التدهور نحو الاسوأ… في غياب المبادرات

هيام طوق
هيام طوق

انه التدهور المخيف الذي يلقي بظلاله على المشهد الداخلي على جميع المستويات، السياسية والاقتصادية والمالية والمعيشية والحياتية والتربوية، مترافق مع انهيار سريع وغير مسبوق لليرة اللبنانية، وارتفاع كبير في سعر صرف الدولار، وما يرافقه من تداعيات سلبية على المواطنين والشعب الفقير الذي يدفع وحده الفاتورة باهظة من جيبه وأعصابه وهمه ومعاناته اليومية.

بحسب أحد المراقبين، فإن الانهيار يسير كالنار في الهشيم الذي تتلاعب به العواصف والرياح العاتية من دون أن تحرك السلطة ساكناً لفرملته أو كبحه ربما لأنها أرادت فعلاً لا قولاً أن تحرق البلد وأهله بنار جهنم. ومع اشتداد التأزم غير المسبوق، تبدو الحلول مستعصية، في ظل استمرار سياسة التلكؤ والتقاعس والهروب من تحمل المسؤوليات ما يوحي بأن الامور تفلتت، وخرجت عن السيطرة بانتظار ارتطام كبير أو انفجار اجتماعي أو فوضى أمنية أو تطورات دراماتيكية يمكن أن تؤدي الى انزلاقات خطيرة.

واذا كان الانسداد السياسي سيد المرحلة خصوصاً أن الغالبية تجمع على أن انتخاب الرئيس وانتظام العمل السياسي يمكن أن يضعا البلد على السكة الصحيحة، فإن الانسداد أكبر على المستوى المالي حتى أن لبنان يتبوأ المراكز الأولى عالمياً في سباق التضخم، وفقاً لمؤشر “هانكس” العالمي.

وفي ظل هذا التدهور السياسي والمالي، لا بد من التساؤل: هل وصلنا الى المرحلة الأخيرة من الانهيار أو أن الأسوأ لم يحصل بعد؟ وماذا ينتظرنا في المرحلة المقبلة؟

أكد النائب عبد الرحمن البزري أن “الخلل كبير، والأزمة السياسية تترجم بشغور كما ترجمت أمس (الأول) في تعطيل اللجان النيابية كما في النقاش حول ما تستطيع أو لا تستطيع أن تقوم به الحكومة. هذه التعقيدات السياسية أنتجت تعقيدات اقتصادية ومالية، وانعكست على مختلف أوجه الحياة وصولاً الى الانهيار المؤسساتي بحيث أن معظم المؤسسات الرسمية معطلة اضافة الى الكباش مع المصارف. كل ذلك، يشكل ضغطاً على المواطنين والقبول بالأمر الواقع، بالاضافة الى غياب أفق الحل السياسي مع العلم أن الوضع الداخلي أصبح صعباً لدرجة أن أي مبادرة داخلية التي تعتبر أحد المخارج الرئيسة، باتت صعبة نتيجة تموضع الفرقاء خلف متاريسهم السياسية وغياب الأفق الجدي لأي مبادرة. وهذا ما ينعكس على الواقع كما أن عدم ظهور أي نتيجة ايجابية من مؤتمر باريس سوى التمنيات، أعطى صورة غير مشرقة”، مشدداً على أن “ما يحصل خطير، ويستوجب حواراً داخلياً حقيقياً وجدياً للتوافق أقله على فرملة الانهيار رأفة بالناس لأن الازمة السياسية تنعكس عليهم مباشرة”.

ورأى أن “ليس هناك ما يسمى المرحلة الأخيرة أو الأولى للانهيار انما هناك عملية تفتت للمؤسسات وانهيار لسعر صرف العملة، ودولرة معلنة رسمية وغير رسمية. في لبنان ليس هناك من مهل أو أن هناك مرحلة صعبة ويتم تخطيها انما يمكن أن ننتقل من ظرف صعب الى ظرف أصعب”، متمنياً على القوى السياسية “أن تقوم بمبادرة لوضع أسس وثوابت للحل على أمل أن نعطي بعض الانطباع الايجابي الذي يبطئ الانهيار بحيث يساهم حينها الأصدقاء والأشقاء العرب في انقاذ البلد”.

