نيران العقوبات الأميركية تستهدف فرنسا وتصيب فرنجية

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

على الرغم من أن وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة الارهاب والاستخبارات المالية براين نيلسون، نفى أن تكون هناك علاقة بين العقوبات الأميركية الأخيرة التي فرضت على الشقيقين تيدي وريمون رحمة والاستحقاق الرئاسي في لبنان، لافتاً إلى أن إدراجهما على لائحة العقوبات “كان بسبب الفساد حصراً”، إلا أن معظم التحليلات السياسية جنحت إلى ربط ذلك بملف الرئاسة وتحديداً اعتبرت القرار الأميركي رداً غير مباشر على ما تحاول فرنسا شريكة الولايات المتحدة في اللجنة الخماسية التي ستنضم إليها إيران لاحقاً، السعي اليه من تسويق صفقة مرفوضة داخلياً وعربياً تقوم على معادلة سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية ونواف سلام لرئاسة الحكومة، وتطويقاً لنتائج زيارة فرنجية الذي حاول التسويق لضمانات، لكنه حسب البعض عاد من باريس بخفي حنين، بعدما تبين أن المملكة العربية السعودية على موقفها من عدم تسمية أحد والتمسك بالصفات، أي رئيس توافقي غير محسوب على جهة وغير منغمس في لعبة الفساد وحماية من أوصلوا لبنان إلى أن يكون البلد الأول عالمياً في نسبة التضخم نتيجة إنهيار عملته.

الأخوان رحمة مقربان من المعاقب جبران باسيل والياس بو صعب، فشركتهما “زد آر انرجي” فازت بعقد وزارة الطاقة التي يديرها “التيار الوطني الحر”، ليجري اكتشاف أن الفيول المنقول الى شركة الكهرباء بواسطة هذه الشركة كان مغشوشاً وغير مطابق للمواصفات، ما إضطر القضاء الى فتح ملاحقة منذ العام 2020 بقيت من دون نتيجة.

وللأخوين رحمة ارتباطات جيدة مع “القوات اللبنانية”، إذ أن الشركة “سبونسر” لمهرجانات الأرز السنوية، ولم يكن مفاجئاً دفاع فرنجية عن أصدقائه منذ 40 سنة، وحسب قوله “مش مستحي بهيدا الموضوع”، ولهما أيضا صلات مع رئيس مجلس النواب نبيه بري.

وأشارت معلومات إلى أن أعمال الأخوين رحمة ممتدة من لبنان إلى العراق وبريطانيا ومن قطاع النفط إلى الاتصالات وكذلك المصارف.

ورجح البعض أن تكون هذه العقوبات مرتبطة بالاستحقاق الرئاسي، فأميركا صارت تخاطب العالم بالعقوبات وقد فرضت منذ أيام عقوبات على شخصيات سورية من آل الاسد ومن النظام من مهربي الكبتاغون، واعتبر القرار كرد على الانفتاح على نظام بشار الأسد. من هنا وبغض النظر عن ذلك لا يمكن قراءة قرار العقوبات الأميركي الجديد بحجة الفساد من دون إعتباره تلميحاً الى رفض مرشح الممانعة.

تشرح مصادر متابعة الصورة بالقول: “ان زيارة مرشح الثنائي سليمان فرنجية الى فرنسا ولقاءه مستشار الرئيس ايمانويل ماكرون كانت محاولة لتسويق نفسه للقول ان الأبواب الرئاسية قد فتحت له دولياً وان حظوظ القبول به ترتفع، لكنها كانت محاولة يائسة، اذ أن الفرنسيين أوضحوا له أن حظوظه متعثرة بسبب عدم الرضا عن مواقفه حتى وإن كان هناك من يروّج في الاعلام لنصيحة فرنسية تلقاها وهي فتح نافذة على السعودية، التي قالت رأيها منذ البداية بأنها لن تقبل برئيس يشكل استفزازاً لطرف من الطرفين في لبنان وبضرورة اختيار رئيس توافقي من الخبراء الاقتصاديين والماليين وليس سياسياً، وله موقف واضح من كثير من الأسئلة التي طرحتها السعودية ولم تتم الاجابة عنها وبالتالي هي لا تقبل الوعود من شخصية يسيّرها حزب الله ومدعومة من الثنائي وغير مقبولة من غالبية مسيحية، وهذا ما يشكل عائقاً، فالسعودية لن تقبل برئيس مناكف وليس رئيس حل والفرنسيون لن يستطيعوا أن يكونوا وسيطاً والقبول بضمانات شفهية”.

