لهذا السبب فشلت 14 آذار!

عاصم عبد الرحمن

بعد مرور 18 عاماً على ذكرى 14 آذار 2005؛ لا يزال أولئك الذين انتفضوا في وجه الاحتلال السوري والسلاح غير الشرعي يستذكرون ثورة الأرز غير المسبوقة في التاريخ اللبناني منذ إعلان دولة لبنان الكبير، التي جمعت مختلف الأطياف والمكونات حولها وكانت لتؤسس لبناناً آخر غير الذي أرادته الوصاية، فما السبب الذي قتل مشروع 14 آذار في مهده؟

تميَّزت ثورة 14 آذار بأنها كانت شعاراً يرفعه كل مَنْ أراد بناء دولة، كل مَنْ حلُم بسيادة القانون، كل مَنْ رفض السلاح غير الشرعي، كل مَنْ انتمى حقاً إلى وطنه لبنان… لم تكن حكراً على طائفة أو مذهب أو حزب، كانت مشروعاً نهائياً لجميع اللبنانيين.

اليوم وبعد 18 عاماً على ولادتها لم تجف الصحف ولم ترفع الأقلام بعد في حضرتها، ولا تزال الكتابات حولها تنهمر غزارةً بحبر البحث في كيفية نشوئها وسحر تمددها وعفوية الالتحاق بها، كذلك معالجة أسباب فشلها لا بل موت مشروعها الذي تعددت أسبابه والنتيجة واحدة “عودة لبنان إلى زمن الوصاية”، وصاية الفقر والجوع والسلاح غير الشرعي والانعزال طائفياً والقوقعة سياسياً والتمترس حزبياً خلف شعارات عاجلها الزمن بسنين طوال.

وعلى الرغم من خروج الجيش السوري المطلب الأهم في تلك اللحظة إلا أنها توقفت عند المحطة الأبرز والحدث التحولي الأعمق كان لينتقل معه لبنان إلى حصاد الثورة التي روتها دماء رفيق الحريري وشهداء انتفاضة الأرز.

وإذا كان مَنْ يعتبر أن “حزب الله” تمكن من اختطاف تلك الثورة واستقطاب أبرز روادها إلى تحالف انتخابي رباعي (مع “المستقبل” و”الاشتراكي”) كذلك أحداث 7 أيار 2008 وما تلاها من تقارب اشتراكي – سوري تُرجم بخروج جنبلاطي من صفوف قوى 14 آذار عقب الانتخابات النيابية عام 2009 على الرغم من فوزها بالأكثرية النيابية في ولايتين متتاليتين، وضياع ذلك الفوز في فوضى حكومات الوحدة الوطنية نزولاً عند رغبة أقوياء الطوائف واحتراماً لمندرجات العيش المشترك، ناهيك عن اختطاف ميشال عون لنواب فازوا تحت مظلة جماهيرية 14 آذار ورميهم في أحضان الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله تنفيذاً لاتفاق مسبق مع السوريين قبيل عودته إلى لبنان تظهرت خيوطه تباعاً وتُوِّج بـ “تفاهم مار مخايل” في 6 شباط 2006.

وأعقب ذلك التسوية الرئاسية التي عقدتها “القوات اللبنانية” مع “التيار الوطني الحر” التي أتت بميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 تشرين الأول 2016.

قد يتراءى ما سبق ذكره من بضعة وقائع سياسية بين عامَيْ 2005 و2016 أنها الأسباب التي أدت إلى سقوط مشروع 14 آذار في بناء الدولة التي صدحت من أجلها حناجر اللبنانيين رافعين لها شعار الحرية والسيادة والاستقلال، أسبابٌ واجهتُها الطمع وجوهرُها التردد، إلا أنها لا شك نتائج وارتدادات للسبب الحقيقي الذي وقف عائقاً أمام بلوغ ثورة الأرز قمة الانتصار وهو “الجهل” في أن إسقاط نموذج الوصاية السورية وحارس السلاح غير الشرعي الرئيس القابع آنذاك في بعبدا الجنرال إميل لحود، سيؤدي إلى سقوط دور المسيحيين الريادي في الجمهورية اللبنانية وأن هذا الاسقاط سيضعف موقع الموارنة الأول في السلطة وسيتحول إلى عرف يتكرر عند رفض كتلة شعبية ما لرئيس قد لا يلبي طموحاتها.

رضخ قادة 14 آذار يومها لخشية البطريرك الراحل مار نصر الله بطرس صفير التي وشوشه بها بعض المسيحيين الذين استشعروا الخوف على مصيرهم جراء سقوط كامل منظومة الوصاية والاحتلال، جهلوا عمق الانتصار الذي كان ليتحقق لثورتهم ووطنهم ودورهم فيما لو أسقطوا رجل الوصاية وانتخبوا رئيساً سيادياً من صلب ثورتها يستكمل المشروع الحلم من قلب المؤسسات الدستورية محققاً سيادة الدولة والقانون ترجمةً لشعار الحرية والسيادة والاستقلال، هذا الرئيس كان ليجعل من قصر بعبدا محجاً للأحرار والسياديين والاستقلاليين، كان ليتحول إلى رمز الجمهورية، صانع الدولة وحامي الدستور، ولكن، عادت تلك القوى من منتصف طريق تحقيق حلم الحرية ومشروع السيادة ووطن الاستقلال بسبب جهلها وخوفها وترددها وربما طمعها بحفنة من سلطة زائلة.

مليونية 14 آذار 2005 أذهلت العالم فدفعت جورج بوش إلى مجاراتها ومطالبة الجيش السوري بالجلاء خارج الحدود وليس عند تخومها، كما ألهمت العرب ولو بعد 6 سنوات فأطلقوا ربيعاً عربياً…

شارك المقال