ماذا بعد… والى أين؟

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

ما العمل؟ سؤال مطروح في الساحة اللبنانية بقوة بعد الاتفاق السعودي – الايراني، الذي في ضوء خطوات تنفيذه لا بد من أن يتخذ “حزب الله” ما يتناسب مع المتغيرات وأن يتوقف عن سياسة التوجيه والولية. لقد أحرق الأمين العام للحزب حسن نصر الله مرشحه لرئاسة الجمهورية سليمان فرنجية، لأنه لم يكن يعلم بالاتفاق الذي أعلن عنه بعد 24 ساعة، وكان قال إن من ينتظر مثل هذا الاتفاق سينتظر طويلاً، وعلى هذا الأساس أعلن عن مرشحه غير المرشح رسمياً حتى الآن، والذي يبدو أنه ذهب ضحية التبجح والاستعلاء والفرض.

أصبح من الواضح أن لا سليمان فرنجية ولا ميشال معوض في المقابل سيكونان ضمن الخيارات في انتخابات الرئاسة، والثنائي الشيعي الذي كان يسعى الى الحوار للاتيان بمرشح لا تقبل به الأحزاب المسيحية التي لن تغير عادتها في تسمية الرئيس الذي تراه مناسباً ولن تقبل بتجاهل موقف بكركي كرمى لمرشد الجمهورية، سيغيّر نغمته ويدعو الى التوافق على مرشح آخر، وبالطبع ليس من مصلحته الاتيان بمرشح يحمل برنامجاً انقاذياً ورؤية واضحة لانتشال البلد من هوة جهنم أي رئيس ليس على شاكلة رئيس تسوية 2016 ميشال عون، الذي استمتع بايصال اللبنانيين الى الجحيم وأحرق الدستور وحكم وفقاً لمصالحه وأهواء صهره، ونفذ تعليمات موجهه في القضاء على المؤسسات حتى التهمت الدويلة الدولة وصار من الصعب اخراجها من فم التنين.

لا شيء يوحي بامكان الخروج من الأزمة الرئاسية بواسطة الحوار الذي يهندسه الرئيس نبيه بري، مع أن التطورات الأخيرة تدفع بالأمور نحو التسوية وليس المواجهة بين قوى السلطة الموالية لـ “حزب الله” أو القوى السيادية والتغييرية، ولكن السؤال هل ينتج عنها الاتفاق على شخصية ثالثة؟ وهل ستكون لهذه الشخصية القدرة على اعادة تكوين مؤسسات الدولة ومعالجة المشكلات والأزمات التي يعاني منها اللبنانيون بكل فئاتهم الاجتماعية والسياسية والطائفية؟

وفقاً للتطورات، تشدد مصادر سياسية لـ”لبنان الكبير” على “ضرورة التسوية، بعدما تبين أن المطالب والشروط التي يضعها كل فريق في وجه الفريق الآخر المقابل غير قابلة للتحقق، فميزان القوى متعادل ولا يميل الى مصلحة أي فريق، لذلك كان الجميع يراهن على أن يتعب الفريق المقابل ويحسن ذلك من موقعه، ولكن هذا اللعب لم يعد ينفع لأنه يجري على أرضية هشة وسيقع الجميع في لجة مميتة، فالدولة مصابة بنزيف حاد ولا يمكن ايقافه بإنتظار إسعاف الخارج، وحري بأبنائه وقف النزيف مباشرة والا طار البلد”.

وتؤكد ضرورة تسريع الانتخابات الرئاسية، “لأن هذا الانجاز إن تحقق سيخفف من خطر زوال لبنان، والواضح أن ذلك يتطلب توافقاً داخلياً وعدم انتظار التصفيات الخارجية، والصورة واضحة بأن لا فريق قادر على الانتصار على الآخر، أو تسيير أمور الدولة وآليات الدستور وفق مزاجه ومصالحه، وبالامكان التوصل الى توافق على شخصية لا تغضب أي فريق من الفرقاء، شخصية قادرة على أن تحدث توازناً ولا تغلب مصالح فريق على فريق آخر، وهذا ممكن فهناك شخصيات قادرة على مسك العصا من النصف من دون ترجيح كفة على أخرى، وقادرة على إنعاش هذا الكيان الآيل الى السقوط وتأمين فرصة لاحيائه من جديد وانتزاعه من موت محتم في حال بقيت الأمور تراوح مكانها كما هو الحال اليوم”.

ولكن من هو القادر على القيام بهذا الأمر؟ ترد المصادر مستشهدة بالمثل الشعبي “بيت السبع ما بيخلى من العظام”، مشيرة الى أن “هناك شخصيات مؤهلة يستطيع الفرقاء غربلتها والتوصل الى اسم قادر على الجمع وغير منحاز، والمهم أنه لا بد من أن يقود البلاد ليس وفقاً للنكايات السياسية وانما عملاً بمصلحة البلاد والعباد، اذ لم يعد من الجائز وضع العصي في الدواليب لا عند السلطة التنفيذية ولا التشريعية كما كان يحصل سابقاً”.

وترى المصادر “أهمية ايصال الحوار حول الرئاسة الى رسم خارطة طريق للرئيس المقبل والتوافق عليها حتى يستطيع الرئيس التصرف وفقاً لبرنامج معين لا تجري عرقلة تنفيذه لا في مجلس النواب ولا في مجلس الوزراء، لأنه لا بد من تسيير الدولة ومؤسساتها واستعادة القانون والأهم التوصل الى خطة واضحة لاخراج لبنان من أزمته المالية والاقتصادية والقيام باصلاحات وهيكلة المصارف والنأي بالنفس فعلاً لا قولاً وما يتطلبه من اجراءات عملية بعدم استخدام السلاح في الخارج والتخلص من سياسات الغلبة والتراشق الاعلامي، وهذا لا يتطلب وصفات خارجية جاهزة لأن ذلك كمن ينتظر استواء طبخة البحص خصوصاً وأن كل دولة من دول العالم تبحث عن مصالحها في أي اتفاق قبل مصلحة الطرف المعني”.

وتعتبر أن “لبنان يعيش اليوم خطراً وجودياً ويعاني من أوضاع أمنية واقتصادية ومالية تؤشر الى حالة الفوضى التي يمكن أن تقع فلا تبقي ولا تذر، خصوصاً اذا استخدم لبنان ساحة صراع لقوى دولية متضررة من الاتفاق السعودي – الايراني”.

وتدعو هذه المصادر الى “ضرورة قراءة المتغيرات والتطلع الى الداخل، فلبنان لم يعد بقرة حلوباً وهو في حال وهن وضعف وانكسار والمطلوب مبادرة شجاعة ومواقف جريئة تعيد ترميم الهيكل وعدم أخذ البلد نحو مغامرات جديدة ومحاولات الانقلاب على الدستور وخرق التوازانات الدقيقة التي قام عليها للامساك بالبلد وتغيير هويته وموقعه ودوره. ومن هنا لا بد من التخلص من وهم الانتصارات في جعل لبنان ساحة في خدمة مشاريع ايران في المنطقة، وعليه فان قراءة المتغيرات صارت ضرورية ويجب التوقف للاجابة عن السؤال المضني إلى أين؟”.

شارك المقال