الساعة… باتت قضية الساعة!

زياد سامي عيتاني

في “ساعة سماعة” خرجت “عقاربها” المدججة حقداً وكراهية، من جحورها، لبخ سمومها العنصرية والفئوية الطائفية، وفقاً لتوقيت متوقف في أذهان فئة من اللبنانيين عند الحرب المشؤومة (!) وكأن الزمن من “البوسطة” إلى “الساعة” ما زال متوقفاً عندهم على خط التماس بين الشياح وعين الرمانة!

بغض النظر عن “التخريجة” غير الموفقة لقرار تأجيل إعتماد التوقيت الصيفي، تسهيلاً على المسلمين صيام شهر رمضان المبارك، وعلى الرغم من العملية غير البريئة (الخبيثة) لتسريب شريط الفيديو للحوار الذي دار بين رئيسي المجلس والحكومة، فإن رد الفعل “الهستيري” (!) للقيادات المسيحية التي توحدت للمرة الأولى منذ “حرب الالغاء”، وما صدر من ردود فعل “مسعورة”، لا يمكن لعاقل أن يسلم بأن حجم هذه الحملة “المسعورة”، وجعل من “الحبة قبة”، يتعلق بقرار تأجيل تقديم الساعة شهراً واحداً فقط.

بل إن بعض القوى السياسية، جعل من هذه القضية التافهة والسطحية، ذريعة لتأجيج صراعاته وسجالاته الطائفية، التي أخذت منعطفاً خطيراً، تحت حجة واهية ومفتعلة، بأن القرار موجه ضد المسيحيين.

والأخطر من ذلك، دخول البطريركية المارونية على خط السجال، معلنة إلتزامها تقديم الساعة ساعة واحدة، وإعتبار القرار إرتجالياً، ومن دون التشاور مع سائر المكوّنات اللبنانيّة، ومن دون أيّ إعتبار للمعايير الدوليّة، في وقت كان اللبنانيون ينتظرون أن يصدر عن البطريرك بشارة الراعي (المشهود له بالحكمة وسعة الصدر) موقف عقلاني، يئِد الفتنة المستجدة في مهدها، وتفويت الفرصة أمام المصطادين في الماء العكر في “ساعة غفلة”، للإعلان عن رغباتهم في إعتماد “الفديرالية” الموسعة، ولسان حالهم: “لكم لبنانكم ولنا لبناننا”.

فهل منذ هذه “الساعة” خرجت النوايا “التقسيمية” من الضمنية إلى العلنية، وسط الحنين الى شعار “حالات حتماً”؟ في وقت باتوا في “سباق مع الوقت” لانتظار نضوج الظروف الدولية والاقليمية، لتحقيق حلمهم “الكانتوني” بقيام “وطن قومي مسيحي”!

بإنتظار ما سيحمله القادم من الأيام من تطورات، في ظل الوصول الى نقطة “إستحالة” التعايش بين المكونات اللبنانية، على الرغم من جوقة الزجل والدجل السياسي، التي تتبارى بالوحدة الوطنية والعيش المشترك، نعرض القصة الكاملة لفكرة التوقيت الصيفي ونشأته وموجباته:

فكرة أميركية:

فكرة التوقيت الصيفي أميركية، لكن من بدأ بتنفيذها هم الألمان. ففي العام 1784، كان لدى السياسي والمخترع الأميركي بنيامين فرانكلين فكرة أنه يمكن للمرء توفير الطاقة إذا إستيقظ مبكراً في الصيف. ولكن لم تبدُ الفكرة جدية إلا في بداية القرن العشرين، حين طرحها من جديد البريطاني وليام ويلت الذي بذل جهوداً في ترويجها.

ألمانيا أول المنفذين:

تحقَّقت فكرة التوقيت الصيفي لأول مرة أثناء الحرب العالمية الأولى، حين أجبرت الظّروف البلدان المتقاتلة على ايجاد وسائل جديدةٍ للحفاظ على الطاقة. فكانت ألمانيا أول بلدٍ أعلن التوقيت الصيفي، بحيث نفذ القيصر الألماني فيلهلم الثاني الفكرة لأول مرة، في 30 نيسان 1916.

إعادة ضبط الساعة لتوفير الطاقة:

خرج بنيامين فرانكلين بفكرة إعادة ضبط الساعات في أشهر الصيف كوسيلة لتوفير الطاقة، كما قال ديفيد بريراو David Prerau في كتابه “إغتنم ضوء النهارSeize the Daylight “: “من خلال تقديم الساعات الى الأمام، يمكن للأشخاص الافادة من ضوء النهار الاضافي المسائي بدلاً من إهدار الطاقة في الاضاءة في ذلك الوقت”… .

وكان فرانكلين سفيراً في باريس، لذلك كتب رسالة إلى جريدة “باريس” Journal of Paris عام 1784 مبتهجًا بـ “إكتشافه” أن الشمس توفر الضوء بمجرد طلوعها.

إلغاء وعودة عن التوقيت الصيفي:

خضع التوقيت الصيفي عبر الزمن لإلغائه، ثم العودة إليه، ثم إلغاء، فعودة، فتفكير في إلغائه!

في ذلك الوقت لم يكن التوقيت الصيفي محبوباً، لذلك تم إلغاؤه في العام 1919. لكن النازيين في ألمانيا أعادوا العمل به مرة أخرى في العام 1940.

وفي العام 1947 كان التوقيت الصيفي المزدوج، بمعني تقديم عقارب الساعة لساعتين إثنتين وليس ساعة واحدة، ليتم إلغاؤه عام 1949.

وبقي الوضع هكذا لعقود، من دون توقيت صيفي، حتى أعيد في العام 1980 العمل به في شطري ألمانيا التي كانت منقسمة إلى دولتين: ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية.

