غادة… جسّدت بتفوّق الاضطرابات “العونية” في الجسم القضائي! (٢/٢)

زياد سامي عيتاني

القاضية المتمرّدة غادة عون، لم تكن تفوّت فرصة، ولا تضيّع مناسبة، خلال العهد “العوني” البائد، الا وتتعدى صلاحياتها واختصاصها، بكلّ انحراف وضلال وشذوذ وظيفي، إلى أن تحوّلت من قاضية إلى “مقرصنة” ساطية.

فالقاضية المشحونة دوماً بالتوتر(!) كانت تتبع أسلوباً لم يسبقها اليه أحد من القضاة قبلاً، في طريقة فتحها واختيارها للملفّات، معتمدة على الاستعراض الاعلامي، كجزء من المنظومة الدعائية السياسيّة (التضليلية) لـ”التيار الوطني الحر”، الذي يستخدمها بوصفها القاضية التنفيذية للتوجيهات “الباسيلية – الجريصاتية”، (من دون حاجة الى تقديم الحجج والبراهين)، للإمعان في تسييس القضاء “المتهالك”، وتجريده مما تبقى فيه من قيم النزاهة والترفّع.

وفي ما يلي غيضٌ من فيض الارتكابات التي طفحت في السنوات القليلة الماضية، لقاضيةٍ، يقع ضمن اختصاصها احترام القانون وتطبيقه، بهدف صرف الأنظار عن المسؤولية الجرمية للعهد “الجهنمي” والطغمة الحاكمة، بالتكافل والتكاتف، عن انهيار النقد الوطني والمالية العامة، المعطوفين على الاستيلاء على أموال المودعين، وما تسبّب به ذلك من كارثة إقتصادية وإجتماعية:

البداية، كانت في العام 2021، حين بدأت غادة عون بملاحقة ميشال مكتف وشركته، متهمة إياه بالقيام بتحويلات مالية إلى خارج البلاد في نهاية العام 2019، مع العلم أنّ ممارسات الشركة قانونية بالكامل، وفقاً لتقارير صادرة عن السلطات النقدية اللبنانية والأميركية والأوروبية.

وكانت عون قد إنكّبت مراراً وتكراراً على تفتيش مقر “شركة مكتف” بحثاً عن أدلّة تدعم دعواها القضائية، مطلقة صرخاتها بفظاظة أمام جميع وسائل الاعلام المحلية، وإلى جانبها أنصار “التيار الوطني الحر” وعناصر جهاز أمن الدولة (المقرب من التيار)، ومن ثمّ إقتحمت المؤسّسة ومعها حدادون ونجارون ومختصون في الخلع وكسر الأقفال ومختصون في الكمبيوتر، وبعد عملية تكسير مدخل المؤسّسة، دخلت إليها وحطمت الأبواب وسرقت أجهزة الكمبيوتر، ووضعت يدها على وثائق خاصة بالشركة، علّها تجد شيئاً (!) وعمدت إلى حفظها بصورة غير قانونية في منزل راهبة معروفة بتماهيها مع النظام السوري، وهي لا تزال تحتجزها، خلافاً للقانون.

وحتى حين توفى مكتف لاحقاً، ووجهت الاتهامات اليها بأنها كانت وراء موته بذبحة قلبية، كان تعليقها، بكلّ تجبّر وعنجهية: “القاضي النزيه المؤمن برسالته، ما عندو أعداء. هو يقوم فقط بواجبه احتراماً لقَسَمه بتطبيق القانون، وملاحقة المُرْتَكِب حماية للمجتمع. ولذلك كلّ إستثمار رخيص لحادثةِ موت مُفْجِعة هو فقط إنحطاطٌ أخلاقي”.

لم تتوقف القاضية “المتمردة” عند هذا الحد، بل تجاوزته إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي إقترح التجديد له خلال جلسة لمجلس الوزراء في 24 أيار 2017، رئيس الجمهورية نفسه ميشال عون من خارج جدول الأعمال، وتمت الموافقة على الاقتراح في أقل من دقيقة، لولاية كاملة، بناءً على إصرار الوزيرين جبران باسيل وسليم جريصاتي.

وهنا لا بدّ من الاشارة إلى أنّ التجديد لسلامة، لا يرتبط بضرورات لها علاقة بالمحافظة على قيمة العملة اللبنانية، بل كان بمثابة “رشوة” للافادة منه، عبر بنك “سيدروس”، المعروف لمن تعود أكبر مساهمة فيه! خصوصاً وأن سلامة سبق له أن قد قدّم خدمة إلى “سيدروس”، عبر السماح بتحويل رخصته من مصرف إستثماري إلى مصرف تجاري عام 2017.

بعد التجديد لسلامة، منح البنك المذكور تسليفات بالليرة اللبنانية بفائدة متدنية تبلغ 2 في المئة، وفي اللحظة نفسها، وظّف البنك هذه التسليفات لدى مصرف لبنان على فترة 10 سنوات بفائدة تبلغ 10.5 في المئة. وهكذا كسب البنك ربحاً سنوياً من فارق الفائدة (8.5 في المئة) من دون أن يقوم بأيّ عمل أو يوظّف أيّ رأسمال أو يتحمّل أي مخاطرة.

