هل يقرّ اقتراح الكوتا النسائية قبل الانتخابات البلدية؟

ليال نصر
ليال نصر

تستمر نساء لبنان في النضال من أجل تحقيق المساواة والوصول إلى مراكز صنع القرار، وينتظرن أي فرصة تخوّلهنّ الاندماج في العمل السياسي أو الاجتماعي والإنمائي وتولّي مناصب قيادية أو تسلم حقائب سيادية.

وفيما يكثر الحديث عن أن كل القوى راغبة “ضمناً” في تأجيل الانتخابات البلدية لأسباب مالية واقتصادية وعدم الخوض في صراعات عائلية وحزبية داخل القرى، خصوصاً أن هذه الانتخابات تجري على أساس القانون الانتخابي الأكثري، أكدت المشاركات في اجتماع عقد الأسبوع الماضي لمناقشة اقتراح قانون الكوتا النسائية على المستوى المحلي في استحقاق الانتخابات المقرر إجراؤها في أيار المقبل، ضرورة إقرار الكوتا في قانون البلديات لإشراك النساء في المجال السياسي.

وتصف رئيسة منظمة “فيفتي فيفتي” جويل أبو فرحات في حديث لموقع “لبنان الكبير”، الكوتا النسائية بـ “الطريقة أو التدبير الايجابي الذي أَقرّت به الأمم المتحدة من بعد اتفاقي سيداو وبايجين لتصحيح الخلل في التمثيل السياسي الموجود في البلدان وليس السياسة وحسب، بحيث طلب أن يكون هناك على الأقل 30% نساء في مواقع القرار في المجالس المنتخبة والمعينة كافة. هذه النسبة تسمح بأن تصبح هناك كتلة وازنة. ففي مجلس النواب اللبناني الحالي، تستطيع أربعون امرأة تقريباً اتخاذ قرارات وتغيير قوانين وهن يشكلن 30% من مجلس النواب”.

وتؤكد أبو فرحات أن “السيدات جاهزات دائماً لخوض المعترك السياسي والشأن العام، ولكن التحديات التي تواجههن ليست من مسؤوليتهن لأنه في العام 2009 ترشحت إلى المجلس النيابي اثنتا عشرة سيدة فقط بينما في العام 2022 ترشحت مئة وسبعة وخمسون سيدة. وازدياد العدد بهذا الشكل يشير إلى أن السيدات جاهزات للعمل في السياسة والشأن العام ولكنهن يطلبن فسح المجال لذلك.

نسبٌ ضئيلة للتمثيل النسائي

نسبة النساء في المجلس النيابي اللبناني هي فقط 6,25%، وفي المجلس البلدي 5,4%، وفي الحكومة لدينا فقط سيدة واحدة على أربعة وعشرين حقيبة وزارية، ولبنان بالنسبة الى العالم هو في المرتبة 174 على 190 بلداً من ناحية التمثيل السياسي في مجلس النواب.

أما في البلدان العربية، فلبنان في المرتبة 17 من أصل اثنين وعشرين بلداً عربياً، ما يعني أننا في أدنى المستويات من ناحية التمثيل النسائي إن كان في المجلس النيابي أو المجالس البلدية أو في السياسة عموماً. لذلك هناك الكثير من العمل الذي ينتظر السيدات من أجل الوصول إلى حل وذلك من خلال العمل لإقرار الكوتا النسائية ثم تطبيقها كما في كل بلدان العالم التي فيها فعلاً نساء بدأن بخوض المعارك السياسية وكسرن هذا الحاجز، كل بلد حسب نظامه ونظام القانون الانتخابي فيه.

في الانتخابات النيابية 2022 عملت منظمة “فيفتي فيفتي” مع حوالي 200 سيدة ترشحت منهن 157 إلى مجلس النواب، ولم تفز إلا ثماني لأن ليس هناك أي تدابير إيجابية لدعم المرأة، ولأن القانون الانتخابي مجحف بحقها ولم يأخذ في الاعتبار حق المرأة في التمثيل السياسي، كما أن الأحزاب السياسية لم تأخذ جدياً فكرة ترشح المرأة ووصولها إلى النيابة بالإضافة إلى أسباب أخرى عدة. لكن، تشير أبو فرحات إلى أنه لو كانت لدينا كوتا نسائية، لاستطاعت السيدات أن يصلن وكانت أجبرت الأحزاب على أن تضع سيدات ليصلن إلى المجلس النيابي.

تحالفٌ يناصر الكوتا النسائية

أما في البلديات ومن خلال جلسات نقاش في المناطق اللبنانية كافة، استطاعت “فيفتي فيفتي” أن تصل إلى نحو 1000 سيدة أخذت منهن حوالي 500 سيدة تخضعن منذ فترة للتدريب والتحضير من أجل خوض معترك الانتخابات البلدية. ويتم العمل مع النساء على أساس أن الانتخابات ستجري في موعدها، وفي حال لم تحصل وتأجلت، سيكملن التدريبات معهن إلى أن تحصل الانتخابات. فالمسار سيستكمل والدعم أيضاً إلى حين اجرائها وتستطيع السيدات أن يترشحن على أمل نجاح عدد كبير منهن.

وقد طورت المنظمة اقتراح قانون الكوتا النسائية للبلديات مع خبراء انتخابات هم الدكتورة فاديا كيوان والدكتور بول مرقص والباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين. وتم تبنّي اقتراح الكوتا النسائية لإقراره من “التحالف الوطني” وهو مجموعة مؤلفة من أكثر من خمسين منظمة وجمعية من المجتمع المحلي والمدني.