وأشار البزري الى “أننا لا نرى حلاً قريباً في الأفق، ونأمل أن تكون حساباتنا خاطئة، وعلى الرغم من تسارع الأحداث، لم نفقد السيطرة كلياً كما لا يمكن القول ان هناك سيطرة كاملة انما وضع يتدهور، وعملية انهيار تسير بصورة تصاعدية لمختلف المؤسسات”.

أما النائب السابق محمد الحجار فذكر بأن “رئيس الجمهورية السابق ميشال عون كان بشرنا بأننا متجهون الى جهنم، وها قد وصلنا اليها، وننحدر سريعاً باتجاه قعرها”، معتبراً “أننا نعيش اليوم تفككاً كاملاً للدولة، وتحللاً لاداراتها، وتعطيلاً لمؤسساتها الدستورية بدءاً من الفراغ في رئاسة الجمهورية الى تعطيل المجلس النيابي الى شلّ الحكومة. وما حصل في اللجان النيابية المشتركة أمس (الأول) مؤشر ودليل على أن حتى التشريع في اللجان بات صعباً، وكل ذلك يدل على أن الأمور متجهة نحو الاسوأ، ونحو الانهيار الكامل، ومردّ ذلك في رأيي الى وجود طبقة سياسية بأكثريتها الساحقة لا تقيم وزناً للمصلحة الوطنية، وتتقدم عندها المصالح الطائفية والمذهبية والفئوية على مصالح الوطن والمواطنين. وطالما أن هذه العقلية والذهنية سائدة في مقاربة الأمور المصيرية يعني أننا ذاهبون الى الأسوأ، والله يحمي لبنان”.

وقال الحجار: “اننا بفعل ما نشهده وذكرته نتجه اليوم نحو الفوضى الشاملة التي يعززها ويغذيها شلل تام للمؤسسات الدولاتية وعدم القدرة على اتخاذ قرار يبلسم بالحد الأدنى أو يحدّ من معاناة وآلام المواطن اللبناني الباحث من دون جدوى عن تأمين قوت عائلته أو عن دواء لمرضاه، وربما تنحدر الأمور الى فلتان لا يمكن لجمه، وبالتالي الى انهيار أمني شامل لا سمح الله. المؤسسات الامنية والعسكرية، تطمئن بأن الأمن ممسوك حالياً، لكن الى أي درجة؟ الجرائم المتتالية التي شهدناها في الآونة الاخيرة مثل قتل الشيخ أحمد الرفاعي والرجل الذي قتل زوجته أمام أعين الناس، وغيرها، هذا النوع من الفلتان، والتفلّت من أي ضوابط يفرضها وجود الدولة، يشجع الناس على أن تتصرف على هواها”.

أضاف: “اذا كان التفلت لا يزال فردياً اليوم، فيمكن في المرحلة المقبلة في حال استمرت الأوضاع على ما هي عليه، أن يتحول الى تفلت وانهيار أمني شامل لا يستفيد منه الا من لا يريد دولة في لبنان. نحن اليوم نعيش تداعيات طبقة سياسية تتصرف بغالبيتها الساحقة بأنانية وفق مصالحها، يفاقم في أحوالها حزب يرهن البلد لحساب مصالح المشروع الايراني في المنطقة، ولا يخفي تبعيته المطلقة لهذا المشروع”.

ونبّه على أن “الأحزاب والقوى السياسية إن لم تعد حساباتها وغلّبت في أدائها ومواقفها مصلحة البلد قبل أي أمر آخر وعملت بصورة سريعة على تأمين انتخاب رئيس جديد للجمهورية وحكومة جديدة، يعني أن الخطر سيتعاظم ويتكاثر، وربما نصل الى نقطة اللاعودة”.

شارك المقال