اللبنانيون يستسلمون… والعوائق نفسية ومادية

هيام طوق
هيام طوق

لا يختلف اثنان على أن البلد يمر بشدة غير مسبوقة، وأن الناس وصلت الى حد الاختناق من كثرة الضغوط والأزمات المتلاحقة، وترزح تحت وطأة ارتفاع سعر صرف الدولار الذي انعكس ارتفاعاً جنونياً في الأسعار حتى أن الأكثرية بدلت في نمط حياتها، وفي طريقة عيشها، واستغنت حتى عن السلع والمواد الأساسية فيما يحذر الخبراء من انفجار اجتماعي لأن الوضع لم يعد يحتمل، والأنكى من ذلك أن المسؤولين ينبهون على خطورة الانهيار وأن البلد لا يمكنه الصمود أكثر من أسابيع قبل الوصول الى المحظور ونقطة اللاعودة.

كما لا يختلف اثنان أيضاً على أن هناك حالة من الغضب الكبير ومن الاحباط تختلج في النفوس بسبب الأزمة المستمرة منذ سنوات، ولا يبدو حتى الآن أن هناك بصيص أمل في الحلحلة لأن المسؤولين متقاعسون، وغير مهتمين حتى قيل إن بعض الدول الشقيقة والصديقة مهتمة بإنقاذ لبنان وانتشاله من قعر الهاوية أكثر من الطبقة الحاكمة، والدليل أن الأزمة تتخذ منحى التصعيد في ظل غياب أي مبادرة أو تدبير للفرملة قبل أن تنطلق في عملية الاصلاح والبناء في المؤسسات كافة، واعادة البلد الى المنظومة الدولية، والى محيطه العربي.

والغريب أن السلطة التي لا تزال تتلهى بتقاذف المسؤوليات، والاختلاف في ما بينها حتى على جنس الملائكة، لا تزال تمارس سياسة قطع الأنفاس بلا شفقة ولا رحمة، وتزيد الضرائب وفواتير الخدمات أضعافاً وأضعافاً في حين تجد غالبية اللبنانيين صعوبة في تأمين لقمة العيش. والأغرب أيضاً، هذا الاستسلام للأمر الواقع فيما المطلوب بحسب أحد المحللين السياسيين “الانتفاضة، وعدم الرضوخ للمنظومة والسماح لها بالتصرف بالبلاد والعباد كما تشاء، وبات من الضروري اليوم اقتلاعها من مواقعها لأنها متشبثة بالكراسي حتى الرمق الأخير، ومرتاحة كل الارتياح من رد فعل الناس الفاتر والباهت خصوصاً أنها أثبتت للقاصي والداني أنها غير قادرة على الاصلاح. المطلوب، نزول كل الناس الى الشارع لأن جميعهم يعانون المعاناة نفسها، وأصبحوا على حافة الجوع، وعليهم أن يتصرفوا بوعي في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ البلد، ويتعالوا عن الانقسام المناطقي والطائفي والمذهبي والحزبي لأن مصير بلدهم بين أيديهم، وعليهم أن يقتنعوا أن (مين جرب المجرب كان عقلو مخرب)”.

وفيما السكون السياسي السلبي يرخي بظلاله على القطاعات كافة، وبما أن الهموم المعيشية أصبحت في سلم الأولويات، نظمت بالأمس، تظاهرة لـ”حراك العسكريين المتقاعدين” و”حركة الانقاذ الوطني”، في ساحة رياض الصلح للتعبير عن الغضب من المعاناة، بالتزامن مع إنعقاد جلسة اللجان النيابية المشتركة التي خُصصت لمناقشة الوضع المعيشي والاقتصادي والمالي الراهن من زاوية تفلّت سعر صرف الدولار. وحصل تدافع بين القوى الأمنية والمتظاهرين، الذين تخطى عدد منهم الأسلاك الحديدية، فاشتدت المواجهات وعمدت قوى الأمن الى إلقاء قنابل مسيلة للدموع لإبعادهم.

وفي ظل الأوضاع الاستثنائية، وغياب الاجراءات الاستثنائية ، يسأل الجميع: لماذا لا ينزل اللبنانيون الى الشارع، كباراً وصغاراً، لتغيير الوضع القائم؟ وهل النزول بتظاهرات مليونية يمكن أن يهز عرش السلطة أو أنها ستبقى متجذرة الى أبد الآبدين؟

