المراسلة الفرنسية… قضائية بمفاعيل سياسية؟

هيام طوق
هيام طوق

في خطوة مفاجئة، في مضمونها وتوقيتها، تلقى لبنان مراسلة من القضاء الفرنسي، تطلب من القضاء اللبناني استجواب شخصين توافرت لديها “شبهات عن تورطهما في عملية تفجير مقر كتيبة المظليين الفرنسيين قرب مطار بيروت الدولي بواسطة شاحنة مفخخة”، في 23 تشرين الأول من العام 1983، حين فُجّر مقر جنود المارينز الأميركيين في بيروت، ما أسفر عن مقتل 241 عنصراً من مشاة البحرية الأميركية وجنود من الجيش، وتزامن مع عملية تفجير أخرى لقيادة كتيبة المظليين الفرنسية، سقط فيها حوالي 58 جندياً فرنسياً. وبالتالي، تأتي المراسلة الفرنسية بعد مرور حوالي أربعين عاماً من التفجير.

وأدرجت السلطات الفرنسية الرسالة في سياق تعاون قضائي بين البلدين يستدعي تقديم المساعدة في إطار التحقيق الذي يجريه القضاء الفرنسي في هذا التفجير، وتطلب استجواب شخصين، هما يوسف خليل وسناء خليل، كمشتبه بهما بالتورط في جريمة التفجير المذكورة، الا أن الجانب اللبناني يتريث في الرد عليها، خصوصاً أنها تتناول جريمة سقطت بمرور الزمن. كما تشير المعلومات الى أن الاستنابة القضائية ليست مفصلة، وتحتاج الى توضيح من الجانب الفرنسي للتأكد من هوية الشخصين المشتبه بهما، في وقت يسأل كثيرون عما اذا كانت هناك رسائل سياسية جراء الاستنابة القضائية بعد كل هذه السنوات على التفجير، وما اذا كانت تأتي في سياق انخراط الفرنسيين في التحقيق في عدد كبير من القضايا بالتنسيق مع القضاء اللبناني، اذ أوفدت فرنسا قضاة الى لبنان للتحقيق في ملفات مالية كما في قضية تفجير مرفأ بيروت وغيرها.

وفيما تؤكد مصادر حقوقية أن جريمة تفجير مقر الكتيبة الفرنسية سقطت بمرور الزمن وفق القانون اللبناني، لكن لا نعلم ما هي الاجراءات التي يمكن أن يتخذها القضاء الفرنسي لمنع سقوط مرور الزمن، أوضح الرئيس السابق للمجلس الدستوري القاضي شكري صادر أن “الاستنابات تصل الى وزارة الخارجية التي تحولها الى المرجع المختص الذي هو وزارة العدل عبر وزير العدل، الذي يحولها بدوره الى النيابة العامة التمييزية لاجراء المقتضى المناسب ثم النيابة العامة التمييزية تنظر في الاستنابة اذا كانت تستوفي الشروط أو اذا كانت منقوصة، فتردها لمزيد من التوضيح”.

وأشار الى أن “هذا الجرم الارهابي حصل منذ 40 عاماً، والقضاء الجزائي اللبناني اذا كان لا يملك كامل المعطيات والمعلومات حول هوية أي شخص مطلوب، فلا يمكنه التصرف لأن هناك العديد من الأشخاص الذين يحملون الأسماء نفسها، وبالتالي، من الصعوبة بمكان أن تتحقق ما لم يقدم للدولة معلومات اضافية حول الشخصيتين”، مستغرباً “في حال كانت هذه الاستنابة موجودة طالما لم تسجل بعد في قيود النيابة العامة التمييزية، حتى أنها لم تترجم إلى اللغة العربية بانتظار ما يقرره النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات بشأنها، أن تصل من دولة كالدولة الفرنسية ناقصة الى هذا الحد مما يجعل من امكان تنفيذها أمراً شبه مستحيل. ثم ان ربط هذه الاستنابة بما تقوم به الدولة الفرنسية من تحقيقات اليوم من نسج الخيال، اذ أن القضية جرت منذ 40 عاماً، ويكفي القضايا العالقة اليوم التي تحقق فيها فرنسا. ومن يقول ان هذا الأمر يأتي في اطار الضغط على الدولة، يكون لا يمت الى واقع الأمور بصلة . جلّ ما في الأمر أن هناك تحقيقات تقوم بها السلطات الفرنسية، وقد تطلب من السلطات اللبنانية بالاستناد الى اتفاقيات دولية وثنائية في التعاون القضائي، استنابات، ولا يجوز التأويل والتفسير والوصول الى استنتاجات منطلقة من فرضيات غير قابلة للتصديق، وبعيدة عن الواقع”.

