حرب العاشر من رمضان (2): استخدام الملك فيصل سلاح النفط جزء من الانتصار

زياد سامي عيتاني

إقرأ الجزء الأول: حرب العاشر من رمضان (١): تحطيم أسطورة “الجيش الذي لا يقهر”

في حرب العاشر من رمضان عام 1973، استخدمت الدول العربية المنتجة للنفط بمبادرة من المملكة العربية السعودية، النفط كسلاح “موجع” للغرب وفي مقدمه الولايات المتحدة الأميركية، لدعم الجيشين المصري والسوري في حربهما ضدّ اسرائيل، كردٍّ على قرار الادارة الأميركيّة القاضي بإنشاء جسر جوي في 13 تشرين، أيّ بعد أسبوع من اندلاع الحرب، وذلك لدعم إسرائيل، بعد الهزيمة التي لحقت بها، بحيث أرسى هذا الحدث الاستثنائي أساس واقع “جيوسياسي” استمرت نتائجه وتداعياته الكارثية على العالم المتقدم، لا سيما أميركا وأوروبا، حتى نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، إذ دخلت الدول المتقدمة في أزمة طويلة تميّزت بانفجار البطالة وتفاقم التضخم وتباطؤ النشاط، إضافة إلى طوابير الانتظار في محطات الوقود، بينما ارتفعت الأسعار في المضخات، للمرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

في خضم تلك الحرب، استخدمت القوات الأميركية مطارات دول أوروبية لنقل العتاد والوسائل اللوجستيّة، وعندها بدأ التدخّل العربي في استخدام النفط وسيلة ردع للأميركيين والحلفاء الاسرائيليين. فقرّر الزعماء العرب حظر تصدير النفط إلى الولايات المتحدة والدول الداعمة لاسرائيل في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1973، بهدف بلورة سياسة عربية موحدة إزاء القضايا القوميّة المشتركة الكبرى، والضغط على المجتمع الدولي لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة.

قرار حظر التصدير:

في 16 أكتوبر/ تشرين الأول 1973 اجتمع وزراء نفط دول الخليج الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” في الكويت، وأقرّوا زيادة حادة في سعر النفط وصلت الى 70%. كما اتخذ وزراء النفط العرب في اليوم التالي 17 أكتوبر قراراً بحظر تصدير النفط إلى الولايات المتحدة، وكذلك خفض الانتاج بنسبة 5%.

والأمانة التاريخية تقتضي الإقرار والإعتراف، بأن صاحب المبادرة الجريئة والشجاعة في استخدام سلاح النفط في تلك اللحظة التاريخية والمصيرية، هو الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود، الذي أعطى توجيهات صارمة الى أبرز وزير نفط في تاريخ المملكة أحمد زكي اليماني، الذي كان يطلق عليه “وزير النفط السعودي غير القابل للإقالة” (1962 – 1986)، الذي كان صوت المملكة داخل “أوبك”.

يذكر في هذا السياق، أن الملك فهد لم يرضخ للضغوط والتهديدات الأميركية، بحيث أن الرسالة التي وصلته كانت واضحة: “إذا لزم الأمر، ستغزو الولايات المتحدة شبه الجزيرة العربية، لضمان الوصول إلى إحتياطيات الذهب الأسود ومنع النقص المنظم من التسبب بإرتفاع الأسعار، بالتالي فإنه إذا لزم الأمر أيضاً، ستُمنح إيران، بقيادة الشاه، دور الشرطي في المنطقة على حساب الخليج والدول العربية الأخرى، بما في ذلك العراق ومصر”.

إنطلاقاً من هذا الموقف الغاية في الجرأة من الملك فيصل، فإن السعوديين مقتنعون بأنه كلفه حياته (إغتيل على يد “رجل مجنون” في 25 آذار 1975)!

التداعيات على الاقتصاد الأميركي والغربي:

كان لاستخدام “سلاح” النفط العربي، نتائج كارثية على الاقتصاد الغربي عموماً، وعلى الاقتصاد الأميركي تحديداً، بحيث خسرت سوق الأوراق المالية 97 مليار دولار، الأمر الذي أرغم كلاً من بريطانيا وفرنسا على تبني موقف الحياد، ورفض استخدام مطاراتهما لنقل العتاد العسكري الأميركي إلى إسرائيل.

ولم يقف الموقف الأوروبي عند هذا الحد، ففي 7 تشرين الثاني 1973، أصدر وزراء خارجية السوق الأوروبية المشتركة بياناً طالبوا فيه إسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة.

