أُثار قرار توسعة مطار رفيق الحريري الدولي جدلاً في الأوساط السياسية، وبعيداً عن الدخول في تفاصيل الملف، بدأت تصدح بالتزامن أصوات المطالبة بمطار رينيه معوض الدولي في القليعات، بل ذهب البعض أبعد من ذلك، واعتبر أن المبلغ الذي من المفترض دفعه لإنشاء مبنى جديد في مطار بيروت، يجب أن يدفع لمطار القليعات، كأنه يجب أن يكون هناك ضرب للانماء لمنشأة في منطقة من أجل منشأة مماثلة في منطقة أخرى، ولكن السؤال هل يحتاج لبنان إلى مطار ثانٍ؟ وهل حصلت الدراسات المناسبة من أجل إنشاء مطار آخر، أم هي مطالبات في السياسة وللمزايدات الشعبوية فقط؟
تقنياً، لا مانع من إنشاء مطار ثانٍ في لبنان، إن كان في القليعات أو أي منطقة أخرى، ولكن الملف لا يتم التحدث عنه من الجهة التقنية، كما فعلت “المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان” (إيدال) التابعة لرئاسة مجلس الوزراء، بل يأخذ الموضوع طابعاً سياسياً وطائفياً في معظم النقاشات حول إنشاء مطار ثانٍ في البلد، ويوصف مطار بيروت بأنه في “منطقتهم” أي الطائفة الشيعية، كأن المطار يدار وفق الشريعة الاسلامية وفتاوى الطائفة الشيعية، لا أن إدارته تخضع للقوانين المدنية ولنظام الدولة اللبنانية. والجهة الثانية التي يصوّب فيها على المطار هي أن “حزب الله” يسيطر عليه، ولكن لطالما نفت إدارة المطار هذا الأمر، وفعلياً من الصعب على الحزب تمرير عتاد كبير عبر المطار، فهو حتماً تحت المراقبة الأميركية، وإلى الآن الادارة الأميركية ومؤسساتها لا تتحدث عن نشاطات تصفها بالمشبوهة فيه، الا أنه بعيداً عن صحة هذه الادعاءات أو عدمها، الحملة من أجل إنشاء مطار آخر تخاض من هذا المنطلق، الأمر الذي يخيف حتى من يتمنون إنشاء المطار في نطاق انتخابهم، لما ستكون له من فوائد على ناخبيهم، إلا أنهم من فكر وطني وحدوي يرفضون أي نوع من التقسيم والفدرلة، اذ يبدو أن بعض القوى في لبنان تعتبر أن الفديرالية يمكن أن تنشأ في حال تعددت المنشآت كالمطارات والمرافئ، وهذا يوحي بأنها في حال كانت غير راضية عن اتفاق الغالبية في البلد، تتمرد وتضع هذه المنشآت تحت سيطرتها، وتنتظر رضوخ بقية البلد لإرادتها، أو أنها ستبقى منفصلة عن الدولة المركزية.
رئيس لجنة الأشغال العامة والنقل النائب سجيع عطية أشار في حديث لـ”لبنان الكبير” الى أنه كان يسعى مع الكتل السياسية الى فتح مطار القليعات من وجهة نظر اقتصادية وسياحية، لافتاً الى أن “البنى التحتية في العاصمة تحت ضغط الزحام، وكنا نقول إنه حتى لو خففنا الشحن عن مطار العاصمة يكون ذلك أمراً جيداً، ولكن الأمر لا يحتاج إلى موافقة سياسية وحسب، بل يجب طرح الملف على حكومة أصيلة، عدا عن أن المنطقة التي يقع فيها المطار مصنفة (red zone) أمنياً، وذلك لقربها من الحدود السورية والمشكلات التي تعاني منها سوريا”.
إذاً، اليوم ليس هناك اعتراض على انشاء مطار ثانٍ في لبنان، وفي الأصل مطار رفيق الحريري الدولي يخضع للمحاصصة الوظائفية كما كل مؤسسات الدولة، وبالتالي لا وجود لجهة تريد الاستفراد بالمطار، وبعيداً عن المانع الأمني اليوم، حتى لو كان هناك إمكان أمنياً لتشغيل المطار، فسيخرج دعاة الفديرالية والتقسيم، ويعتبرون الأمر وفق أجنداتهم، مما قد يتسبب بنفور الوحدويين من المشروع، الذي من المفترض أن يبنى على أساس اقتصادي وانمائي بحت.