وعندما انتفت مصلحة باسيل من “خدمات” الحاكم، أَذِن للقاضية عون بخوض معركة لا هوادة فيها مع سلامة، لتحميله مسؤولية الانهيار المالي والاقتصادي، وتبرئة العهد وشركائه السياسيين، (من دون أن نسقط في هذا العرض، أن مصرف لبنان يتحمّل مسؤولية هذا الإنهيار إلى جانب الدولة والمصارف). فبدأت لعبة “القط والفار” بين القاضية عون وسلامة، بحيث لم تتردّد، في سياق البحث عنه، في دهم مقر “المركزي” وتفتيشه غرفة غرفة، قبل أن تُردّ على أعقابها من أمام مكتبه لأنها تعدّت نطاق إختصاصها الجغرافي، بعدما كانت قد داهمت منزله مرتين.

بعد ذلك، سُمح لعون بتجاوز الخطوط الحمر من خلال توقيف شقيق حاكم “المركزي” رجا سلامة، بعدما قام قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور، بإصدار مذكرة توقيف وجاهية بحقه.

وفي سلوكها ما بعد خروج عون من قصر بعبدا، إستمرّت تُجاهِر برغبتها في الوصول إلى حقائق تراها غير قابلة للمساومة، فبدأت تشنّ معارك ضارية ضد بعض المصارف، دون سواها، مدعية عليها، لترتكب مرة جديدة مخالفات قانونية، مخلة بالقضاء وإستقراره.

ويكمن الخلل في الدعاوى الخاصة بالمصارف، في الصلاحية المكانية، بحيث جرت الادعاءات من نيابات عامة في محافظات خارج بيروت، ولا سيما النيابة العامة في جبل لبنان، فيما المصارف مسجلة في العاصمة.

كذلك، فإن تلك الدعاوى، بحسب مصادر قانونية ومصرفية، وجهت إتهامات خطيرة للغاية إلى رؤساء مجلس إدارتها، بالاختلاس وغسل الأموال، من دون أن تكون مقرونة بدلائل وبراهين دامغة، مما قد يتسبب بقطع قنوات التواصل المالي مع البنوك المراسلة، وبالتالي إيقاف المعاملات والتحويلات والاعتمادات التجارية التي تتولاها البنوك المراسلة، الأمر الذي سيلحق الضرر الفادح بالاقتصاد الوطني.

لا شك في أن حملة عون ضدّ المصارف، تنقسم النظرة التقويمية حيالها إلى فريقين، كأي حدث في لبنان:

* الأول، ينقسم إلى فريقين:

– الأول: متعاطف معها، بصفتها مؤيّدة للرئيس عون ولـ “التيار الوطني الحر” في معركتهما ضد المصارف وحاكم مصرف لبنان.

– الثاني مُتعاطِف مع معركةٍ مُطْلَقة ضد المصارف، كونها مسؤولة عن فقدان اللبنانيين مدخراتهم، ولكن من دون التعاطف مع القاضية عون سياسياً.

* الفريق الثاني: الذي يؤيّد المصارف ويناهض “التيار الوطني الحر” سياسياً، يرى أن ما تقوم به من إدعاءات وملاحقات، هو إستهداف للقطاع المصرفي وضرْبٌ له.

بمعزل عن الفريقين، وحتى لا يفهم من مقاربتنا هذه، إسقاط المسؤولية الجرمية عن المصارف، الشريكة في إنهيار عملتنا الوطنية والحجر على أموال المودعين، فإن الموضوعية تقتضي، بعد كف يد القاضية عون عن هذا الملف “الحساس”، تكليف قاضٍ مشهود له بالكفاءة والنزاهة، والتجرد من أي إنتماء وولاء لغير مهنته، تولي هذا الملف، ومنحه صلاحيات كاملة، بما في ذلك رفع السرية المصرفية عن رؤساء مجالس إدارة المصارف ومدرائها، وكل من يقتضيه مسار التحقيق، وذلك لاتخاذ ما يلزم من تدابير وإجراءات في سبيل تطبيق أحكام القانون ومنع تجاوزه والمحافظة على حسن سير العدالة في قضية من أخطر القضايا التي ربما يتوقف على نتائجها مستقبل لبنان المالي والاقتصادي.

لأن العدالة لا يمكن أن تكون إنتقائية، ولأن المنظومة ليست فريقاً سياسياً واحداً، ولأن المصارف لا تمثل جهة سياسية محددة وحسب، بل هي “كارتيل” يجمع التركيبة السياسية بكل تقاطعاتها، بما في ذلك “التيار الوطني الحر”، ورئيسه تحديداً، الذي كان المستهدف الأول في ثورة 17 تشرين، وأنشد له نشيد خاص، وفي الوقت الذي تكتفي فيه القاضية العونية، بملاحقة خصوم تيارها، وهو ما يشكل خروجاً عن قواعد العمل القضائي، فإن كف يدها، بات مطلباً قضائياً، قبل أن يكون سياسياً.

وهنا، لا بد من طرح السؤال: لماذا لا يحرك المدعي العام المالي القاضي المميز علي إبراهيم ساكناً حتى الآن في هذا الملف، خصوصاً وأنه يندرج في جوهر وصلب إختصاصه؟

إقرأ أيضاً:
غادة… جسدت بتفوق الاضطرابات “العونية” في الجسم القضائي! (٢/١)

شارك المقال