استمرار حظر التصدير وتوسعه بعد توقف الحرب:

بعد توقف الحرب في 26 أكتوبر/ تشرين الأول والدخول في المفاوضات، أبقت الدول العربية على قرار حظر النفط. ففي 4 تشرين الثاني 1973 إجتمع وزراء النفط العرب الأعضاء في “أوبك”، وقرروا زيادة خفض الإنتاج من جديد بنسبة 25%، وكذلك توسيع دائرة الحظر ليشمل هولندا، كما تم توسيعه لاحقاً ليشمل الدنمارك وجنوب أفريقيا والبرتغال ودولاً أخرى.

وفي 26 تشرين الثاني 1973، عقد في الجزائر مؤتمر القمة العربية السادس، ومن جملة القرارات التي خرج بها القادة، الاستمرار في إستخدام النفط سلاحاً في المعركة، وربط تصدير النفط لأي دولة بإلتزامها بتأييد القضية العربية العادلة.

وفي 8 كانون الأول 1973، عاد وزراء النفط الى الاجتماع في الكويت، وأعلنوا أن إلغاء حظر النفط مرتبط بوضع جدول زمني للإنسحاب من الأراضي العربية المحتلة، توقّعه تل أبيب وتضمنه واشنطن.

وفي 17 آذار 1974، أعلن وزراء النفط العرب نهاية حظر النفط بعد أسابيع من تقدّم المحادثات وفض الاشتباك بين مصر وإسرائيل.

أميركا لم تكترث لتلويح العرب بسلاح النفط:

كشفت وثائق بريطانية أن بريطانيا والولايات المتحدة قلّلتا من إرادة العرب وقدرتهم على وقف ضخ النفط للغرب خلال حرب العاشر من رمضان.

ففي 11 حزيران عام 1973، أي قبل الحرب بأربعة أشهر، زار وزير الخارجية الأميركي ويليام روجرز، إيران لحضور إجتماع مجلس وزراء منظمة معاهدة الشرق الأوسط (حلف بغداد)، حيث قلّل خلال الاجتماع من شأن تهديدات العرب بإستخدام النفط سلاحاً للضغط على الغرب لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي المحتلة في حرب العام 1967. ونقل عنه قوله إن “كلّ الكلام عن استخدام العرب نفطهم سلاحاً سياسيّاً فارغ حسب رؤية الولايات المتحدة”.

ويروي أنتوني بارسونز، الوكيل الدائم لوزارة الخارجية البريطانية آنذاك، أنّه في تقرير سري عن حوار جرى بينه وبين الوزير الأميركي في طهران، تحدث روجرز ببعض القوة عن موقف العرب تجاه النفط.

وأولت صحفُ بريطانية اهتماماً ملحوظاً بـ”تلميح” السادات، في خطاب بمناسبة عيد العمال في أول أيار عام 1973، إلى أنّ الدول العربية الغنية بالنفط وعلى رأسها السعودية “وعدت بإستخدام إمدادات النفط سلاحاً بمجرد بدء مصر عمليات عسكرية لتحرير الأراضي التي إحتلتها إسرائيل في حرب 1967”.

حينها نقلت الصحف عن مراقبين سياسيين قولهم إن “السادات يرى أنه بينما قد يبقى القتال بين مصر وإسرائيل محلياً، فإنّ وقف ضخ النفط من جانب الدول العربية سوف يضرّ العالم الغربي، وخصوصاً الولايات المتحدة، ويجبر واشنطن على وقف ضخها السلاح لإسرائيل”.

لم يكن الانتصار الذي حققته القوات المسلحة المصرية على إسرائيل، بفعل الخطط العسكرية والاستراتيجية الحربيّة فحسب، بل كانت الحرب الإقتصادية التي شنتها الدول العربية (أعضاء أوبك) على المعسكر الغربي الداعم لإسرائيل خير دليل على الموقف العربي تجاه مصر، ودور سلاح النفط الاستراتيجي في دفع الراية نحو الجانب المصري لحصد الإنتصار التاريخي وإجبار إسرائيل على الانسحاب من المناطق العربية المحتلة.

وعلى الرغم من أنّ حظر النفط العربي دام أشهراً فقط، فإنّه كان وسيلة فاعلة في ردع الكثير من الدول الداعمة لاسرائيل، كما مكّن الدول العربية من زيادة الأسعار وأعطاها السيادة في الإنتاج والتصدير.

إقرأ الجزء الثالث: حرب العاشر من رمضان (3): الغطرسة وفشل “الموساد” مصدر هزيمة إسرائيل

شارك المقال