ربيع لبنان… بصحوة ضمير المسؤولين وعودتهم الى وطنيتهم

هيام طوق
هيام طوق

يتزامن عيد الأم مع انطلاق فصل الربيع، لكن ليس للعيد نكهة، وليس للربيع زهر وزهو. أين العيد وأين الربيع في بلد هو وفق التصنيفات العالمية الأكثر تعاسة، ووفق المؤشرات الاقتصادية الأكثر انهياراً، ووفق التقارير الاجتماعية الأكثر فقراً وجوعاً، ووفق المقاييس السياسية الأكثر فساداً وهدراً وسوء ادارة، ووفق المعايير الأخلاقية الأكثر بعداً عن الانسانية؟

فيما المنطقة تشهد تطورات ايجابية اعتبرت الأهم منذ سنوات، وربما تؤسس لفصل ربيع مقبل، تستمر المؤسسات في البلد بالانهيار والتداعي الواحدة تلو الأخرى، منذرة بخريف مديد، وبأفق مسدود، وبسماء ملبدة بالغيوم السود مع طبقة سياسية أتقنت فن الهدم والخراب، وأوصلت البلد الى حافة التفتت الكامل، وهي تعترف بلسانها أنه ربما لن يتمكن من الصمود أكثر من أسابيع قبل اعلان الانهيار التام، لكنها تستمر في المسار التعطيلي، ولا تقوم بأي خطوة متقدمة لانتخاب رئيس للجمهورية ثم تشكيل حكومة تفرمل الانهيار، وتبدأ بالاصلاح، وتضع البلد على السكة الصحيحة عله يتعافى من فيروس الكيديات والأنانيات وتغليب المصلحة الخاصة والمحاصصة والفساد.

وفي وقت كل الدول الشقيقة والصديقة، تطالب اللبنانيين بتحمل مسؤولياتهم، وبالتقارب في ما بينهم لانجاز الاستحقاقات الدستورية كي تأتي المساعدة والمساندة، الا أن كل تلك المناشدات لم تصل الى آذان المسؤولين الذين ينتظرون حلولاً سحرية من الخارج، ويعوّلون على اجتماع أو مبادرة أو لقاء بين دولة وأخرى يعفيهم من واجباتهم، وكأنهم لم يتعلموا من التجارب على مدى السنوات السابقة أو أنهم لا يريدون لأن البلد بمن فيه لا يهمهم، وما يحصل اليوم من ارتفاع غير مسبوق في سعر صرف الدولار الذي ينعكس جنوناً في أسعار المواد الاستهلاكية خير دليل على أن المسؤولين غير مسؤولين وغير مؤهلين وغير مبالين حتى لو مات الشعب في ابادة جماعية.

على أي حال، وفي ظل كل هذه السوداوية، لا بد من التساؤل: متى يحين ربيع لبنان بعد أن بات وجوده مهدداً، وشعبه يلفظ أنفاسه الأخيرة؟ ومتى يصبح المسؤولون، مسؤولين، ويقومون بواجباتهم تجاه البلد وأهله، ولا ينتظرون التدخلات والاملاءات؟ والى متى سيبقى المستقبل غامضاً، تحدده التطورات الاقليمية والدولية؟ وهل بتنا في مرحلة الصلاة من أجل التدخل السماوي لأن الحلول الأرضية باتت عاجزة؟

أسف النائب قاسم هاشم لأن “الربيع وعيد الأم يأتيان هذا العام، ولبنان يمر في أصعب مراحله، وفي ظروف لم تمر عليه حتى في زمن الحروب”، مؤكداً أن “كل ما يتمناه اللبناني اليوم الخروج من هذه الأزمة، وأن يكون الربيع ربيعاً حقيقياً لمعالجة قضاياه وأزماته وأن يصل الى مرحلة اليقين بأن الانقاذ أصبح قريباً. والربيع المنتظر هو في لحظة عودة الكثيرين الى رشدهم والى وطنيتهم، وضرورة العودة الى نقاش سريع حول كيفية الخروج من الأزمات، واعادة انتظام عمل المؤسسات لتأخذ دورها في معالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية، اذ أن هم اللبناني في لقمة العيش في وقت يزداد الانهيار. هذه المسؤولية مسؤولية الجميع بضرورة اتخاذ القرار الوطني الجريء، وفتح نقاش سريع حول كيفية مقاربة الملفات الخلافية ومنطلقها الاستحقاق الرئاسي”.

ورأى أنه “أمر بديهي أن تكون معالجة قضايانا بأيدينا وألا ننتظر الآخرين. اما من ينتظر اشارة من هنا أو املاء من هناك، وهو يرفع شعار السيادة والقرار الحر فانما يزيد في اطالة أمد الأزمة. لذلك، المسؤولية وطنية وتقع على عاتق اللبنانيين قبل غيرهم، ليبادروا الى اللقاء للوصول الى الحل في أسرع وقت ممكن”، معتبراً أن “كل ما يجري اليوم هو تسويات، ولا نزال في نظام طائفي ومذهبي، في ظل مصالح من هنا وتناقض من هناك. الحل الذي يريح اللبنانيين بصورة نهائية، ويفتح الآفاق أمام الحلول الناجحة والمستدامة هو في الخروج من النظام الطائفي الى الدولة المدنية لنكرّس منطق المواطنة الحقيقية بعيداً عن الانتماءات والهويات الطائفية والمذهبية والمناطقية والحزبية. نحن نعمل على الخروج من الأزمة الآنية لكن الحلول المستدامة لن تكون في ظل هذا النظام”.

