“حارة حريك” لـ”بعبدا”: لن نقف في وجه بري

رواند بو ضرغم

نال الرئيس المكلف سعد الحريري تمسك حلفائه وخصومه بتكليفه تأليف الحكومة ورفضهم اعتذاره ودعمه في مسار تثبيت الصلاحيات، إلا أنه لا يزال يفتقد لتوقيع شريكه رئيس الجمهورية على مرسوم الحكومة… فالمفاوض الحقيقي بدلاً من رئيس الجمهورية هو النائب جبران باسيل الذي يمعن في استيلاد العقد العصية على الحلول. ففي العلن يقول إنه مع تأليف الحكومة بسرعة برئاسة الحريري لأن الأهم هو موضوع الإصلاحات، وفي الحقيقة أظهر خلال مفاوضاته مع “الخليلين” إمعاناً في فرض الشروط وصولاً إلى الثلث المقنع على الرغم من قراره بعدم منح الحكومة الثقة.

الرئيس المكلف يعلم أنه مدعوم من الثنائي الشيعي، ولا يتوقع من “حزب الله” أن يضغط على باسيل. فالحريري يفكر بعقلانية وواقعية ويدرس خطواته السياسية بتمعن، فما فائدة وقوف كل الأطراف الداخلية والخارجية إلى جانبه من غير انتزاع توقيع رئيس الجمهورية ليؤلف حكومته وليبدأ بعدها بالخطوات الإصلاحية التي تثبط الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي؟

صحيح أن الدعم السني القاطب لاستمراره في التأليف والوقوف الشيعي إلى جانبه ومساندته، وعلى رأسهم رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ولكنه إذا استمر باسيل بتعطيل ولادة الحكومة سيجد الحريري نفسه أمام انهيار البلاد أكثر وتعمق الأزمات وانفلات سعر صرف الدولار أكثر فأكثر.. لذلك فإن الرئيس الحريري على مفترق طرق، إما أن يستمع إلى داعميه ويكمل مسار التأليف المستعصي وينظر إلى تفاقم الأزمات، وهذا الطرح مؤلم له لأنه لم يعتد أن يكون معطلاً للبلاد كما فعل الجنرال ميشال عون على مدى سنتين ونصف ليصبح رئيساً، وكما يفعل حالياً باسيل بتعطيل البلاد ليفرض تسوية جديدة تخوله أن يرث الرئاسة عن عمه… أما الطريق الآخر الذي قد يجد الحريري نفسه أمامه فهو الاعتذار الذي يُعتبر أقل تكلفة عليه من الاستمرار في تحمل التعطيل. ولكن خيار الاعتذار لن يكون إلا منسقاً مع حليفه الرئيس نبيه بري الذي يصارع العهد ويجابه خروق رئيس الجمهورية وصهره للدستور بتفسيره لهما في أسطر بيانات، وهو قال لعون باختصار: لا علاقةَ لك بالتكليف ولا بالتأليف ولا بتسمية الوزراء ولا بالتصويت.

مصادر مقربة من الرئيس عون نقلت استياءها من “حزب الله” على التزامه الصمت، وقالت إنه من الواضح أن بيان بري لم يصدر من غير موافقة الحزب عليه، وهذا ما يضرب أسس المشاركة الوطنية وفق اتفاق الطائف. ولكن على الرغم من استياء بعبدا من صمت حارة حريك ووقوف الحزب إلى جانب بري، الا أن قنوات التواصل المعتادة لا تزال قائمة بين الحزب والتيار أي بين جبران باسيل ووفيق صفا، وجرى اتصال بينهما للتنسيق في ما يخص إضراب الاتحاد العمالي العام وللحث على التهدئة، ولم يجرِ التطرق بين باسيل وصفا إلى الملف الحكومي وسجال بعبدا عين التينة… ورسالة الحزب إلى التيار ورئاسة الجمهورية وصلت باختصار: لن نقف بوجه الرئيس نبيه بري، ونقطة على السطر.

اتهام بعبدا لـ”حزب الله” بأنه كان يعلم ببيان بري نفته مصادر الحزب، وأكدت أن رئيس مجلس النواب لم يشاور أحداً قبل إصدار البيان، وهو لا ينتظر موافقة الحزب للرد على بيان بدأت به رئاسة الجمهورية للتصويب على مبادرة بري والوسطاء، إلا أن الحزب لا يريد أن تصل السجالات بين حليفيه إلى هذا الحد، ويفضل التهدئة والعودة إلى مساعي التأليف، لذلك شدد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم على أن ما يؤخر الحكومة لا علاقة له لا بموقع رئاسة الجمهورية ولا رئاسة الحكومة، ولا بموقع الطائفة وصلاحيات الموقع، ولا بمستقبل هذه الطائفة أو تلك الطائفة، كل الإشكالات قابلة للحل، ولكن تحتاج لبعض المرونة، مؤكداً أن “حزب الله في موقع الضغط والتشجيع والترغيب لحصول الاتفاق”. كما أشارت كتلة “الوفاء للمقاومة” إلى ضرورة التنازلات المتبادلة في ملف تشكيل الحكومة لأن التصلّب سيؤدي إلى تعطيل الحلول.

“حزب الله” سيبقى على الحياد إذا، وبيانات الرئاستين الأولى والثانية أعادت الاصطفافات السياسية، الا أن زوار قصر بعبدا يقولون إن رئيس الجمهورية سيطلق مبادرة تتخطى توجيه كلمة للبنانيين، وتتخطى الرسالة إلى مجلس النواب، وممكن أن تتخطى الكلام في بيانه عن دعوته إلى طاولة حوار. وتشير هذه المصادر إلى أن الرئيس عون يدرس كل تداعيات التصعيد السياسي والنقابي مع إصراره على منطوق كتابه بالحرف ويستكمل درس مبادرته قبل إطلاقها..

في المقابل، ترى المصادر أنه إذا كان تحرك عون يهدف إلى الدعوة إلى طاولة حوار لتأليف الحكومة، فكل الأطراف لن تشارك وعلى رأسهم الرئيسان بري والحريري لأن الدعوة تعد مخالفة للدستور.. أما إذا كان عنوان الحوار ترشيد الدعم أو البحث في الأزمات الاجتماعية، فمن الممكن أن تلبي الأطراف السياسية الدعوة وتشارك وتحجز كرسياً للنائب باسيل وحيداً بين كل خصومه… وهكذا يفرح قلب باسيل، إنما تبقى عقدة الكرسي الرئاسي تحول دون تأليف حكومة الإنقاذ.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً