ميقاتي بين بكركي والفاتيكان… لبنان التعايش لا العصبيات

هيام طوق
هيام طوق

في توقيت مهم، بدت حركة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي باتجاه القيادات الروحية المسيحية لافتة، اذ زار العديد من القادة الروحيين قبل أن يزور الصرح البطريركي، لتتوج اللقاءات في الفاتيكان مع البابا فرنسيس ومسؤولين آخرين، في ظل تطورات وتحولات داخلية وخارجية، مفصلية خصوصاً بعد الاتفاق السعودي – الايراني، وترقب انعكاساته على لبنان كما على دول المنطقة، وبعد الهجوم العنيف الذي شنه رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل عليه حول ملف التجنيس. واعتبر مصدر مطلع في تصريح لموقع “لبنان الكبير” أن “زيارة ميقاتي الى بكركي، رسالة واضحة لباسيل الذي يتحدث دائماً بلغة طائفية بحجة الدفاع عن الحقوق المسيحية، والاتهامات الطائفية في تغريدته الأخيرة أقل ما يقال فيها انها هستيريا سياسية كما وُصفت في اللقاء بين البطريرك الراعي والرئيس ميقاتي الذي كرر تأكيد التزامه عدم الدعوة الى أي جلسة حكومية الا في حال الضرورة القصوى وبعد توافق الوزراء خصوصاً المسيحيون منهم. كما أن زيارته الى الفاتيكان، رسالة أخرى الى باسيل اذ سيتحدث عن أهمية الدور المسيحي في لبنان، والتأكيد أن حكومته لن تكون بديلاً عن رئيس الجمهورية، ليقطع الطريق أمام محاولات باسيل المتكررة بإظهار أن الحكومة تتعدى على صلاحيات الرئاسة الأولى، وأن كل ما يروج له التيار الوطني الحر تحت شعار الدفاع عن حقوق المسيحيين ورئاسة الجمهورية لا أساس له من الصحة”.

إذاً، عقد الرئيس ميقاتي، مع البطريرك بشارة الراعي، خلوة تناولت التطورات الراهنة والزيارة التي سيقوم بها الى الفاتيكان للاجتماع بالبابا فرنسيس. وبعد الزيارة، لفت رئيس الحكومة الى “أننا توافقنا في الرأي على ضرورة انتخاب رئيس الجمهورية في أسرع وقت. كما شرحت لصاحب الغبطة موضوع اجتماعات مجلس الوزراء وضرورة السهر على متابعة ادارة المرفق العام، وكان متفهماً جداً لهذه المواضيع. ولمن يتحدث ويقول إن مجلس الوزراء شرعي أو غير شرعي ويحق له أن يجتمع أو لا يجتمع، فليتفضل ويقوم بدوره في انتخاب رئيس الجمهورية في أسرع وقت، وهذا هو باب الخلاص. تطرقنا أيضاً الى الكلام المستهجن والبغيض الذي نسمعه عن الموضوع الطائفي والاتهامات الطائفية والتي أسماها صاحب الغبطة بالهستيريا السياسية. هذا الكلام اعتبره دليل افلاس سياسي في هذا الوقت بالذات، لأن المقاربة التي نقوم بها ليست طائفية، والقاصي والداني يعرف ما هو دوري وأنني لم اقم في يوم من الايام الا بدور وطني بكل ما للكلمة من معنى”.

وفي هذا السياق، رأى رئيس “المركز الإسلامي للدراسات والإعلام” القاضي الشيخ خلدون عريمط أن “الحركة السياسية التي يقوم بها الرئيس ميقاتي بالتشاور مع المراجع الدينية، تأكيد على أن لبنان بلد التنوع والتعايش والتلاقي بين الشرائع. من الطبيعي أن يلتقي المراجع الدينية، الاسلامية والمسيحية، ليؤكد أن لبنان التنوع والتعايش ولبنان الرسالة هو الذي سيستمر، وأن العصبيات المذهبية والطائفية والمناطقية الى زوال خصوصاً أن باسيل وقبله الرئيس السابق ميشال عون، يجسدان أسوأ أنواع العصبية الطائفية والمناطقية التي كانت تطمح الى ضرب صيغة لبنان، وطن العيش المشترك. باسيل يرى أن مشروعه أصبح في طريق الاختناق، أي مشروع العصبية والغاء الآخر بمعنى أنه يريد أن يبني لبنان على مقاسه، وعلى مقاس مشروعه. التلاقي السعودي – الايراني مقبرة لما كان يسير به باسيل من حيث أن يتحول لبنان الى بلد الصراعات وأن يكون ملحقاً ضمن محور فارسي”.

أضاف: “عندما يجد باسيل أنه محاصر شعبياً من خلال البيئة المسيحية، ومرفوض اسلامياً نتيجة تهوره وعصبيته، فمن الطبيعي أن يرفض أي خطوة فيها شيء من التلاقي بين اللبنانيين. الرئيس ميقاتي يسعى الى أن يعود لبنان الى دوره الوطني العربي، ودور التواصل بين العرب وبين العرب والدول الاقليمية والعالمية. باسيل في حالة فقدان التوازن السياسي نتيجة ممارساته السياسية، وعملية الغاء الآخر”.

وشدد عريمط على أن “لقاء الرئيس ميقاتي مع بابا الفاتيكان، وما سبقه من لقاء مع البطريرك الماروني يؤكد أنه يسعى الى لبنان الرسالة والتعايش. ومشروع اعادة العلاقات السعودية – الايرانية، يؤكد أن المشروع الفارسي في طريق التراجع لأن هذا التلاقي سيعيد الأمن والاستقرار الى لبنان والى سوريا والعراق واليمن. والسعودية عودتنا باستمرار أنها لا يمكن أن تعقد صفقات على حساب أشقائها العرب. والموقف السعودي واضح، وهو عدم التدخل في الشأن الداخلي لدول المنطقة، والمشروع الايراني واضح بالتدخل في شؤون المنطقة. وعندما يلتزم الايراني بعدم التدخل في شؤون لبنان ودول المنطقة كافة، فهذا يعني أننا نسير في الاتجاه الصحيح”.

وأشار الى أن “الرئيس ميقاتي يحمل الى الفاتيكان مشروع بناء دولة المواطنة ومشروع حقوق اللبنانيين، لأن مصطلحات حقوق فئة أو طائفة، مشاريع انتحارية في لبنان. الرئيس ميقاتي يحمل مشروع حقوق اللبنانيين بالحياة وبأن يعود لبنان لؤلؤة الشرق، والذي يجسد ثقافة المواطنة. شعار حقوق المسيحيين يؤدي الى شعار حقوق المسلمين، وهذا لا يؤدي الى مشروع بناء وطن. الرئيس ميقاتي كما الرئيس سعد الحريري، كانا ولا يزالان يعملان لمشروع بناء وطن اللبنانيين، وتعميق ثقافة المواطنة، وأنا على يقين أن الرئيس ميقاتي لا يمكن أن يسير في مشروع يتعارض مع القيم الاسلامية والوطنية. شعار حقوق الطوائف يجب أن يسقط ليحل محله حقوق اللبنانيين في كل مناطقهم وتوجهاتهم السياسية”.

وقال الكاتب والمحلل السياسي يوسف دياب: “من الواضح أن مواقف باسيل تدل على تخبطه لأنه يعيش عزلة سياسية غير مسبوقة، اذ بعد انتهاء عهد عمه، فقد السلطة بصورة كاملة، وفقد السيطرة على الحكومة التي تجتمع عند الضرورة كما أنه الحلقة الأضعف في المجلس النيابي حتى أن حليفه الوحيد تخلى عنه. في المقابل، يقوم الرئيس ميقاتي بحركة لافتة، وهو المسؤول الأول في الدولة في غياب رئيس الجمهورية. وبالتالي، يقوم بدوره الأساس في كل الاتجاهات، ويضع القيادات الروحية في أجواء ما تعانيه البلاد، ويطلع البطريرك الراعي على جدول مباحثاته في الفاتيكان. اذاً، مسار ميقاتي منفصل كلياً عن مسار باسيل بحيث أن الأخير يعيش حالة تخبط وعزلة، وميقاتي يمارس دوره في هذه الظروف. والواضح أيضاً أن الاتفاق السعودي – الايراني الذي طرأ على المشهد السياسي، سيزيد من عزلة باسيل وضعغه السياسي في الداخل لأنه اذا كان لا يزال يراهن على اعادة احياء التفاهم مع حزب الله، فالحزب اليوم أصبح في مكان آخر. وفي حال شمل الاتفاق كل ملفات المنطقة من اليمن الى العراق وسوريا ولبنان، فيبدو أننا ذاهبون باتجاه تسوية في الداخل اللبناني، لن يكون فيها حزب الله الأقوى. فما الحال اذاً بالنسبة الى باسيل الذي بات خارج الاطار أي لا مع هذا الطرف ولا مع ذاك؟ لذلك يعوض عن الضعف السياسي والحضوري والترهل في تكتله النيابي والاستقالات داخل التيار، ببعض الصراخ السياسي من حين الى آخر، لكنه ذاهب نحو مرحلة التحلل السياسي الذي لا يقضي على مستقبله وحسب، انما على وجود تياره”.

وأوضح أن “ميقاتي يقول لباسيل من خلال زياراته الى القادة الروحيين والسياسيين انه موجود في السلطة بقوة الأمر الواقع وليس برغبة منه، وليس صحيحاً أنه يصادر صلاحيات رئيس الجمهورية أو أنه يستأثر بالقرار السياسي في البلد. ويقول أيضاً أن من يتحمل مسؤولية ما آلت اليه الأمور هو من يعرقل انتخاب رئيس الجمهورية وباسيل واحد منهم لأنه كان معرقلاً قبل انتهاء ولاية العهد السابق. باسيل يناور في وقت مستقطع، ويحرق المزيد من الوقت، ويراهن على أن الأمور ستذهب باتجاه الاتفاق عليه كرئيس للجمهورية. التيار يعيش مرحلة أوهام وكوابيس”.

شارك المقال