كل المعطيات تشير الى أن الملف الرئاسي لم يتقدم قيد أنملة في الداخل حيث يتلهى المسؤولون بمناكفاتهم وخلافاتهم حول أبسط الأمور فيما كل الجهات الدولية تحذر من الخطر الكبير الداهم، وما حذرت منه مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف خلال لقاءاتها مع المسؤولين يصب في هذا السياق، اضافة الى أن السفراء والديبلوماسيين يتحدثون عن اقتراب نفاد الوقت للانقاذ. كما تلفت المعلومات الى أن وفد صندوق النقد الدولي خرج خلال زيارته الأخيرة الى بيروت، بانطباعات تستوجب التوقف عندها لا سيما في الاشارة إلى خطورة الوضع في لبنان. هذا السكون السلبي في الداخل، وتخلي المسؤولين عن مسؤولياتهم، تقابله حركة لافتة في الخارج من أصدقاء لبنان الذين يعملون لمصلحة البلد ووضعه على السكة الصحيحة، اذ جدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووليّ العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان، عزمهما على “العمل معاً” لمساعدة لبنان، وعبّرا خلال اتّصال هاتفي عن قلق مشترك حيال الوضع القائم، وكرّرا عزمهما العمل معاً للمساعدة في إخراج البلد من الأزمة العميقة التي يمرّ بها.
ولفتت معلومات صحافية الى أن هناك خطوات ستلي الاتصال بين الرئيس ماكرون وولي العهد بن سلمان، اذ من المتوقع أن تتسارع وتيرة التواصل والتنسيق بين فرنسا والسعودية في شأن لبنان خصوصاً أنهما أصبحا في نقاشاتهما حول الملف الرئاسي في مراحل متقدمة، وبالتالي، ليس مستبعداً تسجيل خرق ما أو تقدم ملموس في الاستحقاق الرئاسي، وربما التوصل الى مخرج يرضى عنه جميع اللبنانيين، ويكون لصالح لبنان أولاً وأخيراً.
وأشار مصدر مطلع لموقع “لبنان الكبير” الى أنّ “أصدقاء لبنان في جهوزية دائمة لمساعدة لبنان في كل المراحل والظروف، ويقومون بجهد كبير، ولو قام اللبنانيون بالجهد نفسه لكنا انتخبنا رئيساً للجمهورية منذ بداية الشغور. أصدقاء لبنان خصوصاً فرنسا والسعودية يتفقون على ضرورة العمل لتجاوز المحنة اللبنانية مع العلم أن السجال الذي حصل في الأيام الأخيرة على تمديد التوقيت الشتوي، وما رافقه من سجالات ومواقف اتخذت المنحى الطائفي، زادت من مخاوف الدول من انزلاق الوضع الى ما لا تُحمد عقباه، وحينها نكون قد انتقلنا الى مرحلة أخرى”.
رأى الصحافي والمحلل السياسي جورج علم أن “الدور الفرنسي أصبح محدوداً جداً بعد الاجتماع الخماسي في باريس الذي شاركت فيه 3 دول عربية أي قطر والسعودية ومصر، وبعد الاتفاق السعودي – الايراني. أعتقد أن المبادرة الانقاذية في لبنان أصبحت عربية والى حد ما خليجية”. وتوقع “أن يظهر شيء ما على هذا الصعيد قبل انعقاد القمة العربية في أيار المقبل، اذ أن الحركة الديبلوماسية القائمة حالياً تحضر لتسوية معينة يشارك لبنان على أثرها في القمة برئيس للجمهورية وليس بفراغ في موقع لبنان داخل القمة. كما من المتوقع أن نلمس خطوات جدية خلال شهر نيسان المقبل خصوصاً أننا نترقب في أي وقت الاجتماع الثنائي بين وزيري خارجية المملكة العربية السعودية وايران، وربما يكون الملف اللبناني ضمن المباحثات”.
وقال: “علينا ان نأخذ في الاعتبار أمرين: أولاً، أن ليس هناك من انتخاب رئيس للجمهورية الا ضمن تسوية. وثانياً، ليس هناك من تسوية داخلية انما تسوية خارجية من الدول المؤثرة على الساحة اللبنانية، لذلك، تتجه الأنظار الى الخارج. هل هناك من تسوية تقودها السعودية أو مصر أو الثلاثي العربي الذي شارك في قمة باريس بتوافق مع فرنسا والولايات المتحدة وايران بعد الصفحة الجديدة التي تفتح حالياً؟ الاحتمال وارد على الرغم من أن ليس هناك من معطيات ملموسة أو متداولة في العلن انما المناخات توحي بذلك”.