وتشير المصادر الى أن الجميع يدرك أن “المملكة تمتلك ثقلاً سياسياً وديبلوماسياً وقدرات مالية واضحة وسيكون على عاتقها الدعم المادي للبنان عبر الاستثمارات المشتركة وليس تقديم هبات أو مساعدات مباشرة، بالاضافة الى أن علاقتها في الداخل اللبناني بالأطراف التي تعتبر أنها تقف الى جانبها تشكل ورقة ضغط لعدم القبول بفرنجية، ومن ناحية ثانية هناك الاتفاق الايراني – السعودي الذي لن يسمح بوصول رئيس الى سدة الرئاسة من طرف حزب الله، ومن هنا لم يعلن فرنجية ترشحه وبرنامجه وهو بإنتظار خرق ما في هذا الاتفاق ليبدد حظوظه نهائياً بالوصول الى بعبدا وربما يكون قرار تبادل السفراء وفتح السفارتين مؤشراً على ذلك”.

وتلفت الى “عدم ترحيب فرنجية بعودة الأسد الى الحضن العربي وخصوصاً أن السعودية تقود الديبلوماسية العربية والقمة ستعقد برئاستها، ومن المتوقع أن تدعو الأسد طبعاً اذا لبى ونفذ شروطاً، وينظر الى فرنجية كونه ميليشياوياً شارك في الحرب وكان حليفاً للنظام السوري وحزب الله وايران وهو حليف الطبقة الفاسدة التي تسببت بانهيار البلد، وكان من بين الذين حموا المسؤولين ومنعوهم من مواصلة التحقيق بإنفجار مرفأ بيروت، وتمنع وزير الأشغال يوسف فنيانوس عن الحضور للتحقيق معه في هذا الملف مع الوزراء الشيعة ورفض المثول أمام القاضي طارق البيطار”.

وتضيف المصادر: “فرنجية إذاً غير مقبول لا داخلياً ولا عربياً ولا خارجياً، والمستجد هنا الموقف الأميركي أي العقوبات وهو مؤشر على التشدد باتجاه لبنان وله ثقل على العملية السياسية اللبنانية في موازين الأطراف الخمسة التي شكلت خماسية باريس، فسريعاً وضعت الخزانة الأميركية تيدي وريمون رحمة المتورطين في صفقات النفط وفساد الفيول والتجارة مع جبران باسيل، وهما مرتبطان مباشرة بفرنجية وهناك مشاريع أخرى عمرانية في زغرتا ممولة منهما، اذ ينفقان بسخاء على شريكهما وبالتالي الخزانة الأميركية لم تضعهما عبثاً على لائحة العقوبات، وهي رسالة واضحة أن الأميركي لا يرغب في وجود رئيس مرتبط بهذه الطبقة”.

الا أن مصادر سياسية أخرى ترى أن “المستهدف من هذه العقوبة ليس فرنجية بالمباشر وانما فرنسا، وقد أصيب فرنجية بالخطأ هنا، فالرسالة الأميركية للفرنسيين هدفها التعبير عن عدم الرضا عما يقومون به في هذه المرحلة في لبنان والمنطقة، وأميركا غير راضية عن الانفتاح الفرنسي على ايران لتمرير مصالحها، ومع الثنائي الشيعي وحزب الله بأمل الحصول على دعم متمولين شيعة في أفريقيا لمشاريع استثمارية فرنسية في ايران ولبنان، ومحاولة فرنسا استرضاء الايرانيين على حساب الأميركيين، ومن هنا يبدو أن الادارة الأميركية بعد الاتفاق السعودي – الايراني الذي حظي بالرعاية الصينية، تعيد حساباتها، والأسئلة مطروحة في الوسط السياسي الأميركي داخل الحزب الحاكم وخارجه عن سياسة الرئيس جو بايدن نتيجة السياسة المتراخية من ايران كما في عهد باراك اوباما، والتي تظهر في الارتباك الحاصل في معالجة الملف النووي الايراني الذي بدأ يفقد أميركا أصدقاءها وحلفاءها، فرسالة العقوبات الى فرنسا لأنها استخدمت التفويض بايجاد حل للأزمة اللبنانية على قاعدة ارضاء الايرانيين في كل ما يريدونه على حساب اللبنانيين الذين لا يتبعون سياساتها”.

وبحسب المصادر فان “ترشيح فرنجية الذي يعاني من عوائق في الأصل زاد عليه اليوم الموقف الأميركي المعرقل للتسوية الفرنسية، والرهان على انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة رد عليها الأميركيون بارسال حاملة طائرات الى قبالة السواحل السورية، وبهذا أكدوا قدرتهم على استعادة المبادرة”.

شارك المقال