الشرق والصفيحة الأفريقية من الغرب، ويمتد من البحر الأحمر جنوباً، حتى تركيا شمالاً، كان ثمة ضرورة لإنشاء مركز لرصد الزلازل، بحيث بادر الآباء اليسوعيون الى ذلك، خصوصاً وأنّ لبنان شهد زلازل تاريخية مدمّرة منها: زلزال تموز 551 الذي دمّر مدينة بيروت وأودى بحياة 30000 شخص، وتسبّب بظهور أمواج تسونامي، وزلزال أيار 1202 على فالق اليمونة الذي تسبّب بدمار كبير وأدّى الى إنهيار 31 عموداً من أصل 40 في معبد جوبيتر في قلعة بعلبك.

إذاً، يعود تاريخ الرصد والتسجيل الزلزالي في لبنان إلى بداية القرن العشرين في مرصد الآباء اليسوعيين في منطقة كسارة قرب زحلة، وإستمر العمل فيه حتى العام 1975. ثم تأسّس مركز بحنس ليشكّل بديلاً عنه، وهو أقدم المراكز التابعة للمجلس الوطني للبحوث العلمية.

المركز الوطني للجيوفيزياء:

هذا المركز معروف بـ “مرصد بحنس”، لأن مركزه منطقة بحنس، ومتخصّص في رصد الزلازل. ويهدف إلى تقويم الخطر الزلزالي في لبنان من خلال:

– دراسات علمية.

– الرصد الزلزالي بواسطة الشبكة الوطنية التي تضمّ محطات عدة، منتشرة على الأراضي اللبنانية (بينو، حوقة، الفاكهة، زحلة، راشيا الوادي، شبعا، القرعون، دير القمر، بيروت وبحنس)، وترتبط بالمركز الرئيس بواسطة تقنية 3G ، هذه الشبكة التي تُدار إلكترونياً في مراقبة نشاط الفوالق الزلزالية في لبنان، وتصدر نشرة شهرية حول النشاط الزلزالي في كل العالم.

– دراسات بريّة وبحريّة للفوالق الناشطة.

– دراسة تشوّهات القشرة الأرضية بواسطة شبكة الجودزة الفلكية.

– قياس مستوى المد والجزر بواسطة جهازين، يرتبط أحدهما بشبكة إنذار التسونامي في البحر المتوسط.

كما يركّز المركز في الوقت نفسه على الدراسات والنشاط الزلزالي المتولّد من الفوالق الموجودة في عرض البحر أمام الشاطئ اللبناني.

تطبيق (LebQuake):

أطلق المركز الوطني للجيوفيزياء التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمية، أواخر العام 2018، تطبيقاً هاتفياً (LebQuake)، لتوفير المعلومات عن الهزّات الأرضية للمواطنين في لبنان. والهدف من إطلاق التطبيق، توفير المعلومات العلمية في شأن الهزات الأرضية بصورة أسرع وأدقّ إلى جميع المواطنين. ففي حال حدوث هزة أرضية، يوفّر التطبيق إشعارات سريعة للمواطنين عن:

– قوة الهزّة على مقياس ريختر (Magnitude).

– توقيت حدوث الهزّة حسب التوقيت المحلي والعالمي.

– موقعها (إحداثيات).

– بعدها عن مدينة بيروت، وعن أقرب بلدة رئيسة، وعن الشخص الذي يستخدم التطبيق.

ويوفّر التطبيق فرصة للأفراد الذين شعروا بالهزة للتبليغ، ما يساعد المركز الوطني للجيوفيزياء على فهم الشدة الزلزالية (Intensity)، وتوزّعها جغرافياً، ويمنح المواطن دوراً مهماًّ في تحديد الخطر الزلزالي في لبنان.

غياب تدابير الدولة:

الجدير بالذكر في هذا السياق، أنّ لبنان كان قد عقد في العام 2018 مؤتمراً حول “معالجة آثار الزلازل والوقاية منها” بالتعاون مع “الجمعية اللبنانية للتخفيف من أخطار الزلازل” وخرج بمقررات حول التدابير المعتمَدة من الأجهزة الرسمية، للحماية من الزلازل والتخفيف من أخطارها، قبل الزلزال وأثناءه وبعده.

وأشار يومها نائب رئيس الجمعية المهندس راشد سركيس، إلى دور الهندسة “الجيوتقنية” في الحماية من الزلازل وضرورة إلتزام أعلى درجات الأمان، عبر إعتماد المعايير الملزمة في السلامة العامّة.

وقال: “لا نستطيع بالعلم وقف الهزة الأرضية، إلا أننا نستطيع إتخاذ التدابير التي تحمي وتخفّف من الآثار. وهي ليست مستحيلة إنّما سهلة المنال إذا عرفنا كيف نصرف عليها القليل من المال”….

لكن الدولة اللبنانية لم تتبنَ تلك التوصيات، بل جرياً على عادتها، وضعت كلّ ما تمّ التخطيط له على الرف (!) تاركة البلد والناس والمنشآت والمباني، مكشوفين أمام الهزات، متحصنين برحمة الله تعالى ولطفه.

شارك المقال