وأشار الى أن “الانهيار بلغ مرحلة خطيرة على المستوى الداخلي، وهذا ما لا تريده الدول المهتمة بالشأن اللبناني، ولا تريد انهيار الوضع الأمني”، معتبراً أن “علينا أن نعترف بأن كل السفراء الذين يهتمون بالشأن اللبناني لديهم قناعة بأن التسوية المحلية مستبعدة، كما أن الكل قلق على الوضع الاجتماعي والمعيشي وانهيار العملة الوطنية، وهذا يؤدي الى انفلات أمني ترفضه الدول. انهيار الوضع الأمني يعني دخول أطراف خارجية جديدة على الصراع والاستثمار بهذا الصراع لمصالحها الخاصة. في ظل هذا الواقع، فإن الدول الكبرى المؤثرة، تريد ايجاد تسوية في ما بينها لانقاذ الوضع في لبنان، واذا حصلت التسوية في الخارج تُمرر في الداخل من دون اعتراض أو اعتراض لا يذكر”.
ولفت الكاتب والمحلل السياسي فيصل عبد الساتر الى أن “المعطيات المتوافرة تشير الى أن الطريق لا يزال مقفلاً أمام المرشح سليمان فرنجية من السعوديين، لكن هل يحصل أي مستجد جراء الاتصال بين الرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي؟ كل التسريبات وبعض المناخات التي عكست الأجواء الفرنسية تقول ان المقايضة التي كانت يطرحها الفرنسيون لم تصل الى أي نتيجة. وبالتالي، الأمور لا تزال في دائرة الانسداد السياسي حول الاستحقاق الرئاسي. هل سيكون هناك ما يبشر بالايجابيات؟ الواضح من خلال القراءة العامة لطبيعة المواقف سواء الفرنسية أو السعودية أو الأميركية، وعطفاً على المواقف الداخلية اللبنانية، لم يتغير أي شيء، وكل المحاولات التي جرت في الأسابيع القليلة الماضية لم تصل الى أي نتيجة. وبالتالي، لا نزال في الحلقة المفرغة في هذا الاطار”.
وقال: “في لبنان سرعان ما يسرّبون وسرعان ما ينفون وسرعان ما يتهربون. عندما نريد التداول في أمر نتحدث عن مصادر مقربة ومطلعة، وبعد قليل نقول ان ليس هناك من مصادر مطلعة. نموذج التعاطي مع الأمور، وما جرى في قضية التمديد للتوقيت الشتوي، وهذا الضخ الطائفي، يشير الى أننا في دولة تفتقد الى أدنى مقومات ادارة المؤسسات”.
أضاف: “حين نسمع كلاماً عن أن السجال الذي حصل في الأيام الأخيرة على تمديد التوقيت الشتوي، يمكن أن يسرّع في وتيرة التواصل بين الدول الصديقة، يزيد من بؤسنا. واذا كانت الدول لم تر أن ليس في لبنان الا مشكلة التوقيت لتسريع انتخاب الرئيس يعني أن هذه الدول لا تعلم ما يجري، لكن نعتقد أنها تعلم أكثر بكثير مما يعلمه بعض اللبنانيين. هناك من يسوق بأن ما حصل سيكون سبباً لمساعدة لبنان، لكن الدول الصديقة لم تربط أي شيء بها، وكان التشديد دائماً على ضرورة انجاز التقدم في الداخل اللبناني”.
ودعا “الذين انتفضوا وتوحدوا حول التوقيت الى أن ينتفضوا في تسهيل مسألة رئاسة الجمهورية والعكس صحيح أيضاً، اذ أن الذين ظنوا أنهم يريدون التخفيف عن الصائم ساعة، فليخففوا عنه في حياته وليس بساعة صيام”. وأكد أن “أي تقدم لم يحصل حتى الآن على صعيد الاستحقاق الرئاسي لا في الداخل ولا في الخارج. هل هناك ما يطبخ في السر كما يقول البعض؟ لسنا على علم بذلك، لكن لم تظهر روائح أي طبخة”، مشدداً على “أننا لا يمكن بهذه الطريقة أن نقارب المشكلات في لبنان، ولكن نحن في بلد نكون دائماً على موعد مع المفاجآت التي تقلب الأمور رأساً على عقب”.