ورأى أن “الاستنابة بحد ذاتها كما يتحدث عنها الاعلام، لأننا لم نطلع عليها، تبرهن عن عدم جدية، ولا نعرف بعد هذه السنوات، لماذا أرسلت فرنسا مثل هذه المراسلة الناقصة؟ وربما تكون خبرية من نسج الخيال أو أن المعلومات حولها غير دقيقة، علينا الانتظار لنعرف الحقيقة. لدي الكثير من التحفظ عن حقيقة الاستنابة، والفرضية التي يعرضها الاعلام، ناقصة. من المستبعد جداً أن تكون الاستنابة واردة كما وصفت في الاعلام، لذلك، علينا التأكد من النيابة العامة التمييزية”، لافتاً الى أن “هناك ما لا يقل عن 20 استنابة تصل الى القضاء اللبناني من الدولة الفرنسية خلال السنة”.

وقال رئيس مركز “ليبرتي للدراسات القانونية والاستراتيجية” محمد زكور: “فوجئنا باستنابة صادرة عن القضاء الفرنسي تتعلق بشخصين وتطلب من القضاء اللبناني أن يصار الى استجوابهما. وهنا ندلي بالملاحظات التالية: بين فرنسا ولبنان تعاون على مختلف الصعد، لكن ما يلفت في هذه الحالة أن تلك الاستنابة جاءت خالية من أبسط أصول التبليغات التي يجريها أي قاضي تحقيق، اذ جرت العادة أنه عندما نريد الادعاء أمام قضاء التحقيق للتحقيق بشأن أي شخص يجب أن يذكر بيان كامل هويته بما فيها اسم الوالدة وتاريخ الولادة ورقم السجل كي يتم التأكد من هويته، الا أن الاسمين في الاستنابة غير واضحين وغير مكتملة المعلومات حولهما. ثم ان هناك انقضاء سنوات طويلة على واقعة الجرم. لذلك، نفهم أنها رسالة سياسية أكثر منها قانونية لأن التحقيق القانوني، ليتسم بالجدية يجب أن يأخذ في الاعتبار أموراً عدة كالتي ذكرناها”.

واعتبر أن “الحكومة الفرنسية تريد ممارسة المزيد من الضغط على لبنان الرسمي وغير الرسمي أي الاحزاب عموماً، وبالتالي، الاستنابة نوع من أنواع التلويح بأي تصعيد أو عقوبات قد تفرض على أشخاص أو أحزاب في المستقبل، لأن الاستنابة القضائية ان كانت جدية لا يجب أن تكون بالشكل الذي وصلت به”، مؤكداً أن “الدولة اللبنانية، لا يمكنها الاجابة عن الرسالة برسالة كأنها قد فهمت مغزى الأمر وأن الرسالة السياسية وصلت، بل عليها أن تفهم الرسالة على أنها قانونية وقضائية، وفي هذه الحالة يجب على القضاء اللبناني أن يطلب من القضاء الفرنسي، إرسال توضيحات حول بيانات المتهمين”.

وأوضح أنه “لا يمكن للقضاء الفرنسي أن يفرض العقوبات التي تفرضها الحكومات وليس القضاء، كما أن القضاء اللبناني لم يجب بأننا لم نتعاون انما سيطلب تحديد هوية وكامل بيانات المتهمين وتوضيحها. القضاء اللبناني ليس تابعاً للقضاء الفرنسي ولا ينصاع له، وبالتالي، لا يأمرنا انما أصول التعاون والتبادل القضائي بين البلدين، تلزم لبنان أن يقوم بالتحقيقات اللازمة التي هي نوع من أنواع التعاون”، مشيراً الى أن “الخطوة المنتظرة من القضاء اللبناني هو الطلب من القضاء الفرنسي توضيح كامل هوية المتهمين، مع العلم أن القضاء الفرنسي هو الذي يحقق وليس القضاء اللبناني، وبالتالي، القضية لا تخضع لمرور الزمن وفق القانون اللبناني لأن التحقيق يجري في فرنسا”.

شارك المقال