في هذا السياق، قال الوزير والنائب السابق إيلي ماروني: “اذا استسلم الشعب لليأس، فسنذهب الى الموت البطيء، واذا لم يتحرك فسيذهب الى الموت البطيء. الأفضل عدم اليأس، والقيام بشيء ما لانقاذ البلد وشعبه من أيدي الحكام الفاسدين الذين أوصلونا الى قعر جهنم حيث الفقر والجوع في أوجّه. في ظل كل ما يجري، نذهب نحو الموت البطيء بسرعة فائقة. نحاول التفتيش من خلال لقاءاتنا عن الأسباب النفسية التي تمنع الناس من التحرك، وعدم رفع الصوت في وقت لا يخبرنا الوزراء الا عن رفع الأسعار. وزير الاقتصاد رفع سعر ربطة الخبز مع أننا نعلم أن هناك مساعدات لتأمين القمح والطحين الى نهاية العام، فلماذا اذاً رفع سعر الربطة من 1500 ليرة الى 50 ألف ليرة؟ وكل ما يقوم به وزير الطاقة، رفع أسعار المحروقات، وتغييرها 3 مرات في اليوم الواحد. في ظل هذا الغلاء الفاحش، كأن الدولة تقول للمواطن: اذهب واسرق كي تستطيع الاستمرار”.

أضاف: “على الرغم من كل ما يحصل، لا يزال التحرك على الأرض خجولاً جداً بحيث أن أي شعب آخر، تعاملت معه دولته بهذا الاذلال الى حد التجويع، ينتفض ويتجه نحو الاعتصامات والمظاهرات المستمرة، ويذهب الى المسؤولين ليرميهم في حاويات النفايات كما حصل في العديد من البلدان. لا يجوز استمرار السلطة على النهج نفسه فيما وصل المواطنون الى مرحلة يتفرجون فيها على المواد الغذائية من لحم وخضار وفواكه من دون أن يتمكنوا من شرائها. يجب أن يكون النزول الى الشارع هذه المرة، مدروساً وفاعلاً”. وأشار الى أن “غالبية المسيحيين لن تتمكن من استقبال المهنئين بالعيد، كما أن غالبية الصائمين المسلمين لن تتمكن من تحضير مائدة الافطار”.

ورأى أنه “يمكننا على الرغم من كل شيء، تحقيق الانجازات اذا اتحدنا. علينا انقاذ وطننا قبل أن نتحول الى نازحين فيه وننتظر الاعاشة والمساعدة من الدول”، لافتاً الى أن “الأسوأ أن الحرامية خبأوا الأدوية في الصيدليات حين كانت مدعومة، واليوم يبيعوننا على السعر الحالي مع العلم أنها منتهية الصلاحية، ويهددون بالاضراب لأن أرباحهم تدنت. أين هي الأدوية التي وصلت الى لبنان كمساعدات وهبات من عدد كبير من الدول؟”.

وأكد “أننا أصبحنا نشتهي العيش في جهنم. ما يحكم الشعب الطائفية والأحزاب والمصالح، واذا لم يصرخ ليعّبر عن وجعه فلن يلتفت اليه أحد. واذا لم يتحرك الناس، فالآتي أعظم، والكل سيخسر كل شيء حتى الأغنياء سيتأثرون. لذلك، عليهم المطالبة ببناء دولة القانون والعدالة قبل أن يطال الانهيار الكلي الجميع”.

وأوضحت الأكاديمية والناشطة السياسية منى فياض أن “الطفل الذي لديه توحد يتأقلم مع الوضع القائم حين لا تهتم به والدته، فيجد نوعاً من الوضعية التي تتلاءم مع ظروفه، واليوم أصبح اللبنانيون كأن لديهم مرض التوحد، ويتأقلمون مع الوضع غير الطبيعي. ثم ان ايصال الناس الى هذه المرحلة من الجوع والفقر، فتصبح الأولويات عندهم في تأمين لقمة العيش قبل أي شيء آخر مع العلم أن الطبقة الوسطى هي المحرك الأساس، ومعظم شبابها هاجر اذ هناك حوالي نصف مليون شاب وشابة غادروا، وهذا الرقم خطير جداً، ويغيّر في الديموغرافيا العمرية. كما أن السلطة تتقن فن الهاء الناس، وتخديرهم بالآمال الكاذبة، وتثير الغرائز والعصبيات لديهم. بالاضافة الى أن المواطنين لا يمكنهم استيعاب كثرة المصائب، ما يجعلهم وكأنهم غير مبالين”، محذرة من أن “كل ذلك، لا يعني أنه في وقت ما لن ينفجر الشارع، لكن كيف ومتى؟ من الصعب التكهن بذلك، لكن ربما يتخذ طابع العنف المجتمعي الذي لا أحد يعرف كيف يتطور”.

واعتبرت أن “هناك الكثيرين الذين يعبّرون على طريقتهم عن امتعاضهم من الوضع الحالي اذ لا يذهبون الى العمل، لكن سيأتي الوقت بحيث سنشهد رد فعل شعبي في حال لم يحصل الاصلاح”، مشيرة الى أن “الوضع العالمي على كف عفريت، ويمكن أن يحصل أي تطور خارجي يؤثر علينا. والى أي مدى يمكن أن تصمد السلطة؟ لا نعلم وربما ستحصل انقسامات داخلها لأنها لا تنتمي الى جهة واحدة”.

شارك المقال