الورقة العربية لم تعد خياراً في انتخاب الرئيس

هيام طوق
هيام طوق

على الرغم من تعدد القراءات والتحليلات حول اعلان الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله عن تبنيه ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، الا أن هناك اجماعاً على أن الاستحقاق الرئاسي دخل في مرحلة جديدة من دون أن يعني ذلك أنه بات قريباً، مع العلم أنه تسجل حركة ديبلوماسية لافتة في الآونة الأخيرة من سفراء الدول الخمس التي اجتمعت في باريس، وأبرزها الزيارات التي قام وسيقوم بها السفير السعودي في لبنان وليد بخاري الى المرجعيات السياسية والدينية.

ويقول البعض إن نتائج الحراك الديبلوماسي، مترافقة مع جولة الموفد البطريركي على الشخصيات المسيحية، يجب أن تظهر خلال أيام، وربما تؤدي الى التوافق على حوار وطني واسع يمكن أن يخرق جدار التعطيل، وبالتالي، انتخاب رئيس للجمهورية قبل الصيف المقبل أو المزيد من التشنج والتصلب في المواقف التي ترمي الاستحقاق في المجهول، وتسقط كل السقوف الزمنية. وخلاصة هذا الاستنتاج، تستند الى اعتراف “الثنائي الشيعي” غير المباشر من خلال تبنيه لترشيح فرنجية بأنه حاول خلال الأشهر الماضية، ولم ينجح، كما أن مرشح المعارضة النائب ميشال معوض لم يتمكن من الحصول على 65 صوتاً ما يعني وفق عدد كبير من المحللين السياسيين والمتابعين أن التوجه اليوم نحو خيار ثالث. وما يدل على ذلك، وعلى الانتقال الى مرحلة التفاوض على اسم جديد ما قاله السيد نصر الله في خطابه الأخير: “البلد يحتاج الى التهدئة والحوار والتواصل وإلّا يجب أن نتعايش مع الفراغ الرئاسي”. فيما دعا الشيخ نعيم قاسم الى “الحوار من أجل الوصول إلى نقاش الرئاسة. إطرحوا ما لديكم من أسماء ونضع كل الأسماء على الطاولة ونتناقش ونُفاضل بينها، ونرى القواسم المشتركة، وقد نصل إلى مكان أنّ مجموعة من الفرقاء يريدون هذا الاسم ومجموعة أخرى يريدون الاسم الآخر، وبالتالي، نذهب إلى الانتخاب، وينجح من ينجح ويُخفق من يُخفق”.

على أي حال، يسأل أحدهم: لماذا نحيد دائماً عن الخط، ونضيع البوصلة، ونفتش عما هو غير مجهول؟ بمعنى أن موقف السعودية معروف في ما يتعلق بصراع المحاور وبالدور الايراني في لبنان، والرسالة واضحة في المبادرة العربية التي حملها وزير خارجية الكويت قبل عام، وتتضمن بنوداً تحدد ماذا تريد دول الخليج والدول الأوروبية والأجنبية من لبنان. والخلاف اليوم ليس حول من يكون رئيساً انما حول ما سيقدمه هذا الرئيس للبنان، هل يريد لبنان المنتمي الى محور الممانعة أو لبنان العربي المنفتح الذي نعرفه؟ والسفير السعودي اليوم ربما يشدد على هذه الناحية في لقاءاته. وانطلاقاً من ذلك، لا بد من التساؤل: هل ستشكل بنود المبادرة العربية، المدماك الأساس في انتخاب رئيس الجمهورية المقبل والتي تنص على وقف تدخل “حزب الله” في الشؤون الخليجية والعربية، والتزام لبنان باستحقاقات مؤتمر الطائف كافة، وبقرارات الشرعية الدولية وقرارات جامعة الدول العربية، والنأي بالنفس الذي يجب أن يكون قولاً وفعلاً، ووقف كل أنشطة الجماعات المناوئة لدول مجلس التعاون؟ في حين، أكد السفير السعودي أن المملكة لا تدخل في الأسماء انما هي مع رئيس انقاذي غير متورط في قضايا فساد مالي وسياسي.

