يُحيي فلسطينيو الداخل الذكرى الـ 47 لـ”يوم الأرض”، في ظل إمعان الدولة الغاصبة لأرضهم في ممارسة سياسات مصادرة المنازل وهدمها والتهجير، تنفيذاً للفكرة الصهيونية التلمودية “أرض أكثر وعرب أقل”!
وإحياء الفلسطينيين “يوم الأرض”، الذي بات حدثاً سنوياً، منذ أحداث آذار من العام 1976، تأكيد على تمسكهم الراسخ بهويتهم وأرضهم، وإلتزامهم بقضيتهم المحقة والعادلة، المتمثلة في إستعادة الأرض المغتصبة من عصابات بني صهيون، وقيام دولة فلسطين، وعاصمتها القدس الشريف، التي تبقى محور نضال الفلسطينيين، وجوهر الصراع العربي – الاسرائيلي.
وتعود أحداث آذار 1976 الى قيام سلطات الاحتلال الاسرائيلي بمصادرة آلاف الدونمات من الأراضي في سخنين وعرابة ودير حنا وعرب السواعد وكفر كنا والطيبة، ذات الملكيّة الخاصّة أو المشاع في نطاق حدود مناطق ذات غالبيّة سكانيّة فلسطينيّة، وقد عمّ إضراب عام ومسيرات من الجليل إلى النقب حيث إندلعت مواجهات دامية، عندما خرج الفلسطينيون رفضاً للقرار الاسرائيلي الهادف إلى تهويد الجليل وإقامة مستوطنات جديدة، وتفريغه من العرب، ما أسفر عن إستشهاد 6 فلسطينيين، وإصابة المئات واعتقالهم.
وتشير الأرقام إلى أن سلطات الاحتلال إستولت على نحو مليون ونصف المليون دونم منذ إحتلالها فلسطين حتى العام 1976، ولم يبق بحوزة سكان مناطق الـ 48 سوى نصف مليون دونم، في حين أقرت خطتها في ذلك العام للاستيلاء على مساحات جديدة من أراضيهم. وحينها قاوم السكان كل الضغوط الاسرائيلية، وقررت لجنة الدفاع عن الأرض العربية، الاضراب الشامل، والذي شهد إرتكاب الجيش الاسرائيلي مجازر بحق المتظاهرين السلميين، ورفض الاحتلال وقتها فتح تحقيق في الحادث.
ومنذ ذلك الوقت يحرص الفلسطينيون، في مناطق الـ 48 وكذلك في فلسطين التاريخية، على إحياء هذا اليوم، بفعاليات وطنية تؤكد تمسكهم بأرضهم المحتلة.
وتحل هذه الذكرى، وقد تشابهت أوضاع الفلسطينيين كثيراً، بحيث تواصل سلطات الاحتلال هجماتها العنصرية، سواء على القاطنين في مناطق الـ 48، أو على سكان الضفة الغربية، الذي يعانون من سرقة أراضيهم، وتصاعد هجمات المستوطنين، وبناء المستوطنات، أو في قطاع غزة الذي يعاني سكانه من الحصار المشدد.
وشهد العام 2022، زيادة كبيرة في وتيرة بناء المستوطنات وتوسيعها، بحيث صادقت سلطات الاحتلال على نحو 83 مخططاً لبناء أكثر من 22 ألف وحدة إستعمارية في جميع أنحاء الضفة الغربية بما فيها القدس.
وفي موازاة ذلك، نفذت سلطات الاحتلال والمستوطنون بحماية الجيش الاسرائيلي 8724 إعتداءً بحق المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم خلال العام 2022، بواقع 1515 إعتداءً على الممتلكات والأماكن الدينية، و362 على الأراضي والثروات الطبيعية و6847 على الأفراد.
كذلك، نفذت سلطات الاحتلال خلال العام 2022 ما مجموعه 378 عملية هدم، طالت 953 منشأة في الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس، وتركزت معظمها في محافظة القدس بواقع 118 عملية هدم بنسبة 31%.
يمكن إعتبار “يوم الأرض” عام 1976 الرصاصة الأولى التي أطلقت على منظومة الأبارتهايد، وتحديداً على أحد أهم أعمدة نظام الفصل العنصري، ألا وهو التجزئة أو التقسيم، الجغرافي والديموغرافي والثقافي، بحيث أن الاضراب الشهير الذي نفذه فلسطينيو الـ48، وما أعقبه من مواجهات غير مسبوقة من حيث إتساعها وحدتها، دفع بالفلسطينيين في الأرض المحتلة إلى الالتحاق بالاضراب، في أول عمل وحدوي منذ النكبة، شمل فلسطين التاريخية المجزأة، بين البحر والنهر. لقد وضع ذلك الحدث الكبير، الذي اجترحه هؤلاء الفلسطينيون الذين نجوا من مخطط الاستئصال، المدماك الأول في مسار اليقظة والوعي بوحدة فلسطين وشعبها.
لا شك في أن الوجود الديموغرافي الفلسطيني، والنضال والصمود الفلسطيني، وعلى الرغم من أزمة الحركة الوطنية الفلسطينية، وضع هذا النظام العنصري أمام مأزق وجودي، سيظل يتفاقم إلى أن يسقط، وذلك عندما تتوافر وتنضج حركة وطنية متجددة وذات قيادة قديرة مرتبطة بشعبها.
بناءً عليه، فإن الرهان معقود على الجيل الشبابي، الذي يقاوم الاحتلال ويواجهه في مختلف المدن والبلدات المحتلة، بعفوية وثبات، محطماً الحواجز النفسية، من دون الانخراط في المنظمات والحركات الوطنية الفلسطينية، التي عجزت عن إعادة تظهير وإنتاج مشروع يقارب التحولات والمتغيرات الجذرية، ما جعلها تصاب بـ “الشيخوخة” والقحط، لتتحول إلى عبء على القضية. وهذا ما يتطلب إعادة إنتاج ثقافة “يوم الأرض” من الناحية السياسية والتنظيمية والفكرية، شرط أن يكون الشباب الثائر والنخب المتنورة، هي المدماك لهذه الثقافة الاستنهاضية، لكي تتحول إلى مشروع متجدد، يكون قادراً على إعادة إحياء القضية الفلسطينية، وجعلها مجدداً قضية العرب المركزية والمصيرية.