على هامش الجهود الفرنسية لبناء علاقة اقتصادية صحية مع العملاق الصيني، يبدو أن باريس مستعدة أيضاً للتعاون مع بكين في المحادثات المتعلقة ببرنامج إيران النووي. وبالفعل، أشار بيان مشترك للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الصيني شي جين بينغ الجمعة الماضي، من جملة أمور أخرى، إلى الجهود المشتركة لإحياء الاتفاق النووي.
ولفت البيان إلى أن البلدين “يجددان التزامهما بتعزيز تسوية سياسية وديبلوماسية للمسألة النووية الإيرانية”، مضيفاً أن فرنسا والصين تتعهدان بالعمل معاً للحفاظ على النظام الدولي لمنع انتشار الأسلحة النووية وتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة.
والتقت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا، الخميس الماضي، أثناء مرافقتها لماكرون في زيارته الى الصين، بنظيرها الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في بكين، في لقاء أول نادر بينهما.
وقال بيان لوزارة الخارجية الفرنسية إن كولونا جددت مطالبة فرنسا بالإفراج الفوري عن ستة فرنسيين تحتجزهم إيران بصورة تعسفية وأن المحادثة تناولت الوضع في إيران ومختلف القضايا الاقليمية والبرنامج النووي الإيراني. ورداً على سؤال، رفضت الوزارة تقديم أي تفاصيل أخرى عن الاجتماع أو تأكيد ما إذا كان من المقرر عقد أي اجتماعات أخرى بين الديبلوماسيين الفرنسيين والإيرانيين في المستقبل القريب.
وسلطت زيارة ماكرون الى الصين، حسب قراءة في موقع “مونيتور” الالكتروني الضوء على الجهود الفرنسية والأوروبية لإشراك الصين في محاولات إنهاء حرب أوكرانيا. وحوّل الوجود المتزايد لبكين على الساحة الديبلوماسية الدولية عموماً وعلاقاتها مع موسكو، القوة الناعمة الصينية إلى لاعب لا مفر منه في الشرق الأوسط وأوروبا. والأكثر من ذلك، يشير الوضع إلى أنه بالنسبة الى فرنسا، يجب أن يؤخذ رأي الصين في الاعتبار بشأن ملفات إيران والشرق الأوسط الأخرى، بغض النظر عن الموقف الأميركي.
وأثر الاتفاق الذي توسطت فيه الصين بين السعودية وإيران الشهر الماضي على كل من الولايات المتحدة وأوروبا. وقال ماكرون، في حديث إلى “بوليتيكو” أثناء وجوده في الصين: إن أوروبا يجب أن تقلص اعتمادها على الولايات المتحدة، وأن تقاوم الضغوط لتصبح من “أتباعها”. كان الرئيس الفرنسي يشير إلى قضية تايوان، لكن المنطق نفسه يمكن أن يُتضمن أيضاً في صراعات أخرى. وأظهرت مقابلة ماكرون مع “بوليتيكو” الاستعداد الفرنسي لديبلوماسية مستقلة.
كانت الخطوة الأولى من هذا القبيل واضحة في مؤتمري بغداد (آب 2021 وكانون الثاني 2022) اللذين بدأهما ماكرون من أجل المساعدة في استقرار العراق قبل الانتخابات. تدخلت باريس حيث تركت واشنطن فراغاً ديبلوماسياً. وبالتالي، قد تظهر فرنسا الآن كواحدة من اللاعبين الرئيسيين في توسيع النفوذ داخل العراق. والمحادثات المتوقفة منذ فترة طويلة بشأن صفقة “توتال إنرجي” مع العراق البالغة قيمتها 27 مليار دولار تمضي قدماً. كما أن علاقات فرنسا القوية مع دول الخليج، بما في ذلك السعودية والإمارات وقطر، تتيح لها مساحة ديبلوماسية أكبر للعمل على الملف الإيراني والتقارب الخليجي – الإيراني.
ويأتي الحماس الفرنسي الحالي تجاه إيران على خلفية العلاقات الثنائية الصعبة بين باريس وطهران منذ وفاة مهسا أميني في العام 2022 وقمع طهران للمتظاهرين. وانتقدت باريس طهران بشدة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان وكان لها دور فاعل في تبني الاتحاد الأوروبي عقوبات ضد الشخصيات والكيانات الإيرانية المتورطة في انتهاك حقوق الإنسان. وأدى اعتقال العديد من الرعايا الفرنسيين إلى تفاقم الأزمة الديبلوماسية.
ومع ذلك، تتمسك باريس بموقفها المؤيد للحوار مع طهران للتوصل إلى اتفاق جديد بشأن برنامجها النووي. والتقى ماكرون الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في نيويورك في أيلول الماضي، ولا تزال القنوات الديبلوماسية مفتوحة بين البلدين. وفي الوقت الحالي، قد تكون الصين هي القطعة المكملة لمشروع ماكرون، بحيث تأمل فرنسا في أن تتمكن بكين من دفع إيران للعودة إلى الصفقة.