هذا التحالف يناصر الكوتا النسائية. وتم إخبار ثمانية نائبات سيدات وافقن على تبني اقتراح القانون وطلب منهن بحث هذا الموضوع مع أحزابهن. وستقوم “فيفتي فيفتي” في نيسان المقبل بجولة على جميع الأحزاب اللبنانية لمعرفة نظرتها الى هذا الاقتراح وإذا ما ستتبناه أو تغير فيه وما هي اقتراحاتها. وعلى أساس نتائج الجولات، سيتم تبني المشروع من عشرة نواب ونائبات ويعرض القانون في جلسة عامة في المجلس النيابي من أجل إقراره.

فمن أهم القوانين التي يجب أن تضاف في مجلس النواب هو قانون اقتراح الكوتا النسائية الذي عرض في المجلس ويحجز على الاقل 26 مقعداً للنساء بالإضافة إلى 40% ترشح من كلا الجنسين على اللوائح.

وتم أيضاً تطوير قانون مناصفة في البلدية بين النساء والرجال، ويعطي حقاً للمرأة بأن تكون في البلدية مناصفة مع الرجل. أما في البلديات التي لديها عدد منفرد مثل 9 و15، فيكون العدد الأكبر للسيدات ليستطعن الوصول ويكون لديهن الحماس للترشح.

كيف تستعد النساء للإنتخابات؟

تلفت أبو فرحات إلى أن الشأن العام والسياسة كأي مجال آخر تستطيع المرأة أن تبدأ العمل فيه عندما تكون لديها النية للترشح. ومنظمة “فيفتي فيفتي” لا تؤهل السيدات بل تخلق بيئة حاضنة لهن لأنهن حاضرات وجاهزات. كل سيدة تقوم بنشاط في بلدتها ولديها خبرات في الشأن العام وعندها مؤهلات وخبرات دراسية وعملية وغيرها، والمنظمة ترى ما تحتاجه كل سيدة تقنياً بحسب متطلباتها وتقوم بتقديم الدعم لها لصقل مهاراتها فتصبح فعلاً متألقة وجاهزة لهذا التحدي الكبير.

وتشبّه أبو فرحات الكوتا النسائية بالحركة أو الحلبة السياسية “هي ماراتون”. حالياً في لبنان وضعوا كل الرجال والنساء على نقطة الانطلاق وقالوا للسيدات أن يرجعوا 50 كيلومتراً الى الوراء، وطلبوا منهن أن يركضوا جميعاً سوياً وعلى النساء اللحاق بالرجال لانتزاع حقوقهن، لكن المرأة مهما ركضت، لا تستطيع أن تلحق بالرجل إذا كانت وراءه بخمسين كيلومتراً. أما الكوتا فتعطيها فرصة متكافئة مع الرجل.

ما الحل؟

ما يحصل إذاً أنه يتم وضع المرأة على نقطة الانطلاق هي والرجل والمطلوب من كليهما الركض، لكن الأكفأ يجب أن يصل، وعندها يطلب منهما أن يتنافسا، لكن يجب إعطاء فرص متكافئة لهما ثم نحاسب المرأة على هذا الأساس.

وفي لبنان الفكرة الواردة دائماً هي محاسبة المرأة التي تريد دخول المعترك السياسي، إذ يجب أن تكون كفوءة لكن الرجال لا يحاسبون على الرغم من أنهم السبب في وصول المواطنين والوطن إلى هذه الحال ولم يكونوا أكفاء.

وهنا تشدد أبو فرحات على أن الحديث يجب أن يرتكز على الحق، فمن حق المرأة أن تترشح إلى المجلس النيابي وإلى المجالس البلدية وتساهم في التنمية المحلية في بلدتها، وعندما تعطى هذا الحق وتستطيع أن تطبقه وتلتزم به، عندها يحق للرجل أن يحاسبها على كفاءتها.

أهمية إقراراقتراح الكوتا

وتؤكد مسؤولة برنامج المشاركة السياسية للنساء في هيئة الأمم المتحدة للمرأة في لبنان يارا نصار في حديث لموقع “لبنان الكبير” على أهمية اقتراح قانون الكوتا النسائية لأنه يسرّع تمثيل النساء في البرلمان وفي المجالس البلدية المنتخبة بحيث لدينا فقط 5.4% من أعضاء المجالس البلدية نساء. وتشير إلى أنه من دون كوتا، يمكن أن نحتاج الى أكثر من مئة سنة للوصول إلى مساواة 100% بين الرجال والنساء في المجالس البلدية.

الكوتا النسائية إذاً، تسرّع الوصول الى المساواة وهي من الآليات التي تساعد على تخفيف اللامساواة الموجودة في الحياة السياسية اللبنانية، وتأتي كآلية اعتمدتها دول عدة في العالم لتردم الفجوة بين النساء والرجال في السياسة. ولوحظ إقبال أكثر هذه السنة من النساء على الإهتمام والترشح للعمل البلدي علماً أن الباب الرسمي للترشح لم يفتح بعد، لكن إلإقبال على التسجيل لأخذ دورات تدريبية كان كبيراً جداً وتخطى التوقعات. على أمل أن ينعكس ذلك إقبالاً أكثر على عملية الترشح للنساء بحد ذاتها وإقبالاً أكثر للتصويت لهن ليصلن الى المجالس البلدية.

وبالتأكيد، إقرار قانون الكوتا النسائية للانتخابات البلدية، سيجشع النساء على المستويات كافة أن يترشحن، فإذا استطعن الوصول الى المجالس البلدية وأقر قانون الكوتا الذي اقترحته “فيفتي فيفتي”، هذا يعني أن العملية الانتخابية النيابية المقبلة ستتأثر أيضاً وستترشح المرأة بصورة كبيرة ويتأثر وجود النساء في الأحزاب، ما يعطيهن دفعاً لمحاولة الوصول الى مراكز صنع القرار أكثر.

شارك المقال