ومنذ العام 1996 يجري العمل بالتوقيت الصيفي في كل دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة (ما عدا ولاية أريزونا) وكندا وأستراليا، إضافة إلى عدد من الدول العربية.

جدال سنوي بشأن التوقيت الصيفي:

في كل عام يجري نقاش حول جدوى التوقيت الصيفي وما إذا كان من الأفضل إلغاؤه. فمن يفضلون العمل به يقولون إن المساء يكون فيه أطول وبهذا يمكن قضاء شغل وقت الفراغ بصورة أفضل. أما معارضوه فيقولون إن تكيف الجسم مع الوقت الجديد يستغرق عدة أيام في كل مرة ويمكن أن يؤثر على التوازن الهرموني للانسان والحيوان، ولذلك يطالبون بإلغائه.

وتريد المفوضية الأوروبية إلغاء تغيير الوقت داخل بلدان الاتحاد الأوروبي، لكن موعد هذا الالغاء لا يزال غير واضح.

80% من الأوروبيين مع إلغاء تغيير الساعة:

تغيير الساعة، بما يتسبب به من أرق وتأخير وقلق، جعل 80% من الأوروبيين مع الغاء تأخير الساعة وتقديمها، وذلك بالاستناد إلى الاستطلاع الذي أجرته المفوضية الأوروبية سنة 2018، ونشرت نتائجه صحيفة (Westfalenpost) الألمانية، وقالت: إن الاستطلاع شارك فيه 4.3 ملايين شخص من دول أوروبية عدة وإن كانت الغالبية من ألمانيا وعددها 3 ملايين مشارك، وجاءت النتيجة 80% لصالح إلغاء تقديم الساعة وتأخيرها وهو النظام المعمول به في ألمانيا منذ 1980 وفي دول الاتحاد الأوروبى منذ 2002.

يذكر أن البرلمان الأوروبي دعا في العام نفسه الى مراجعة نظام تغيير الساعة، بعد تقارير تفيد بالأثر السيء على الصحة نتيجة ذلك والارتباك الذي يتعرض له الناس في اليوم التالي لتغيير التوقيت.

يشار في هذا السياق الى إزدياد الارتباك بين الأوروبيين الذين يتنقلون عبر الحدود من دولة الى أخرى، خصوصاً وأن الدول الأوروبية تتبع 3 نطاقات مختلفة في التوقيت وهي توقيت غرينتش والتوقيت الأوروبي الغربي والتوقيت الأوروبي الشرقي، بحيث أن الأخير متقدم ساعتين على غرينتش، والتوقيت الغربي متقدم ساعة على غرينتش.

مضار صحية دفعت دولاً الى إلغائه:

أكد الأطباء أن الأبحاث أثبتت الأضرار الصحية الناجمة عن تغييرات الساعة وإرتباطها بإرتفاع عدد السكتات الدماغية والنوبات القلبية. وحذر الخبراء من جامعة “فاندربيلت” وجامعة “بنسلفانيا” من خطورة تغيير الساعة، وهو ما تبعه قرار من عدد من الدول الأوربية بالفعل بإلغاء التوقيت الصيفي.

ويقول الباحثون إن اضطراب النوم الناتج عن قلب الساعات إلى الأمام يمكن أن يؤثر على معدل ضربات القلب وضغط الدم، مما قد يزيد من خطر الاصابة بنوبة قلبية أو سكتة دماغية.

جامعة “واشنطن” تطالب بالالغاء:

قالت دراسة طبية حديثة في كلية الطب بجامعة “واشنطن”، التي أجريت بالتعاون مع جامعة “سانت لويس” في الولايات المتحدة، إن الوقت حان لإلغاء العمل بالتوقيت الصيفي. وأضافت الدراسة: “معظمنا يحتاج إلى بضعة أيام للتكيف مع تغييرات الوقت، بل وقد نعاني من بعض العواقب السلبية للاختلافات الحياتية لتطبيق التوقيتين الصيفي والشتوي”، مشيرة إلى قول ديفيد هيرزوغ أستاذ علم الأحياء في جامعة “واشنطن”: “تزداد النوبات القلبية والوفيات الناجمة عن حوادث المرور في الأيام التي تلي التغيير إلى التوقيت الصيفي (DST) في الربيع”. ولفتت إلى أن هناك دراسة أجريت عام 2020 تشير إلى زيادة بنسبة 6% في الوفيات المرورية خلال الأيام التي أعقبت تغيير الوقت إلى التوقيت الصيفي، موضحة أن “ساعتنا البيولوجية التي تتحكم في إيقاعاتنا اليومية في عمليات مثل النوم والاستيقاظ وتناول الطعام والصيام تفسر الضوء في الصباح على أنه شروق الشمس وتزيد من وقت الاستيقاظ”.

في الختام، ومن وحي موضوع أزمة الساعة، نستحضر مطلعاً لقصيدة فنان الشعب الراحل عمر الزعني:

وبآخر ساعه بعز المجاعه،

قاموا الجماعه نصبوا لنا ساعه،

يلعن هالساعه وهيديك الساعه،

كل يوم مصيبه وأمور عجيبه،

خلصنا من الكورنيش وقعنا بالساعه،

بدل ما توسع شويه وتتوسع،

كلما لها بتضيق من ساعه لساعه،

كل شي كان معنا عمله وجمعنا،

طارت من إيدنا ساعه بسمّاعه،

طارت البركه قلّت الحركه،

ما ماشي إلا رقّاص الساعه،

وبأحشر سوق نصبوا الخازوق،

خازوق كبير وبراسه ساعه،

كلما لها بتشد والرزقه بتنسد،

ما الها حله تتقوم الساعه…

شارك المقال