نشر موقع “بوليتيكو” (Politico) الأميركي مقالاً في خانة “الرأي” يدعو الولايات المتحدة والغرب إلى إعادة حساباتهم مع روسيا والابتعاد عن استراتيجية الاحتواء واتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد موسكو. وفيما يلي ترجمة للمقال الموقع باسم الكاتب الفرنسي والمحلل المتخصص بالشؤون الخارجية والأستاذ في معهد الدراسات السياسية في باريس، نيكولاس تنزر.
“في المواجهة بين الرئيس الروسي والغرب، لا يمكن إلا أن يخرج طرف واحد منتصراً. هذا تفصيل لا يجب أن يغيب عن بال رئيس الولايات المتحدة، جو بايدن خلال لقائه بفلاديمير بوتين. لقد ركز القادة الغربيون حتى الآن، في مواجهة الموقف العدواني لروسيا في الخارج، بشكل عام على كبح تقدم نظام بوتين الانتقامي في إجراء يشار إليه تقليديًا باسم “الاحتواء” وينظر إليه على أنه أقوى موقف يمكن اتخاذه.
المشكلة هي أن “الوضع الراهن” هو ما يريده بوتين بالضبط. بيد أن هذا الوضع يشكل خطراً كبيراً لأنه يمثل مكسباً لموسكو (…) بعبارات أوضح، استراتيجية الاحتواء تعني استحالة استعادة جورجيا لـ 20% من أراضيها التي ضمتها روسيا بحكم الأمر الواقع، واستحالة استعادة أوكرانيا لشبه جزيرة القرم، وكييف لسلامتها الاقليمية، عدا عن استمرار الصراع ولو بحدة منخفضة في جزء من منطقة دونباس الأوكرانية.
(…) أما في سوريا، ستخدم استراتيجية الاحتواء روسيا أيضاً، حيث ستستمر هذه الأخيرة بدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، إلى جانب إيران المتهمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وبالتالي، لن تتوقف جرائم الحرب التي يرتكبها النظام ضد الشعب السوري. ومن شأن هذا النهج أيضًا أن يدعم الوجود الدائم للقوات الروسية في ناغورني كاراباخ، مما يمنح موسكو الكلمة الفصل في النزاعات في هذه المنطقة من القوقاز، ويجعلها الفائز الحقيقي في الصراع هناك. أضف إلى أن التجميد التام للعلاقات بين روسيا والغرب لن يمنع موسكو من مواصلة عمليات زعزعة الاستقرار في أفريقيا أيضاً.
(…) وكتب مايكل ماكفول، بصفته مستشاراً للرئيس السابق باراك أوباما وسفيراً للولايات المتحدة لدى روسيا، مؤخرًا أنه لا يمكن اختصار الهدف بتحسين العلاقات مع روسيا لأن ذلك سيعني الاستسلام لمطالب بوتين ورفض مواجهته، وقد قمنا بذلك بشكل جيد للغاية على مدى السنوات الـ 21 الماضية، من خلال قبول التنازلات التي طالب بها الرئيس الروسي. وفي السياق عينه، ذكر الباحث البيلاروسي تاديوس جيكزان، بأن المجال الوحيد الذي يحقّ لموسكو إبداء الرأي فيه هو روسيا نفسها، علما بأن ذلك لا يعني حتى أنها تستطيع قمع شعبها.
يبدو بشكل ما أن الديمقراطيات أسيرة لعبة صفرية مع موسكو وخسارتنا تعني فوز موسكو. ومن أجل الظفر بالنصر، لا بد من عكس اتجاه توسع نفوذ موسكو العدواني وتجريد روسيا تدريجياً مما حصدته حتى الآن. لا يمكن لهذا الاتجاه أن يستمر! لقد وضعنا أنفسنا في هذا الموقف لأننا ترددنا في التصرف ولم نأخذ زمام المبادرة وتركنا الكرملين ببساطة يضع جدول الأعمال. يجب أن تخسر روسيا! ولضمان ذلك، لا يتعلق الأمر بإضعاف البلاد بقدر ما برتبط بإضعاف الدائرة الضيقة التي تضم القادة المستفيدين من سياسة بوتين العدوانية.
وسيتطلب هذا أولاً وقبل كل شيء، توافق الولايات المتحدة وأوروبا والمملكة المتحدة على تشريع لا تشوبه شائبة لمكافحة الفساد والعمل مع أكبر عدد ممكن من عواصم الاتحاد الأوروبي، علما بأن ذلك قد يتطلب تجاوز الدول الأوروبية المترددة التي يستفيد بعضها (…) من النهج الحالي. وقد اقترح فريق زعيم المعارضة الروسية أليكسي نافالني بالفعل إجراءات ضد 35 فرداً من الدائرة المقربة من بوتين. كما يجب تعليق جميع الاتفاقيات الاقتصادية المهمة مع موسكو، ويشكل خط أنابيب “نورد ستريم الأول” المثال الأكثر أهمية في هذا الإطار.
أما في الجانب الأوكراني، لا بد من تقديم المزيد من العون للجيش وتمكينه من أجل الرد بشكل أفضل بمواجهة الهجمات الروسية وهذا يعني إبعاد احتمال التوصل إلى حل وسط مع موسكو على خلفية وحدة أراضي أوكرانيا، حتى ولو استغرق الأمر وقتاً طويلاً، فلا يمكننا رفض مبدأ عضوية أوكرانيا المحتملة في الناتو أو حتى في الاتحاد الأوروبي. والأمر سيان بالنسبة لجورجيا. وفي بيلاروسيا، عدا عن العقوبات الشديدة التي لا بد من فرضها ضد السلطات القمعية، علينا الاعتراف بالمعارضة في المنفى باعتبارها الحكومة الانتقالية الشرعية الوحيدة قبل الانتخابات التي يجب أن تخضع لإشراف مراقبين مستقلين وجديرين بالثقة. ولا ضير من معالجة مسألة تغيير النظام بشكل علني مع الإشارة إلى أن لا أحد يقترح القيام بذلك بالقوة. لقد آن الأوان للتوقف عن استخدام العبارات الجوفاء مثل “الحل السياسي الشامل” التي لا تعني شيئًا في الحقيقة.
وبالعودة إلى سوريا، يتوجب على الحلفاء تجاوز عقبة مهمة هي لجوء موسكو المدعومة من بكين، بشكل منهجي لاستخدام حق النقض (الفيتو) وبالتالي منع دخول المساعدات الدولية إلى البلاد عبر المناطق الواقعة خارج سيطرة النظام. وبهذا يوجه الحلفاء رسالة قوية إلى الدول التي قد تميل إلى الانضمام إلى روسيا، مفادها أن الاعتراف بنظام الأسد لن يمرّ بدون عواقب.
أخيراً، من غير المقبول أن تظل جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى أرضاً مجهولة خارج أطلس القوى العظمى، ولا سيما بالنسبة للولايات المتحدة، بل يجب على العكس، فرض عقوبات شديدة على الدائرة المقربة من القادة الروس لوضع حد للعنف. لقد حان الوقت لتغيير اتجاه الرياح ضد نظام بوتين. لا يمكن ضمان أمن الديمقراطية الغربية وعدول مقلدي بوتين المحتملين عن انتهاج سياسته إلا من خلال التأكد من خسارة روسيا للعبتها بمواجهة الغرب”.