وفضّل النائب بلال عبدالله أن “نتحدث عن قيامة لبنان وليس عن ربيعه، اذ أن هناك تساؤلات كثيرة حول الربيع العربي”، موضحاً أن “القيامة تكون عندما ترتقي القوى السياسية الى مستوى المسؤولية الوطنية، وتتحسس آلام الناس وأوجاعها. وعندما يحجم المعرقلون عن عرقلتهم، ويقدمون على التسوية. ولا يجوز أن يطول هذا الأمر لأن البلد ينهار كليا. كل مسؤول من موقعه عليه القيام بدوره، فالخارج لديه همومه، ولسنا من أولوياته”.

وشددت النائب نجاة صليبا على أن “قيامة لبنان تكون عندما يتوقف السياسيون عن التفكير بمصالحهم الخاصة، ويعملون لمصلحة الوطن. من واجباتنا أن نذكرهم بأن لبنان لنا ولأهله جميعاً وليس ملكاً لهم. لا يبدو أن القيامة أو الربيع قريب، ونأمل أن يعي الشعب دوره، ويحاسب من صوّت له في صناديق الاقتراع . على الناس أن تحاسب النواب في مناطقهم، وتسألهم: ماذا فعلتم؟ أنتم كنواب من واجباتكم محاسبة من يخطئ بحق الناس، والسهر على انتظام عمل المؤسسات، وانتخاب رئيس للجمهورية”، معتبرة أنه “اذا كان هناك من يطالب بالحق، فلا أحد يمكن أن ينتزعه. كما نقفل البيت كي لا يدخل اليه السارق، هكذا يجب أن نفعل مع البلد.”

وأشار النائب ملحم خلف الى أن “ربيع لبنان يأتي حين يعي النواب مسؤولياتهم، وينتخبوا رئيساً للجمهورية ثم تتشكل حكومة يمكنها محاكاة وجع الناس. في ظل الظروف الصعبة اليوم، من يضع الحلول خصوصاً أن الشغور مستمر منذ أشهر، والحكومة مستقيلة؟”، معرباً عن اعتقاده أن “كل من ينتظر أي أمر من الخارج يعني أنه مرتهن لهذا الخارج، والمرتهن في هذه الأمور يكون خائناً للمصلحة الوطنية ولضميره وللناس الذين انتخبوه ليتحدث باسمهم في المجلس النيابي”.

وقال: “لا نفهم كيف يمكن لأي نائب أن يتصرف بلامبالاة فيما الوجع وصل الى هذا المستوى؟ من واجبنا الأساس اعادة انتظام المؤسسات الدستورية من خلال اعادة الديموقراطية وتطبيق الدستور والالتزام به ونكون جميعاً تحت سقف القانون والمساءلة”. ورأى أنه “اذا تحول النقاش في اللجان المشتركة الى صحوة ضمير، فيمكن أن يغير شيئاً أو يسرّع انتخاب رئيس الجمهورية”.

ولفت النائب السابق محمد الحجار الى أن “ربيع لبنان مرتبط بمجموعة أمور، أهمها عودة الوعي والحد الأدنى من المسؤولية التي يجب أن تتحلى بها الطبقة السياسية التي تدير البلد، وتفكر في المصلحة العامة ومصلحة الناس، وكيفية العمل لوقف معاناتهم بسبب الانهيار المريع على المستوى الاقتصادي والمالي”، متسائلاً: “هل الطبقة السياسية تشعر بأوجاع الناس أو أنها لا تهتم سوى بمصالحها المذهبية والطائفية والفئوية والمحاصصة؟”.

وأوضح أن “المطلوب صحوة ضمير من السلطة، لتضع لبنان على سكة الانقاذ الموجودة، لكن تتطلب الارادة في سلوكها. ولا بد من الحديث أيضاً عن الظروف الاقليمية التي يمكن أن تساعد، ونأمل أن تؤمن التطورات الايجابية، الظروف الملائمة لهذه الصحوة”.

أضاف: “لا شك في أن هناك بعض الجهات ينتظر اشارة خارجية للقيام بما هو مطلوب بحيث أن التبعية واضحة تحديداً في الطرف المعرقل الذي هو حزب الله. نأمل الافادة من التقارب وعودة الحرارة الى العلاقات السعودية – الايرانية خصوصاً أن المملكة العربية السعودية تعمل دائماً لمصلحة لبنان واللبنانيين ولم تكن يوماً طرفاً. قيامة لبنان لا تبدو قريبة، والأمور ليست سهلة، لكن نتمنى أن يشهد الشهران المقبلان تسهيلاً للحد من الأفق المظلم”.

شارك المقال