رأى الوزير السابق رشيد درباس أن “الأمور رهن بميزان القوى في الداخل والخارج، وحين يتوصل هذا الميزان الى حل ما، يتم الحديث بالورقة العربية وبنودها، والسير نحو الحلحلة، لكن اليوم ليس هناك من حل. المبادرة العربية لم تعد خياراً، والدخول العربي الى اللعبة اللبنانية أصبح لا غنى عنه لأن ما بات مسلماً به أن لا قيامة للبلد من دونه”، معتبراً “أننا اليوم كلاعبي كرة القدم الذين يمرون في مرحلة الاحماء قبل أن يعلن الحكم انطلاق المباراة، اذ أن كل الأطراف في لبنان في مرحلة الاحماء، ولم يحن بعد موعد المباراة، ولم يأت الحكم، وخطاب الفرقاء السياسيين يظهر التمترس خلف المتاريس المتعددة، لكن لن يستمر هذا التمترس الى أجل غير مسمى انما رفع السقف الى حين اللحظة التي سيتم فيها التفاوض.”

وأشار الى أن “التفاوض لن يحصل على الاسم بقدر ما سيكون تفاوضاً على الصفات التي تحتاجها المرحلة، والاتفاق على كيفية انتشال البلد من أزمته، وهذا يتطلب مستلزمات داخلية وعربية ودولية. وليحصل ذلك، لا بد من تخفيف التشنج”.

وقال: “اليوم نبحث عن تطوير أمر الدولة التي تُطبع لها حالياً ورقة النعي لأن شبكة الامان لم تعد موجودة، والحكومة لا يمكنها الاستمرار لوقت طويل على هذه الحال، وبالتالي، الوضع لم يعد يحتمل”. وأوضح أنه “في حال حصل التفاهم، فلا بد من أن تؤخذ المبادرة أو بنود الورقة العربية في الاعتبار، ولكن لن يحصل اتفاق على قاعدة أن فريقاً سيغلب فريقاً آخر، كما لن يكون هناك اتفاق متوازن جداً انما سيكون هناك نوع من التنازل بين الطرفين، لكن حجم التنازل لن يكون متساوياً. المراوحة أصبحت تشكل خطراً خصوصاً أن هناك كلاماً مسيحياً عالي السقف يتحدث عن فك الشراكة، وهذا الكلام تتضامن معه طوائف أخرى لا تزال صامتة، وأسوأ ما يمكن أن يحصل في لبنان فك هذه الشراكة”.

ووصف الصراع الداخلي بأنه “صراع ظلال، اذ أن الصراع الأصلي في الخارج، والظل هنا لا يملك القرار”.

وأكد النائب السابق غسان مخيبر أن “كل هذا الحراك الدولي والعربي اهتماماً بلبنان وبانتخاب رئيسه هو حراك مشكور، يدل على حرص الدول على استقرار المؤسسات اللبنانية، لكنه من جهة أخرى، يؤشر الى انعدام الوزن للبنان ولسيادته الداخلية بفعل ارتهان اللبنانيين وحاجة الدولة الى المساعدات الدولية والعربية لاسيما من صندوق النقد الدولي ومن دول الخليج العربي وفي مقدمها المملكة العربية السعودية، ما يضع السياسيين والنواب في مأزق بأن ينتخبوا أي رئيس لا ترضى عنه هذه الدول. اما على مقلب المحور الايراني المناهض للمحور الأول والذي يعبّر عنه حزب الله سياسياً في لبنان، فهو يعارض أي خيار لرئيس جمهورية لا يرضى عنه. في الخلاصة، المشهد المحلي والاقليمي والدولي، يؤشر الى واقع حزين جداً يتمثل في انعدام وزن السيادة الداخلية الدستورية اللبنانية، وارتباطها مباشرة أو غير مباشرة بمصالح خارجية”.

أضاف: “يبدو اليوم أن ما قد ينتج انتخاب رئيس الجمهورية، هو شخصية من الرجال أو النساء، الذين يمثلون قيم السيادة اللبنانية والحرص على المصلحة العامة وعدم الانجرار الى سياسة المحاور، والخبرة في زواريب السياسة، والقدرة على محاورة الجميع في الداخل والخارج من دون أن يعتبر أي من المحورين الرئيسين أن هذا الرئيس قد نُصب لخدمة مصالحه، وفي مواجهة محور على حساب محور آخر. التحدي اذاً، في انتخاب رئيس يمثل محور لبنان ومصالحه أولاً، وأن يكون مقبولاً من أي محور خارجي. هذا هو التحدي الحقيقي الكبير الذي يعوق انتخاب رئيس الجمهورية، واعادة انتظام العمل المؤسساتي في لبنان. وما الخلافات الدستورية سوى مظاهر خارجية وأعذار قانونية تسخر لتأمين مصالح سياسية باتت مكشوفة”.

شارك المقال